قطر- قانون الانتخابات يكرّس التمييز بين المواطنين
١٣ أغسطس ٢٠٢١قبل عدة أيام، صادق الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر على قانون ينظم إجراء أول انتخابات تشريعية في البلاد من المقرر أن تجري في أكتوبر/تشرين الأول هذا العام. سيتم من خلال الانتخابات اختيار ثلثي أعضاء "مجلس الشورى" وعددهم 30 عضواً، في مجلس مؤلف من 45 مقعداً، على أن يقوم الأمير بتعيين باقي الأعضاء.
وفي استفتاء جرى عام 2003 وافق القطريون - الذين تبلغ نسبتهم عشرة بالمئة فقط من عدد السكان - على دستور جديد ينص على إجراء انتخابات جزئية للمجلس الذي يجري تعيين جميع أعضائه، فيما تؤجل الانتخابات منذ ذلك الحين، والتي إن أُجريت ستكون أول انتخابات عامة في البلد الخليجي الثري الذي لا تجري فيه أي انتخابات سوى الانتخابات البلدية. وتحظر قطر مثل باقي دول الخليج الأحزاب السياسية لأنها "تثير الفتنة القبلية أو الطائفية".
ولطالما سعت قطر إلى إبراز نفسها كمدافع عن الحقوق والحريات والديمقراطية، إلا أن هذه الصورة أصيبت بضرر بالغ بعد اتهامات من منظمات دولية للدوحة بإساءة معاملة العمالة الوافدة، لتتفجر بعدها قضية قانون الانتخابات.
تفاصيل القانون
أثار القانون بما جاء فيه من تفاصيل حول من يحق له الترشح للانتخابات - بل وحتى الإدلاء بالصوت - جدلاً شديداً داخل قطر، إذ إنه ووفقاً للقانون، يتمتع "بحق انتخاب أعضاء مجلس الشوري كل من كانت جنسيته الأصلية قطرية وأتم 18 سنة ميلادية، ويستثني من شرط الجنسية الأصلية كل من "اكتسب" الجنسية القطرية بشرط أن يكون جده قطرياً ومن مواليد دولة قطر".
أما المرشحون فيتعين أن يكون المرشح "جنسيته الأصلية قطرية ولا يقل عمره عند قفل باب الترشح عن 30 سنة ميلادية، كما يمنع القانون أفراد عائلة آل ثاني الحاكمة من الترشح لكن يمكنهم التصويت.
ولا يجوز للوزراء وأعضاء الهيئات القضائية وأفراد الجيش وأعضاء المجلس البلدي المركزي ترشيح أنفسهم في الانتخابات "طوال مدة شغلهم مناصبهم أو وظائفهم أو عضويتهم". ويحدد القانون الحد الأقصى للإنفاق على الحملات الانتخابية عند مليوني ريال (نحو 550 ألف دولار).
ومجلس الشورى هو الهيئة التشريعية في البلاد، ومن مهامه مناقشة ما يحال إليه من مجلس الوزراء، مثل مشروعات القوانين، والسياسة العامة للدولة، وميزانيات المشروعات الرئيسية، بحيث يقدم "توصيات" بشأنها.
ما سبب الجدل؟
وفقا للقانون فإنه يحق لأحفاد القطريين فقط ممن كانوا مواطنين في عام 1930 التصويت والترشح، مما يؤدي إلى استبعاد أفراد العائلات المجنَّسة منذ ذلك العام وما أعقبه.
وسيتعين على المرشحين خوض الانتخابات في الدوائر الانتخابية المرتبطة بمكان إقامة عائلاتهم أو قبيلتهم في الثلاثينيات، باستخدام بيانات جمعتها السلطات التي كانت تخضع للنفوذ البريطاني آنذاك.
وبذلك تكون قبيلة آل مرة - أحد أكبر القبائل في قطر - واحدة ممن تم استبعاد أفرادها من الترشح والانتخاب، بحسب الباحثة في معهد المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية تشينزيا بيانكو، والتي قالت لوكالة الصحافة الفرنسية إن "هذه قضية يواجهها القطريون منذ عقد من الزمن"، مشيرة إلى شكوكها " في وجود تدخل خارجي قوي لتضخيم المعارضة لأسباب سياسية، لكن لا ينبغي أن نختبئ وراء هؤلاء لتفتيت السخط الموجود في قطر".
