قرارات مصيرية – حياتي في دهاليز السياسة
٢٩ أغسطس ٢٠٠٧صدر مؤخرا للمستشار الألماني السابق غيرهارد شرودر في دمشق عن دار شركة المطبوعات للتوزيع والنشر النسخة العربية من كتاب مذكراته الذي حمل عنوان (قرارات مصيرية – حياتي في دهاليز السياسة) بترجمة الدكتور ناصر الشروف. ويقع هذا الكتاب في 412 من القطع المتوسط ويضم عشرة فصول، ابتدأها شرودر بحديثه عن فترة طفولته ونشأته الأولى. ثم ينتقل الكتاب للحديث عن المنعطفات السياسية الحاسمة في حياة السياسي شرودر، ابتداء من الحياة الحزبية الداخلية ووصولا إلى احداث الحادي عشر من سبتمبر وتداعياتها العالمية وانتهاء بالعلاقة مع روسيا.
وقد أشار هذا الكتاب لدى صدوره باللغة الألمانية جدلا في الأوساط الألمانية، كونه جاء بعد فترة وجيزة من خروج شردودر من الحكم وبسبب تعرضه لبعض الحقائق والموضوعات، التي كانت مثار نقاش داخلي كالعلاقة مع روسيا وتركيا والموقف من الحرب الأمريكية على الحرب على العراق. الجدير بالذكر أن المستشار الألماني السابق كان يمتلك القدرة الكبيرة على مخاطبة الإعلام والتوجه للناسس لدرجة ما جعل الناخب يصوت له قبل أن يصوت للحزب، كما يقول الشروف في الكلمة التي قدم بها للكتاب.
المستشار الإصلاحي
لقد استطاع شرودر أن يدخل حزمة من الإصلاحات الداخلية على النظام الاجتماعي والاقتصادي في ألمانيا، خاصة فيما يتعلق بمخصصات الضمان الاجتماعي ومتلقي الإعانة الاجتماعية، إذ كان ذلك سببا في نقمة الجماهير عليه التي وجدت ترجمت إلى أرض الواقع من خلال صناديق الاقتراع رغم معرفته المسبقة بنتائج ذلك على حزبه ومستقبله السياسي. ويقول الشروف لدى سؤال موقعنا له عن هذه التجربة بأن شرودر جسد بذلك مقولة أن مصلحة ألمانيا فوق مصلحة الحزب رغم قناعته الشخصية أن الحكومات التي ستليه ستقطف ثمارها.
أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحرب على العراق
لعل أهم ما يميز ملامح حكم شرودر أنه استطاع أن يحرر السياسة الخارجية الألمانية من فلك الدوران في السياسة الخارجية الأمريكية التي طالما كانت ألمانيا تبعا لها. وقد كانت الحرب على العراق من أهم مظاهر هذا التحرر، إذ قال في رفضه للحرب على العراق دون تفويض دولي واضح من قبل الأمم المتحدة: "إن القرارات المتعلقة بالحرب والسلام تصنع في برلين ولا تفرض عليها". ويضيف الكاتب في كتابه كذلك: "ألمانيا لن تشارك في مغامرات".
كما عرج شرودر على التحولات في السياسة الخارجية الأمريكية في عهد إدارة الرئيس بوش، إذ أشار في كتابه إلى المحافظين الجدد وكيفية تسييرهم للسياسة الخارجية الأمريكية، فقد رأى أن "التحالف بين مثقفي المحافظين الجدد والمجموعات الأصولية المسيحية كان وما يزال له تأثير كبير في رسم ملامح السياسة الأمريكية وتوجهات الرئيس بوش".
كما وجه شرودر نقدا لبوش كون أن سياساته، كما يراها شرودر تُستمد من "خشية الله"، الأمر الذي يصعب استيعابه وتفهمه، إذ قال: "أفهم أن يكون المرء على درجة عالية من التدين ولكن الخطورة حين يتولد الانطباع بأن القرارات السياسية هي نتاج لأحاديث مع الرب"، وهو ما زاد من شكوك شرودر في نوايا بوش السياسية.
كما أن المتجول في هذا الكتاب يتبين له كيف أن شرودر اعتبر أن الحرب على العراق أفقدت أمريكا التعاطف الدولي الرسمي والشعبي الذي حظيت به بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ وصف تلك الأيام العصيبة التي عايشها بعد الأحداث واعتبر أن العالم قد بدأ تأريخا جديدا. كما كشف شرودر في كتاب مذكراته كيف أن بلاده قادت الجهود الدولية لبناء تحالف دولي ضد الإرهاب وإطلاق عملية الدعم غير المحدود لأمريكا.
علاقة شرودر بالعالم العربي والإسلامي
كما يتضمن كتاب المذكرات الكثير من الإشارات للعالم العربي متجاوزاً تلك النظرة الاختزالية للعالم العربي بوصفه مصدرا للثروات النفطية فحسب. فقد تجاوز الكاتب هذا الشكل من الاختزال ليرتقي إلى درجة متقدمة من الشراكة القائمة على الاحترام المتبادل والبعد عن الفوقية. وليس أدل على ذلك من زياراته المتكررة للعالم العربي. كما أن تصفح طيات هذا الكتاب تؤكد حقيقة الرؤية الألمانية للصراع الشرق الأوسطي القائمة على ضرورة حل القضية الفلسطينية، التي إن بقيت من دون حل "فستجعل من الشرق الأوسط برميل بارود"، بحسب شرودر. ولذا فلا بد من حل هذه القضية من أجل إشاعة الاستقرار العالمي مع الحفاظ على أمن إسرائيل، الذي يشكل نقطة محورية في السياسة الخارجية الألمانية. وضرب شرودر أمثلة على التخوف من أمريكا في العالم الإسلامي الذي يعود إلى "شعور الدول الإسلامية بأنها ضحية لهذه السياسات".
وتطرق شرودر أيضا إلى ضرورة احتضان تركيا في البيت الأوروبي، بوصفها جسرا بين الشرق والغرب، فقد رأى في المخاوف من انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي أمرا لا يحكمه كثير من المنطق وأنه تحكمه الأحكام المسبقة.
"روسيا لاعب فاعل في الساحة الدولية"
ومن المسائل المهمة التي تطرق إليها الكاتب الدور الروسي على الساحة العالمية، إذ أفرد لذلك فصلا خاصا سماه "روسيا لاعب فاعل في الساحة الدولية". وجسد شرودر في هذا الفصل رؤيته لروسيا التي تمثلت بأن هذا البلد يشكل العمق الاستراتيجي لألمانيا ولأوروبا بشكل عام. ويشير شرودر إلى ضرورة التعاطي بموضوعية مع التحولات الداخلية التي تعيشها روسيا وتشجيع خطاها نحو الديموقراطية وعدم الاكتفاء بكيل النقد لموسكو. كما نبه أيضا إلى ضرورة تعزيز سياسة الانفتاح الثقافي والاقتصادي الأوروبي نحو روسيا وما إلى ذلك من انعكاسات إيجابية، ويعبر عن ذلك بالقول: "روسيا وأوروبا معا يعني مضاعفة فرص تحقيق السلام والرخاء في القارة الأوروبية".