قصة العنابي.. من منتخب ضعيف إلى فريق من العيار الثقيل
١٥ ديسمبر ٢٠٢١خلال المباريات التي خاضها المنتخب القطري في بطولة كأس العرب - التي تعد بمثابة بروفة لاختيار مدى استعداد قطر لاستضافة مونديال كأس العالم 2022- استطاع العنابي تحت لواء الأسباني فيليكس سانشيز خطف الأنظار وزاد من حماس القطريين وعشقهم للساحرة المستديرة.
ولم يمكن وصول منتخب قطر لدور نصف النهائي لمواجهة المنتخب الجزائري بالسهل إذ كان يتعين على العنابي اجتياز المنتخب الإماراتي في دربي خليجي ناري.
واستطاع المنتخب القطري تحقيق فوز تاريخي على نظيره الإماراتي 5-صفر على استاد البيت أمام جماهير كبيرة ليبلغ العنابي نصف نهائي كأس العرب للمرة الثالثة. وخلال المباراة، احتشد أكثر من 63 ألف مشجع في استاد البيت الذي يعد ثاني أكبر استادات كأس العالم حيث كان هتافهم وتشجيعهم يهز أرجاء الملعب.
أما بالنسبة لقطر وربما أكثر من مدرب منتخبها سانشيز، فإن بطولة كأس العرب مثلت تحديا أكثر من مجرد أداء منتخب يشارك في بطولة كروية إقليمية. فبعد سنوات طويلة من التحضير والاستعدادات المكثفة، كان يتعين على المنتخب القطري إثبات جدارته في استضافة كأس العالم 2022 وأيضا إظهار استعداده الجيد لخوض مباريات المونديال.
فالمنتخب القطري كان يلزم عليه التأكد من أن مشاركته في المونديال لن تكون شرفية وأنه لن يكون مصدر إحراج لقطر الدولة التي سوف تستضيف منافسات كأس العالم في غضون 12 شهرا.
استعداد منذ وقت طويل
امتد استعداد قطر لاستضافة كأس العالم منذ وقت بعيد مع تدشين ما أطلق عليه "مشروع كأس العالم" وتشييد أكاديمية "أسباير" عام 2004 بتكلفة تقترب من ملياري دولار لكي تكون بمثابة أكبر مركز عالمي لكرة قدم لكي تفرز لاعبين من المفترض أنهم سيتألقون بعد ذلك بأكثر من بـ 17 عاما وتحديدا في كأس العالم 2022.
وتضم الاكاديمية 12 ملعبا و ستادا يتسع لأكثر من 15 ألف متفرج بالإضافة إلى صالة رياضية ضخمة مغطاة تمتد على مساحة 250 ألف متر مربع ما يعني أن الأكاديمية باتت أحد أكبر المنشآت الرياضية المغلقة في العالم.
وكما كان استعداد قطر لكأس العالم أمرا مثيرا للدهشة، كانت أيضا قصة تولي الإسباني سانشيز تدريب المنتخب العنابي في غاية الإثارة.
فقد جاء سانشيز إلى قطر وهو في عمر الثلاثين عام 2006 بعد أن ترك العمل في أكاديمية نادي برشلونة التي يطلق عليها اسم "لا ماسيا" التي يعد بمثابة منجما للمواهب الكروية.
وعلى الفور تولى سانشيز تدريب منتخب قطر المؤلف من لاعبين من مواليد عام 1995 من الناشئين إذ قام بتدريبهم كجزء من المنتخب القطري تحت سن 19 ثم منتخب تحت سن 20 وبعد ذلك منتخب تحت سن 23 عاما وكانت النهاية في صفوف المنتخب الأول منذ عام 2017.
جلب المواهب الإفريقية
وأدرك القطريون أن إنشاء أفضل أكاديمية من حيث التدريب في العالم لن يكون كافيا لوضع لبنة الأساس لفريق وطني في بلد لا يتجاوز تعداد سكانه 2.5 مليون نسمة فضلا عن غياب وجود دوري لكرة القدم على مستوى عال من التنافسية.
ولذا دشن القطريون برنامجا لاستكشاف والعثور على لاعبين شباب موهوبين من الخارج معظمهم من إفريقيا بهدف تجنيس أفضل المواهب منهم ليلعبوا في نهاية المطاف ضمن المنتخب القطري.
