قراصنة الحدائق يزرعون ساحات المدن الألمانية في الخفاء
٦ أغسطس ٢٠٠٨انتشرت في الفترة الأخيرة في عدد من العواصم الأوروبية ظاهرة جديدة تتمثل في زراعة الساحات العامة والأراضي القاحلة المتروكة بمختلف أنواع الأشجار والورود وتحوليها إلى مساحات خضراء بهدف تجمليها. بيد أن الظاهرة لا تزال تفتقد إلى الشرعية والاعتراف الرسمي في عدد من البلدان الأوروبية. ذلك أن الجماعات أو الأفراد المولعين بالبستنة يمارسون نشاطاتهم في الخفاء ويطلقون على أنفسهم "عصابات البستنة". ويمارسون نشاطاتهم خاصة عندما يسدل الليل ستاره ويتسلحون ببذور الورود ومشاتل نباتات مختلفة لتزيين الساحات الجرداء.
ونظرا لأن عملهم الزراعي مازال يفتقد إلى الشرعية فإن "عصابات البستنة" يتواصلون مع بعضهم بعضا عبر الإنترنت. ففي عدد من المواقع الالكترونية المختلفة يدعو عدد من هواة البستنة علنا إلى رمي الساحات الجراء ب"قنابل من البذور". كما تتردد أقوال حماسية مختلفة على غرار "لنزرع الليل ورودا" أو مثلا "ليحيا اللون الأخضر". ويصف البعض نفسه ب"قراصنة الحدائق" التي أعلنت حربها ضد الساحات الجرداء القاحلة في عدد من المدن على غرار مارتين في مدينة دوسلدورف الواقعة على نهر الراين في شمال غرب ألمانيا.
قراصنة الحدائق في دوسلدورف
وبالرغم من أن الشاب الألماني الذي يبلغ عمره ثلاثة وثلاثين عاما يعد رجلا مسالما ويحاول قدر الإمكان تجنب الوقوع في مشاكل مع الشرطة، إلا أنه لا يتوانى عن الخروج مسلحا بمعزقة وفأس. وذلك بهدف تشجير بعض الساحات الجرداء في مدينة دوسلدورف وتجميل بعض الأماكن المنسية والتي تراكمت فيها القمامة. ويصف مارتن نفسه "بالرجل ذي الأصابع الخضراء"، حيث تمتلئ شقته بالزهور والنباتات الخضراء وتتدلى أغصان شجيرات من سور شرفته. ويقول مارتين إن زراعة الورود والنباتات الخضراء تُعد بمثابة متعة للعين واستجمام روحي للنفس. ويشير مارتين إلى أن جيرانه يعتقدون بأنه اُصيب بمرض نفسي مزمن يكمن في هوس زراعة الحدائق، إلا أنه مصر على مواصلة هوايته المفضلة، خاصة وأنه لا يجد راحته ولكنه إلا عندما يرى الحدائق والبساتين والمساحات الخضراء.
ويحاول مارتن التواصل مع المولعين بالبستنة، حيث يلتقي في مقهى صغير أحد قراصنة البساتين الذي ينتحل اسم فو ويرفض الكشف عن هويته الحقيقة خوفا من أي تتبعات قانونية ضده، ذلك أنه ينتمي إلى عصابة البستنة أو قراصنة الحدائق. فقد زرع الجزر الوسطية القريبة من بيته دون الحصول على ترخيص رسمي من السلطات البلدية في مدينة دوسلدورف. كما يسعى إلى تغيير وجه الحي الذي يقطن فيه وتحويله إلى حديقة من الورود والزهور والأشجار الخضراء. ولذلك فهو بحاجة إلى المساعدة. وقد يكون مارتن البداية. الغريب في الأمر أن الرجلين يلتقيان لأول مرة، حيث تعرفا على بعضهما بعضا عبر مواقع "عصابات البستانيين" في الإنترنت. ومن خلال دردشتهما عبر كل منهما عن رغبتهما في التعاون سويا من أجل تخضير المساحات الجرداء وتجميل الأماكن القبيحة في مدينتهم. ويقول فو إنه على الرغم من أن عمله مازال يفتقد إلى الشرعية إلا أنه تمكن على الأقل من إقناع جيرانه بضرورة فعل شيء لتغيير المناظر المزعجة بدل التعبير عن استيائهم من السلطات.
"الورود الوردية" في برلين
وهذا ما تأمله يوليا يانكه وزملاؤها من هواة البستنة في برلين، إذ لم يعر أي أحد من قبل الأراضي المتروكة والمليئة بالقمامة في ضاحية فريدريشهاين في برلين أي اهتمام. وهو ما دفع عشرين من قراصنة الحدائق في برلين إلى إزالة القمامة وزراعة الورود والأشجار والأعشاب. وبذلك تحولت ساحة تجميع الزبالة إلى حديقة ممتدة الأطراف، تمسح حوالي ألفي متر مربع، اُطلق عليه "حديقة الورود الوردية." ونتجت هذه الحديقة الجديدة عن مشروع جماعي رائد يحمل اسم "بالإمكان زراعة عالم آخر". وبالتالي تحولت الحديقة الورود الوردية في برلين إلى قبلة للأطفال الصغار وملتقى للكبار. كما قدم عدد من السياسيين لزيارة الحديقة ونوهوا بالفكرة السباقة ووصفوا عمل عصابات البساتين بالعمل الوطني البنّاء.
غير أنه سرعان ما تم بيع الحديقة لشركة عقارية التي هدمت في وقت قصير ما زرعه قراصنة الحدائق في غضون شهور طويلة غير عابئة باحتجاجاتهم اليائسة. وتقول يوليا يانكه إنها أصيبت بالحزن والكآبة الشديدة جراء عملية هدم الحديقة. بيد أنها عبرت في الوقت نفسه عن عزمها مواصلة هوايتها وزرع المناطق الجرداء في برلين، حيث تكافح عصابات البستنة من أجل الاعتراف بهم رسميا وممارسة زراعة الحدائق بصفة شرعية. ففي نيويورك تم السماح لقراصنة الحدائق بممارسة هوايتهم بصفة رسمية تحت رعاية منظمة تحمل اسم "الأصابع الخضراء". وأصبح بإمكان البُستانيين تأجير أراضي غير مُستعملة مقابل دولار واحد في السنة، في حين تتبرع المنظمة بالبذور والأسمدة الحيوية. والنتيجة مذهلة، حيث يربو الآن عدد الواحات الخضراء في نيويورك عن 600 واحة، يعتني بها نحو عشرين ألف شخص متطوع.