"قرار حماس التصالح مع فتح لن يروق الحكومة الإسرائيلية"
١٨ سبتمبر ٢٠١٧حركتا فتح وحماس فشلتا مجددا في إحلال السلام. كيف هي الآفاق هذه المرة؟
من الصعب التنبؤ بشيء. الفلسطينيون في قطاع غزة وهنا أيضا في الضفة الغربية الذين تحدثت معهم وما قيل في الإعلام متشككون. الغالبية تعتقد بأن هذا لن يفضي إلى شيء. أنا شخصيا متفائلة بعض الشيء، لأن حماس انزلقت في مأزق. محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية مارس في الشهور الأخيرة ضغوطا قوية على حماس، وقطع عليهم بالمعنى الحقيقي للكلمة الماء والكهرباء. أعتقد أن الناس في قطاع غزة على الأقل منهكون. يجب أن يحصل شيء ما ولذلك أنا متفائلة.
يبدو للوهلة الأولى أن حماس تقدم في عرضها فقط تنازلات ولا تعرض أي طلبات. يبدو أنها تحت ضغط قوي. هل ماتزال حماس تحظى بدعم السكان في قطاع غزة؟
يوجد استطلاعات للرأي تفيد أن حماس ستفوز مجددا بالانتخابات في حال تنظيمها، وهناك استطلاعات أخرى تفيد العكس. إنّ من الصعب الحصول على اعتراف واضح حول المسألة. في قطاع غزة لا توجد حرية تعبير. تقييمي من خلال اتصالات شخصية هو أن حماس تواجه انتقادات: لأنها تسببت في السنوات الأخيرة في كثير من الفساد وأن أولئك الذين يوجدون في نظام حماس في السلطة يعيشون في رخاء مقارنة مع مليوني شخص. الأشخاص الذين كانوا يملكون في السابق شركات صغيرة أو مصانع من القطاع المتوسط أجبروا على إغلاقها. وحماس تراقب كل شيء. وهذا ما يلمسه الناس بالطبع وهم غاضبون، وبالتالي فأنا لدي شكوك حول ما إذا كانت حماس تحظى بنفس الدعم الذي كانت تنعم به. والوضع مختلف في الضفة الغربية حيث تواجه السلطة الفلسطينية ضغوطا، ويتهمها المواطنون بالفساد. فهي تُتهم بالتسلط وقمع حرية التعبير والحركة وأنها تتعاون في المجال الأمني مع إسرائيل على حساب الفلسطينيين. فمن الممكن أن يحصل تأييد أكبر في الضفة الغربية لصالح حماس في الانتخابات.
حماس وافقت في عرضها على تنظيم انتخابات. فهل هي تراهن على الحصول على شرعية أكثر لسلطتها؟
هذا أكيد سبب وراء ذلك. لكنني أشك في فرضية تنظيم انتخابات. وإسرائيل ليس لها أية مصلحة في أن تصل حماس إلى السلطة في الضفة الغربية. وإذا تبين في بادئ هذه الانتخابات أن حماس ستحصل على تأييد كبير، فإن هذه الانتخابات لن تًنظم. وهذا ما ستحول دون حصوله إسرائيل. والانتخابات في المناطق الفلسطينية لا يمكن أن تُنظم دون دعم المجتمع الدولي. يجب تنظيم انتخابات، لأن الحكومتين الفلسطينيتين ليس لهما أية شرعية، ومن الناحية العملية لا أرى هذا في مستقبل منظور.
حماس تُعتبر في إسرائيل منظمة إرهابية. كيف تم استقبال إعلانها الأخير؟
تم استقبال النبأ بتشكيك كبير وبشيء من القلق. هذا لن يروق الحكومة الإسرائيلية، لأنها تتطلع إلى العكس: الحكومة الإسرائيلية لا ترغب في أن يتحد الفلسطينيون ويعقدون مصالحة. كلما حصلت جهود حقيقية لتشكيل حكومة وحدة وطنية وتجاوز الانقسام تدخلت إسرائيل وحاولت دون حصول ذلك. من الواضح أن إسرائيل تمشي في اتجاه آخر، إذ هناك رغبة في تكريس الانقسام عوض تجاوزه. رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو أعلن أنه لا يفكر البتة في وقف سياسة الاستيطان في الضفة الغربية أو إخلاء المستوطنات. في المقابل تريد إسرائيل التخلص من قطاع غزة. هناك محاولة لوضعه تحت مسؤولية مصر. إسرائيل ستقوم بكل شيء للحيلولة دون حصول مصالحة بين المعسكرين.
