" الخطر الإيراني" يوحد الصف الخليجي في قمة الدوحة
١٠ ديسمبر ٢٠١٤مازالت قضية أزمة العلاقات القطرية الخليجية تثير المزيد من الجدل رغم إعلان المصالحة بين كل من قطر من جهة، والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى. الأزمة التي كان أججها بالأساس اختلاف مواقف الدول الخليجية من الملف المصري وجماعة الإخوان هدأت تدريجيا بعد محاولات الكويت وسلطنة عمان التدخل والتوسط بين بقية دول مجلس التعاون الخليجي، فتم عقد قمة طارئة منتصف الشهر الماضي والتي "أنقذت" قمة الدوحة الحالية بعد الاتفاق على خارطة طريق سميت "اتفاق الرياض التكميلي"، وتوج ذلك بعودة سفراء السعودية والإمارات والبحرين إلى الدوحة، بعدما تم سحبهم في مارس آذار الماضي في أكبر أزمة دبلوماسية عرفها البيت الخليجي. فكيف سيؤثر التقارب الخليجي في حال استمراره على جماعة الإخوان ـ أصل الخلاف -؟ وما هو الثمن الذي دفعته قطر من أجل العودة إلى البيت الخليجي؟
"إيران حسمت الخلافات"
وكان الكثير من الشكوك أثيرت حول انعقاد القمة في الدوحة بسبب البرود في العلاقات، إذ تتهم دول خليجية قطر بـ"العمل على تقويض أمنها الداخلي". وحتى مع تأكيد احتضان الدوحة للدورة الخامسة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون الخليجي أثار قرار تقليص مدة القمة إلى يوم بدلا من يومين -رغم أهمية وتنوع القضايا التي سيناقشها القادة الخليجيون- المزيد من التساؤلات حول نجاح هذه القمة.
واختلفت التفسيرات والعوامل التي ساعدت على تحقيق التقارب الخليجي بعد الأزمة الحادة، ويرى الصحافي الكويتي المختص في الشؤون في الخليجية محمد الدوسري أن السبب الأول والمستجد الذي حقق هذه المصالحة هو تزايد الأخطار المحدقة بدول الخليج كلها. ويضيف خلال حوار أجرته معه DWعربية "أولا يجب التذكير بأن الخلاف ليس بين قطر وكل الدول الخليجية إنما هو فقط مع السعودية والإمارات والبحرين، لكن تعاظم دور إيران التي تسعى لأن تكون قوة إقليمية تنفرد بالقرار في المنطقة، وتزايد الخطر على أمن الدول الخليجية جعل باقي الخلافات أقل أهمية ومتجاوزة".
ويضيف الخبير الكويتي بأن تراجع دور الولايات المتحدة في المنطقة ترك فراغا تحاول قوى إقليمية أن تحتله، ومنها إيران، وهو أمر ترى فيه السعودية وبقية دول الخليج خطرا على أمنها القومي يتجاوز خطر جماعة الإخوان التي تمحور حولها الخلاف. نفس الرأي يشاطره الصحافي السعودي خالد الغنامي، إذ يقول في مقابلة مع DWعربية إن ما قرب وجهات النظر الخليجية هو القضايا الإقليمية المشتعلة التي تشكل خطرا مقلقا لدول المجلس بالإضافة إلى "التدخلات الإيرانية بشكل عام في منطقة الجزيرة العربية، وهو ما يحتم ضرورة التنسيق والتعاون بين الدول الخليجية للحفاظ على مصالحها المشتركة".
ضغط الشعوب الخليجية
ويبدو هذا الرأي منسجما أيضا مع الموقف الرسمي، إذ أكد الأمير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد ونائب رئيس الوزراء السعودي، لدى وصوله إلى العاصمة القطرية الدوحة، للمشاركة في القمة الخليجية بالنيابة عن العاهل السعودي، أن "تحديات المرحلة الراهنة توجب علينا التكاتف لحماية مكتسبات شعوب دول الخليج وحماية أوطاننا ومصالح شعوبنا".
ويرى الخبير الكويتي أن ما يجمع الدول الخليجية أكثر بكثير مما يفرقها "لا شك هناك خلافات قوية بين بعض مكونات المجلس، لكن الروابط والعلاقات حتى بين الشعوب قبل الأنظمة ستحتم على الأخيرة مواصلة التنسيق وتجاوز الخلافات والأزمات"، حسب قول الدوسري.
