قرصنة بيانات بألمانيا.. جرس إنذار يقض مضجع الساسة!
٩ يناير ٢٠١٩قبل أيام من الآن تفجرت حادثة قرصنة بيانات شخصية لسياسيين وشخصيات ألمانية مرموقة عبر حساب "تويتر". في البداية تم تسريب معلومات متعلقة بفنانين ومشاهير، وبعدها بدأ "القرصان" بتقاسم العناوين الإلكترونية وأرقام الهاتف، بل أيضا بيانات الحسابات البنكية وصور شخصية عبر صفحته.
من بين الأشخاص الذي تم استهدافهم في الحادثة الممثل السينمائي والتلفزيوني تيل شفايغر، وساسة كبار من طينة الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والمستشارة أنغيلا ميركل ورئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي أنغريت كرامب كارنباور بالإضافة إلى رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أندريا ناليس.
في فضيحة سرقة البيانات سقط أكثر من 1000 شخص ضحية لحادث خُيل أن المسؤول عنه جهات خارجية، في حين تم اكتشاف "القرصان" الحقيقي فيما بعد وعُرف أنه مٌجرد شاب لا يتجاوز عمره العشرين.
الشاب الذي لم يُغادر بيت أبويه بعد، استطاع أن يخلق جدلا كبيرا وتساؤلات وسط المجتمع الألماني وخارجه.
فهل يعني أن السلطات الألمانية فشلت في حماية بيانات المواطنين الألمان، خاصة وأن القرصان شاب مغمور دفعه غضبه من بعض الأطراف السياسية إلى الإقدام على مثل هذا الفعل؟
خطر .. فجره الغضب
في الوقت الذي تحفظت الشرطة الألمانية عن الإدلاء باسم الشاب الذي تورط في قرصنة الحسابات الشخصية لساسة ومشاهير من البلد، قالت إنه قد اعترف بفعلته في استجوابه للمرة الأولى. كما أن المحققين يتوقعون أن يكون قد قام بالفعل بمفرده، كما نقلت مواقع إعلامية.
الشاب الذي يقطن في ولاية هيسن غربي ألمانيا، اعتبره البعض خطرا على أمن المعلومات بألمانيا. ورأى جزء آخر في فعله دليل على إمكانية إلحاق أضرار كبرى فيما يخص المعلومات الخاصة والبيانات الشخصية باستخدام وسائل بسيطة.
DW عربية، اتصلت بخبير حماية البيانات رياض جويلي، الذي قال إن الحادث لا يشكل خطرا كما يقول البعض. لكن الخبر ليس بالمُفرح خاصة وأن الأمر متعلق بأمور خاصة تم قرصنتها ووصلت حد الصور العائلية.
وليد الباجي، الخبير في ميدان المعلومات والبيانات، قال في تصريحه، إن فعل الشاب جرم في حق السياسيين. وبرر المتحدث، الذي يعمل مستشار بيانات في شركة عالمية، قوله لـ DWعربية بكون "القٌرصان" تجاوز حدود تعامله مع أشخاص معينين واطلع على معطيات شخصية لهم ليست معروضة للعموم وهو شيء غير جائز قانونيا وأخلاقيا كذلك.
بالمقابل يرى المتحدثان أن الحادثة تحتوي على جوانب مضيئة، فإقدام الشاب على قرصنة هذه البيانات لا يعني بالضرورة رغبته في إيذاء هؤلاء الشخصيات أو التلاعب ببياناتهم الشخصية وهو ما لا يستدعي خوف كثيرين، حسب جويلي. الذي يرى أن "هذا الشاب الصغير أراد أن يكون مشهورا على الإنترنت ووصل بطريقة سهلة إلى معلومات خاصة لناس معروفين".
وفي نفس الاتجاه رأى الباجي في قدرة شاب على قرصنة آلاف البيانات دليلا على وجود كفاءات بالبلد وهو الشيء الُمفرح، على حد تصريحه.
مسؤولية الجاني والضحية!
قد يكون الشاب الألماني أخطأ في سرقة معلومات خاصة لآلاف الأشخاص، لكن أليس من الجدير بهؤلاء الشخصيات أيضا اتخاذ إجراءات تقيهم شر القرصنة؟
في الحادثة التي وُصفت بأنها أكبر عملية قرصنة بألمانيا، سُرقت بيانات خاصة ومعلومات شخصية لسياسيين كان من بينها التي وضعوها في حساباتهم الخاصة وكانت عبارة عن رسائل تخص الدولة. وهو ما عتبره مراقبون مشكلا يحيل على كيفية تعامل الساسة مع بيانات شخصية.
وبالرغم من أن وزير الداخلية الألماني قد صرح أن واقعة تسريب البيانات لم تغير شيئا في الوضع الأمني في ألمانيا، إلا أن الأمر مثير على الأقل بالنسبة للذين اعتبروا الواقعة دليل على عدم اهتمام الساسة بتأمين معلوماتهم السرية.
الخبير في البيانات، جويلي قال: "إن الأمر لا يعني أن السلطات الألمانية قد قصرت في تأسيس تأمينات جيدة للمعلومات ولكن كذلك لا يعني عدم وجود دواعي للخوف مما يمكن أن يأتي في المستقبل"، وأضاف: "ما حصل دليل على أن تأمين المعلومات بالنسبة للأشخاص ليس في "صحة جيدة".
جويلي أكد في تصريحه على أن ما حصل "يرجع إلى "سذاجة" هؤلاء السياسيين فيما يخص تأمين معلوماتهم الخاصة لأنه لو كان لديهم تأمين شديد لمعلوماتهم لكان بإمكانهم تجنب هذه السرقة".
بعد الواقعة، وُجهت انتقادات كثيرة للمكتب الفيدرالي للمعلومات الأمنية الذي أنشأ عام 1991 ضمن وزارة الداخلية، بمهمة رصد تطور تكنولوجيا المعلومات ومحاربة الخروقات وعمليات القرصنة.
تحويل الخطر إلى قوة!
كشفت دراسة حديثة أن نصف مستخدمي الإنترنت في ألمانيا، وقعوا ضحية جريمة إلكترونية العام الماضي. وأوضح الاتحاد الألماني لتكنولوجيا المعلومات "بيتكوم" اليوم الأربعاء (09 يناير/ كانون الثاني 2019) أن الجريمة تمثلت لدى 23 بالمائة ممن شملتهم الدراسة، في استخدام بياناتهم الشخصية على نحو غير مشروع أو نقلها إلى طرف ثالث.
معلومات كثيرة تشي أن البيانات الشخصية، خاصة التي يتم الاحتفاظ بها على النت ليست مؤمنة كما يظن كثيرون. وهو ما يُشير له الباجي في حديثه، إذ قال إن تخزين معلوماتنا الخاصة على "غوغل درايف" مثلا، تجعل معلوماتنا غير خاصة كما نعتقد بل يكون الأمر خطيرا جدا. المتحدث نفسه، قال إن الدولة الألمانية ملزمة بتشجيع الشباب المولعين بهذا المجال وتحويلهم من "قراصنة" إلى شباب متخصصين في تأمين الشبكات وليس اختراقها.
في حين رأى جويلي أن الحد من خطر القرصنة يمكن أن يتم على مستويين، أولهما أن تحث ألمانيا الساسة على عدم وضع معلومات تخص الدولة في حساباتهم الخاصة، زيادة إلى إرشاد الناس عامة والسياسيين أولا بالطرق الجديدة التي يمكن أن يتم عن طريقها تأمين حساباتهم.
مري مرغيش