كما أبرم القطريون اتفاقيات تعاون مع أكثر من عشرة من كبرى الأندية الأوروبية ما منح اللاعبين القطريين فرصة للانتقال إلى الخارج مؤقتا لتعزيز مواهبهم ليعلب ستة لاعبين قطريين دوليين في نادي يوبين البلجيكي الذي استحوذت عليه قطر في نهاية المطاف.
وكانت ثمرة هذا المشروع الطموح اللاعب القطري أكرم عفيف المولود في الدوحة الذي لعب والده ذات مرة مع منتخب الصومال.
وفي الوقت الحالي يعلق الكثيرون في قطر الآمال على عفيف باعتباره الورقة الرابحة في صفوف العنابي.
كأس آسيا 2019... مفاجأة مدوية
ولا يأتي النجاح في عالم الساحرة المستديرة من فراغ بل يتطلب الأمر الكثير من الجهد والإصرار.
وقد كان عفيف الذي سبق له اللعب في إسبانيا لمدة خمس سنوات عندما كان شابا، دليلا على هذا الإصرار ففي البداية لم يتمكن من حجز مقعد له في صفوف نادي يوبين أو نادي فياريال الإسباني أو سبورتنج خيخون.
وبعد أن خاب أمله وتحديدا في شتاء عام 2018 عاد إلى قطر لينضم إلى نادي السد القطري الذي يشارك في الدوري الذي لا ترقى المنافسة فيه إلى منافسات دوري الدرجة الثانية في ألمانيا.
بيد أن الجهد الضخم الذي بذله عفيف وباقي أفراد المنتخب القطري تحت راية الأسباني سانشيز كُتب له النجاح وكان ثمرته عام 2019 عندما حقق العنابي مفاجأة مدوية بفوزه ببطولة كأس آسيا في الإمارات بعد انتصاره على منتخب اليابان في المباراة النهائية ليتوج بكأس آسيا للمرة الأولى فى تاريخه.
وكان معظم أعضاء المنتخب القطري المتوج من خريجي أكاديمية "أسباير" فيما حصل عفيف على جائزة أفضل لاعب في آسيا لعام 2019.
الانخراط في المنافسات الأوروبية
بيد أنه عقب التتويج، ظهر جليا أن الفريق القطري لا يزال أمامه الكثير للارتقاء بمستواه خاصة بعد الأداء السيء في مباريات ودية ضد فرق من أوروبا وأمريكا اللاتينية فقد تكبد العناني خسارة كبيرة 4-0 من صربيا ونجح بالكاد في التعادل مع منتخبات أوروبية ضعيفة مثل لوكسمبورغ وأذربيجان.
وفي ضوء هذه النتائج، بذل مسؤول كرة القدم في قطر الكثير من الجهد لإيجاد طرق لتقوية خبرة منتخب البلاد قبل انطلاق كأس العالم.
وقد نجحوا في الحصول على دعوة لكي يشارك المنتخب القطري في التصفيات الأوروبية المؤهلة لكأس العالم 2022 بدعوة من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لكن دون احتساب نتائج قطر في ترتيب المجموعة.
ولم يتوقف الأمر عند المشاركة في تصفيقات أوروبا بل شارك العنابي في كأس كوبا أمريكا عام 2019 الكأس الذهبية لمنطقة "الكونكاكاف" لعام 2021.
التدريب جيدا
ونجم عن هذا الانخراط مشاركة قطر في أربع بطولات من بطولات الفيفا القارية الست خلال السنوات الثلاث الماضية فقط.
وقد لعب المنتخب القطري 22 مباراة منذ بداية العام الجاري وما يصل إلى 25 مباراة من ديسمبر / كانون الأول من عام 2018 وحتى ديسمبر/ كانون الأول من عام 2019. وساعد هذا الكم الكبير من المباريات والمنافسات منتخب قطر في الاستعداد الجيد لمونديال كأس العالم 2022. وظهرت نتيجة هذا الاستعداد في منافسات كأس العرب إذ فاز المنتخب القطري في المباراة الافتتاحية على البحرين 1-0 ثم تلى ذلك فوزه على سلطنة عمان 2 – 0 وعلى العراق 3-0 ثم كان الفوز الكبير على منتخب الإمارات الضعيف 5- 0.
وفي ضوء هذه النتائج والانتصارات، يبدو أن المنتخب العنابي ومدربه الإسباني فيليكس سانشيز يسيران في الطريق الصحيح صوب كأس العالم 2022.
أولاف يانسن / م ع