يقول المحلل السياسي والإعلامي الكويتي أحمد يوسف المليفي إن القانون مقتبس من عدة قوانين أخرى، لكنه يختلف في أنه جعل الكفة المرجحة للسلطة وللحكومة، "والقانون ليس من ضمن حيثياته إمكانية عمل استجواب لرئيس الوزراء وحتى العضو لا يمكنه استجواب وزير أو طرح الثقة فيه للنقاش إلا عندما يحصل على موافقة ثلثي أعضاء المجلس وهو أمر شبه مستحيل بسبب النسبة العالية للأعضاء الذين عينهم الأمير"، بحسب ما قال المحلل في حوار له مع DW عربية.
ويعتقد المحلل السياسي الكويتي أن الأمر الإيجابي هو أنها تجربة جديدة، "حتى وإن كان ما سينتج عنها ليس برلماناً حقيقياً بالمعنى الديمقراطي، وإنما هو مجلس استشاري، لكن عموماً يمكن مع كل هذه الاعتراضات القول بإنها خطوة في اتجاه الديمقراطية". وأضاف أنه "يمكن وصف المجلس بأنه مجلس تأسيسي ولا يمنع أبداً أن يترشح أبناء الوطن وأن يغيروا من هذا النظام الانتخابي، لأنه يفترض أن يكون ذلك من ضمن صلاحياتهم، وإن كان هذا المجلس بلا مخالب وبلا صلاحيات وكان مجرد مجلس صوري فلا فائدة ترجى منه".
الرأي نفسه أشار إليه الناشط الحقوقي الكويتي أنور الرشيد الذي اعترض على القانون، لكنه تحدث أيضاً عن حملة تشويه تتعرض لها الكويت وقطر "باعتبارهما النظامان الوحيدان اللذان بهما رائحة ديمقراطية"
غضب على مواقع التواصل
على فيسبوك وتويتر، انتشرت وسوم "هاشتاغات" منها #ال_مره_هل_قطر_قبل_الحكومه، #انتخابات_مجلس_الشوري و #قطر_تنتفض، حفلت بالكثير من الكلمات الغاضبة، وخصوصاً لأبناء قبيلة آل مرة، كان أبرزها مقطع فيديو تداوله الكثيرون للمحامي هزاع المري الذي توجه بحديثه إلى أمير قطر قائلاً: "أنشدك أن تنجد نفسك وشعبك من فتنة عظيمة.. لن نعيش كالأنعام نأكل ونشرب وأمرنا بيد غيرنا.. وسنطالب بحقوقنا حتى لو كتب الموت لنا في السجون، وتردد أنه جرى اعتقاله على إثر نشره للفيديو
كما نشر مغردون على وسم #مظاهرات_قطر مقاطع فيديو لما قالوا إنها تظاهرات احتجاجية ضد القانون وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين، لكن لم يتسن التأكد من مصداقيتها:
ومع تصاعد الغضب، حذر الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق من محاولات زعزعة الاستقرار في بلاده وتحويل نقاش عام حول ملاحظات بشأن قانون الانتخاب وشحن الأجواء بين أبناء الشعب، لتعلن وزارة الداخلية القطرية لاحقاً عن القبض على سبعة أشخاص وإحالتهم إلى النيابة العامة "بعد قيامهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في نشر أخبار غير صحيحة وإثارة النعرات العنصرية والقبلية".
وأكدت وزارة الداخلية القطرية في بيانها "عدم تهاونها في اتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يتبنى خطاباً عنصرياً يستهدف تهديد أمن المجتمع واستقراره وسلمه الاجتماعي".
في المقابل انتشرت وسوم تدعم قرار الأمير وتشير إلى "المتربصين بقطر والحاسدين من الخارج"
كما انتقدت الشيخة مريم آل ثاني، إحدى أفراد الأسرة الحاكمة بقطر، الكلمات الحادة التي تحدث بها المحامي القطري هزاع المري:
مواطنون .. قبل قيام الدولة والحكومة
وتقول قبيلة آل مرة إنها موجودة في قطر قبل أن تنشأ الدولة نفسها وقبل قيام الحكومة القطرية، وأن القانون الصادر هو "قانون تعسفي" ضدهم، فيما قال محللون إن الخلاف بين الحكومة والقبيلة يأتي في سياق مسلسل من الخلافات العميقة، لعل أبرزها الخلاف بين آل مرة والشيخ حمد بن خليفة الذي أطاح والده خليفة بن حمد آل ثاني من الحكم، ليحاول الوالد الاستعانة بالقبيلة لاسترداد السلطة في عام 1996، لكن مساعيه في هذا الأمر فشلت، لتزداد الخلافات عمقاً بين الجانبين.