ويتساءل الكثيرون ماذا دفعت قطر كثمن لعودتها إلى البيت الخليجي وعن ما ستربحه من هذا التقارب؟ "اتفاق الرياض" الأول الذي يضم البنود التي اتفق عليها القادة الخليجيون، لم يعلن عنه رسميا حتى الآن، لكن تسريبات وقتها أفادت أن قطر قدمت تنازلات وتعهدت بوقف حملاتها الإعلامية المسيئة لدول خليجية ولمصر وعدم تجنيس مواطنين معارضين من دول المجلس، وإبعاد الشخصيات المعادية للمجلس من أراضيها.
واعتبر محللون سياسيون أن التزام قطر بهذه الشروط هو ما سرع بحدوث المصالحة الخليجية. لكن الدوسري يقول بهذا الخصوص" لم نلاحظ أي تغير في سياسة قطر تجاه الإخوان المسلمين وهو أكثر ما انتُقدت عليه. المعروف أن قطر طالبت بعدم التدخل في سياستها الخارجية وقالت إنها لن تغير مواقفها لصالح دولة على حساب أخرى، وهو ما أعتقد أنه يجب أخذه بعين الاعتبار واحترامه فسياسة قطر نابعة من إرادة سياسية حرة".
وقدمت قطر مدفوعة بواقعيتها السياسية والرغبة في حماية مصالحها، تنازلات كبيرة ظاهرياً لدول الخليج خلال قمتها في الدوحة عبر الانضمام إلى الموقف السياسي الداعم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وإدانة الميليشيات الإسلامية في ليبيا، وهي التي جعلت من دعم الإخوان المسلمين خياراً أساسياً لها خلال السنوات الأخيرة.
وبحسب المحللين، لن تقطع قطر على الأرجح علاقاتها مع الإخوان المسلمين الذين تعتبر أنهم ما زالوا يشكلون تياراً عريضاً في العالم العربي، إلا أنها عازمة على الحد من تداعيات هذا الدعم على مصالحها السياسية والاقتصادية.
والقمة التي انعقدت الثلاثاء لساعتين فقط لكن مجرد انعقادها يعد نجاحا بعد تسعة أشهر من التأزم كانت الأسوا في تاريخ مجلس التعاون منذ تأسيسه في 1981، انتهت بإعلان "مساندة المجلس الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعباً في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها". كما أكد قادة الخليج، ومن بينهم أمير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، دعم "برنامج الرئيس عبد الفتاح السيسيي المتمثل بخارطة الطريق"، وإدانة "تحكم المليشيات وسيطرتها على الساحة الليبية".
ما مصير الإخوان؟
وكثيرا ما يتردد سؤال منذ بدء التقارب الخليجي وهو: كيف ستتأثر جماعة الإخوان المسلمين التي تدعمها قطر بالمصالحة الخليجية، وهل ستخضع قطر للضغوط الخليجية وتتخلى عن الجماعة التي أصبحت تصنف كتنظيم إرهابي في مصر؟
الخبير السعودي خالد الغنامي يتوقع أن يتأثر أداء جماعة الإخوان بعد المستجدات الأخيرة ويضيف: "باعتقادي مصلحة قطر في المرحلة الحالية وأولويتها هي العودة إلى محيطها الخليجي عوض الخوض في ملفات خارجية كالملف المصري"، وهو نفس التأثير الذي يتوقعه بخصوص العلاقات القطرية التركية القوية "هنا أيضا أعتقد أن قطر إذا اختارت فعلا البقاء مع الدول الخليجية فستراجع علاقاتها مع تركيا في حالة قررت دول المجلس عدم التعاون معها ".
لكن الخبير الكويتي يرى أن جماعة الإخوان لن تتأثر بالتقارب الخليجي ويقول "هذه الجماعة أثبتت أنها من أكثر الجماعات مرونة في التيار الإسلامي، هي لديها قابلية للتعايش مع الأوضاع المحيطة بها ولا أستبعد أن يجد الإخوان حلا لمشاكلهم حتى في مصر ودول أخرى".
يوسف القرضاوي الداعية المقرب من جماعة الإخوان الذي تحتضنه قطر يواجه احتمال توقيفه بعدما طلبت السلطات المصرية من الانتربول الدولي إصدار مذكرة توقيفه، وهو ما انتقده بشدة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ويستبعد الدوسري أن تتخلى قطر عن شخص بحجم القرضاوي "هو أيضا مواطن قطري وقطر لن تسلم أحد مواطنيها بهذه السهولة. أتوقع أن تتدخل وتستخدم نفوذها وعلاقاتها لحمايته"، حسب رأي الصحافي الكويتي الدوسري.