قضية ماسن.. سهام من كل حدب وصوب تستنزف المستشارة ميركل
١٩ سبتمبر ٢٠١٨أثار قرار إزاحة هانس-غيورغ ماسن من منصبه كرئيس لهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية)، وتعيينه وكيلاً في وزارة الداخلية الكثير من اللغط وانهالت سهام الانتقادات على المستشارة الألمانية. جاء ذلك فور إعلان القرار في أعقاب الاجتماع الذي ضم الشركاء الثلاثة في الائتلاف الحكومي، المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي، وأندريا ناليس، رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهورست زيهوفر، رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري.
واليوم الأربعاء (19 أيلول/سبتمبر 2018) أعلن وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر في برلين أن ماسن سيصبح وكيل وزارة الداخلية المختص بالشؤون الأمنية، مردفاً أن مهام هذا المنصب لا تشمل الإشراف على هيئة حماية الدستور. ومن جانبها أفادت معلومات وردت إلى صحيفة "بيلد" الألمانية بأنه من المنتظر أن يتولى ماسن المسؤولية عن الأمن الداخلي والأمن الإلكتروني في وزارة الداخلية. ولم تشر الصحيفة إلى مصادر.
المعارضة: هراء
أما رئيس كتلة حزب اليسار المعارض في البرلمان الألماني ديتر بارتش فوصف قرار ترقية ماسن بغير المقبول إطلاقاً. وقال بارتش "إنه أمر جيد أن يزاح ماسن من منصب رئيس جهاز حماية الدستور، إلا أن ترقيته عملياً ليس سوى هراء"، حسب تعبيره. ومن جانبه انتقد رئيس الحزب الديمقراطي الحر بألمانيا كريستيان ليندنر بشدة القرار.
وبدورها، قالت إرينا ميهالغ عضو لجنة الشؤون الداخلية في البرلمان الألماني عن حزب الخضر المعارض أن تعيين ماسن في منصب سكرتير دولة أمر غريب. وتساءلت كيف يمكن عملياً ترقية مسؤول أمني إلى هذه الدرجة بعد أن كشف عن عيوب وأخطاء كثيرة، حسب تعبيرها.
حتّى أنت يا "بروتوس"!
نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم، رالف شتيغنر، حذر الاتحاد المسيحي بقيادة ميركل وزيهوفر من أن "ما تبقى من صبر لدى الحزب الاشتراكي الديمقراطي تجاه الائتلاف الحكومي الموسع تضاءل للغاية".
أما رئيس منظمة الشباب في الحزب كيفين كونيرت فقد وصف قرار ترقية ماسن "بالصفعة في الوجه"، موجهاً انتقادات لاذعة لقيادة حزبه متهماً إياها بانتهاج سياسة "الاسترضاء". ويرى قادة الحزب الاشتراكي الديموقراطي أن ماسن "ألحق ضرراً كبيراً بالثقة في أجهزة الأمن"، بسبب تدخله في الجدل السياسي الوطني.
البديل يغرد خارج السرب
وفي المقابل، أثنى رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا، ألكسندر غاولاند، على وزير الداخلية هورست زيهوفر على خلفية دعم الأخير لماسن ضد أحزاب المعارضة والحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك في الائتلاف الحاكم. وقال غاولاند في تصريح لقناة "إن تى فى" الإخبارية الألمانية إنه يشعر بالذهول من "ثبات" زيهوفر خلف ماسن. ورأى غاولاند أن ترقية ماسن من قبل زيهوفر ليصبح وكيل بوزارة الداخلية يمهد الطريق أمام ماسن للارتقاء في السلم الوظيفي.
والجدير ذكره أنه حزب اليسار المعارض قال إنه يشتبه بوجود "اتصالات" بين ماسن وحزب البديل اليميني، مشيراً إلى الاشتباه في أن يكون ماسن قد أعطى نصائح لرئيسة حزب البديل عام 2015، فراوكه بيتري، بشأن كيفية تجنب الخضوع لمراقبة هيئة حماية الدستور. واتهم الحزب ماسن بـ"وضع" يده الحامية فوق حزب البديل. وبالمثل ينظر الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الحكومة، بعين الشك والريبة للقاءات ماسن أكثر من مرة مع ممثلين عن الحزب الشعبوي.
استمرار الحكومة موضع تساؤل
وكتبت العديد من وسائل الإعلام الألمانية في تعليقاتها معلقة على "ترقية" ماسن ومركزة على تداعي موقف ميركل وسلطتها، كما كشفت عنها الأزمة. فقد علّق رئيس التحرير السابق للقناة الألمانية الأولى ARD توماس باومن قائلاً إن التطورات في قضية ماسن تظهر "فقدان" ميركل للسلطة، مضيفاً "يبدو أنه لم يعد لدى المستشارة الكثير من السلطة". واعتبر باومان أن زيهوفر هو القوى الحاسمة التي تقف وراء "ترقية" ماسن: "لقد وضع يده الحامية على أخيه الروحي"، مشيراً إلى أن الاثنين ينتقدان سياسة ميركل في ملف الهجرة واللجوء. وشكك الصحفي المخضرم (57 عاماً) في ختام مقاله في قدرة حكومة ميركل على الاستمرار.
باحثة: زيهوفر سيد الموقف
أما الباحثة في العلوم السياسية وعلوم الاتصالات أندريا روميلي فقالت في مقابلة نشرت اليوم على القناة الألمانية الثانية ZDF إن ميركل فقدت "البصيرة" في خضم الجدال الدائر بخصوص قضية ماسن. وأردفت البرفيسورة في Hertie School of Governance في برلين أن المستشارة لم تبدِ "قوة قيادية" في النقاش الدائر. وأشارت إلى أنه يتوجب أن نأخذ في حساباتنا السياسية أن زيهزفر هو من كان "سيد" الموقف، مستدركة أنه ربما يكون يخرج بعد أربعة أسابيع من اليوم إلى تقاعده السياسي. وتلمح هنا إلى استطلاعات الرأي وتململ أوساط من داخل حزبه من سياساته ومواقفه.
قبل أقل من شهر على الانتخابات المحلية في ولاية بافاريا أظهر استطلاع للرأي حصول الحزب البافاري على نسبة تأييد 35% فقط، وهي أقل بكثير من نسبة 47.7% التي حصل عليها في انتخابات الولاية عام 2013. ويحكم الحزب البافاري الولاية منذ أكثر من 70 عاماً. ويكافح الحزب حالياً للدفاع عن أغلبيته المطلقة في البرلمان المحلي في مواجهة التحدي الذي يشكله حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي.
وفي جواب على سؤال عما إذا كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي سيفجر الحكومة بالخروج منها في حال حدوث أزمة جديدة أم أن الحال سيستمر على هذا المنوال: "تريد المستشارة ميركل الاستمرار-على الأقل- إلى ما بعد سنة الانتخابات 2019"، منوهة إلى أن السنة تلك ستشهد الانتخابات البرلمانية الأوروبية وانتخابات محلية في ثلاث ولايات في شرق ألمانيا.
خالد سلامة