وفي عام 2005 جرّدت الحكومة القطرية، الآلاف من أبناء قبائل آل مرّة، من جنسيتهم وبذلك حُرموا من حقوق المواطن القطري الأساسية، غير أنها أعادتها لبعضهم لاحقاً. كما بررت قطر سبب سحب الجنسية من أبناء عشيرة الغفران - أحد فروع قبيلة آل مرّة - بأنهم مواطنون سعوديون فيما يمنع القانون القطري ازدواج الجنسية.
يقول المحلل السياسي والإعلامي الكويتي أحمد يوسف المليفي إن "هناك من يرى من القبائل - وربما هم محقون في ذلك - إنهم أقدم من الدولة القطرية ومن قوانينها ومن الحكومة، وبالتالي فهم مواطنون أصليون لا يحتاجون لمن يؤكد هذا الحق أو ينتزعه منهم، مثل قبيلة آل مرة، لكن على الجانب الآخر هناك من يرى أن القبيلة نفسها تنقسم لأقسام منها ما هو قديم بالفعل ويستحق وصف المواطن القطري، ومنهم من لا تنطبق عليه الشروط وهم حديثي عهد في قطر، ولذلك لا تنطبق عليهم قواعد الحق في الانتخاب والترشيح وغيرها من حقوق المواطنة".
الخليج وأزمة الديمقراطية
ربما تعد التجربة البرلمانية الكويتية هي التجربة الديمقراطية الوحيدة الحقيقية بين دول الخليج، على الرغم من اعتراضات تظهر من وقت لآخر تتمثل في تدخلات في الانتخابات أو بعض الممارسات غير القانونية خلال عملية الانتخابات، لكنها وبحسب المحلل السياسي الكويتي تبقى تجربة ديمقراطية حقيقة.
السؤال هنا، لماذا لم تنتقل عدوى الديمقراطية البرلمانية الكويتية إلى دول خليجية أخرى؟ يرى المحلل السياسي والإعلامي الكويتي أحمد يوسف المليفي أن "السبب الرئيسي هو أنظمة الحكم في الدول الخليجية، لأنها ملكيات عائلية وراثية وهناك شعب مقابل تلك الأسرة له حقوق وعليه واجبات، فالنظرة الطبيعية السائدة في هذا المجال أن الملك لا يريد من ينازعه الحكم أو أن يخاصمه فيما يملك".
ويضيف المليفي أن "أنظمة الحكم الخليجية بذلك ليست أبداً كالنظم الملكية الغربية التي تجري فيها انتخابات ومحاسبة، وكثير منها يملك فيها الملك ولا يحكم، لذا حتى مع وجود تلك الديمقراطية البرلمانية الراسخة في الكويت مثلاً، تبقى أيضاً محصورة في إطار محاسبة الحكومة فقط، ويمكن القول هنا بأن الشعب ارتضى بهذا النوع من الديمقراطية واكتفى به، ولا يجد غضاضة في وجود حاكم له الحكم والدوام هو وأسرته لكن في المقابل ارتضى الحاكم أن يكون للشعب رأي وكلمة الفصل فيما يتعلق بقوانينه وواجباته وحقوقه.. وهذا كله موجود في القانون الكويتي".
ويلقي محللون ومراقبون باللوم على قطر سواء في تفاصيل القانون الذي استبعد فئة ليست قليلة من المواطنين من حقوقهم أو بسبب حملة الاعتقالات نتيجة التعبير عن رأي مخالف لرأي الحكومة القطرية.
ويشير بعضهم إلى دفاع قطر في وسائل إعلامها وفي سياستها الخارجية عن حقوق الشعوب في الديمقراطية وعن الحريات وحقوق الإنسان، إلا أنه عندما وُضعت تلك المبادئ والقوانين على المحك وصارت عرضة للاختبار الحقيقي لم يختلف الأمر في ممارستها كثيراً عن دول أخرى كانت قطر تناصبها العداء الشديد بسبب ممارسات قامت هي نفسها اليوم باللجوء إليها.
عماد حسن