هل بمقدور محمود عباس الذي رحب بخطوة حماس الدخول حاليا في مفاوضات معها؟
هذه هي الورطة. عباس أصبح بإعلان حماس في وضع صعب. وتحديدا الآن هو لا يحتاج إلى ذلك في الوقت الذي يوجد فيه في الولايات المتحدة الأمريكية. هناك مواقف حذرة من وسطه في رام الله. أنطلق من فرضية أنه سيعقب على ذلك بإسهاب. وهذا قد يُحسب ضده في حال ما لجأ الأمريكيون أو الإسرائيليون إلى القول بأنه مستعد للتفاوض مع إرهابيين وأنه ليس شريكا.
من ناحية أخرى يواجه عباس ضغوطا قوية. فالرأي العام الفلسطيني يريد هذه المصالحة. وهو يُطالب باستمرار بالحد من هذا الانقسام. الخطوات التي قام بها في قطاع غزة مثل التقليص من التزود بالكهرباء والاقتطاعات من رواتب الموظفين الحكوميين كان لها صدى سلبي بين الناس، وليس فقط بين المعنيين بذلك. فالناس يقولون بأن هذه الخطوات تؤدي إلى تعميق الانقسام.
انقسام فتح وحماس يعود أيضا إلى اختلاف عميق في المواقف. فحركة حماس تدعو إلى المقاومة المسلحة ضد إسرائيل وتطالب بحقها في كافة أراضي فلسطين التاريخية. فيما تريد حركة فتح مفاوضات سلام مع إسرائيل وحلا لدولتين مجاورتين. كيف يمكن تحقيق المصالحة على هذا الأساس؟
المواقف لم تعد مختلفة بشكل عميق، إذ يوجد في حماس جناح براغماتي مستعد للتعاون مع فتح والتخفيف من طلباته. حماس نشرت ورقة أعلنت فيها استعدادها لقبول دولة فلسطينية في حدود 1967. فحتى حماس تواجه ضغط السكان الذين يريدون في قطاع غزة حرية الحركة. فهم منذ سنوات محاصرون ولا يخرجون من القطاع. وحتى بالنسبة للمرضى يبقى صعبا الحصول على ترخيص لمغادرة قطاع غزة من أجل العلاج. والناس يريدون مستقبلا لأبنائهم. ونسبة البطالة تتجاوز 60 في المائة، ومستوى الفقر يتعدى 80 في المائة. وهذه حقائق يعاني تحتها تأييد حماس. حماس ستكون مجبرة على التحرك، وهذا ما أراه.
ما هي الأشياء التي يمكن أن تُفشل محاولة المصالحة؟
المصالحة قد تفشل بسبب الضغط الدولي والإسرائيلي، لأنّ من غير المرغوب فيه أن تتوصل فتح وحماس إلى وحدة. لكن يوجد كمية من المشاكل المحلية: ما الذي سيحصل مع القوى المسلحة؟ هذا غير واضح تماما. ليس لدينا في قطاع غزة فقط القوة المسلحة لحماس، بل أيضا منظمات أصغر ومجموعات منشقة. والسلطة الفلسطينية في رام الله قالت دوما إنّ الحكومة وحدها هي التي يجب أن تحكم قوى الأمن، ولا وجود لميليشيات. وهل يجب إدراج الميليشيات في قوى الأمن؟ وهل سيتم تجريدها من السلاح. كل هذه الأمور يجب التفاوض حولها. وقد يفشل ذلك بسبب عامل إضافي. ففي الأثناء شكلت حماس في قطاع غزة نخبة قيادية تستفيد من الوضع ووضعها ليس بالسيء. فهل سيكون هؤلاء الأشخاص مستعدين دون خلاف للتخلي عن امتيازاتهم؟ على هذا الدرب توجد عدة عوائق ـ وربما وجب عليّ مراجعة تفاؤلي ـ لكنني أعتقد أن هذه المحاولة تحظى بجودة أخرى تتفوق على ما كانت عليه في السابق.
+ بتينا ماركس تدير منذ 2015 مكتب مؤسسة هاينريش بول في رام الله بالضفة الغربية. واشتغلت في السابق كصحفية أيضا لحساب دي دبليو وكمراسلة للإذاعة الألمانية في تل أبيب.
أجرى المقابلة أوتا شتاينفير/م.ا.م