قتلى نُزُل باساو.. ثلاثة سهام ووصيتان ولغز يبدأ بالجنس!
١٦ مايو ٢٠١٩توجهت إحدى عاملات ترتيب الغرف وتنظيفها في نُزُل صغير يعشقه الجوالة ومتسلقو الجبال في مدينة باساو الألمانية لأداء عملها من غرفة إلى أخرى. طرقت باب إحدى غرف النُزُل في صباح يوم السبت (11 مايو/ أيار)، ولم يأتها أي رد من الداخل، وهي عادة ما تكون إشارة إلى خلو الغرفة من سكانها. لكن المفاجأة كانت كبيرة حين فتحت الباب لتقف أمام مشهد للموت: ثلاث جثث في غرفة النُزُل وقد سالت الدماء لتغطي السرير وأرضية الغرفة.
حين أُستدعي محققو شرطة مدينة باساو، الواقعة في أقصى الجنوب الألماني على الحدود مع النمسا، بعد ورود مكالمة حول عثور العاملين في نُزُل "بنسيون" على إحدى الطرق الغارقة في غابات بافاريا الخضراء، لم يُدر في خلدهم أنهم أمام جريمة قتل أو انتحار جماعي غامضة.
في غرفة النُزُل وقف المحققون يتطلعون أمام الجثث الثلاث، الأولى كانت لرجل والثانية لامرأة مستلقيان على السرير وقد أمسك أحدهما بيد الآخر، بينما كانت الجثة الثالثة لامرأة في عقدها الثالث من العمر، ملقية على أرض الغرفة. كانت الجثتان على السرير مصابتين بسهام نشاب في القلب. أما الثالثة فمصابة بسهم مشابه في الرقبة.
وقالت الشرطة التي لا تفصح عن خلفيات الجريمة ونتائج تحقيقاتها إلا لماماً، إنها عثرت في الغرفة على ثلاثة أقواس، أُستخدم اثنان منها في الإجهاز على الضحايا. لكن هل هي جريمة قتل أم عملية انتحار جماعي؟ لم تكن على الجثث أي آثار للعنف. وإذا كان الثلاثة قد انتحروا وأن الفتاة هي من أطلق السهم المميت على الرجل والمرأة الأخرى، فكيف تيسر لها أن تطلق سهما على رقبتها بعد ذلك؟ كان هذا التساؤل الأول الذي قفز إلى تفكير الكثيرين.
لكنه لم يكن الأول: فمَنْ هم المنتحرون؟ هل هناك ثمة رمزية للانتحار بسهام؟ وماذا كتُب في الوصيتين لدى اثنين من منتحري النُزُل؟ وما علاقة جثتين أخريين لاثنين من معارف القتلى وقد عُثر عليهما بعد ساعات على بعد مئات الكيلومترات؟
سنحاول هنا إعادة طرح الأسئلة والإجابة عليها بما هو مُعلن من قبل الشرطة وما نشرته الصحف الألمانية التي أفردت مساحة واسعة للحديث عن هذه الجريمة الغامضة التي هزت ألمانيا.
ما نعرفه حتى الآن:
العثور على خمسة قتلى: القتيل الأول واسمه تورستن ف. (53 عاماً) والقتيلة بجانبه على السرير واسمها كيرستن أ. (33 عاماً) كان محل سكناهما مسجلاً في إحدى البلدات الصغيرة بمنطقة فيسترفالد بولاية راينلاند- بفالتس غربي ألمانيا. وكان الرجل يملك متجراً في بلدة مجاورة لبيع أشياء وأسلحة من العصور الوسطى. أما صاحبة الجثة الثالثة المرمية على الأرض واسمها فارينا س. فكانت من سكان مدينة فيتنغن في ولاية ساكسونيا السفلى ألمانيا. وبحسب معلومات الشرطة فإنها كانت مديرة مبيعات في أحد المخابز.
عثرت الشرطة في جيبها على بطاقة الهوية، فراحت تتحقق من منزلها بمدينة فيتنغن علها تجد حلاً للأسئلة التي لا تجيب عليها الجثث التي أطبق عليها الموت. لكنها وجدت عوضاً عن ذلك جثتين أخريين، الأولى لسيدة في الـ35، وهي غيرترود س. التي تعمل معلمة للدين والتاريخ في فيتنغن. والثانية لفتاة في ربيعها الـ19 اسمها "كارينا و. "وكانت تعيش هي الأخرى في المدينة ذاتها. وعند تشريح الجثتين لم تجد الشرطة أي آثار تدل على عنف خارجي، كما نقتل موقع "شبيغل" عن متحدث باسم الشرطة.
ما العلاقة التي ربطت بين القتلى الخمسة؟
توصلت التحقيقات إلى أن تورستن ف. وكيرستن أ. كانا يتشاركان السكن، وأن فارينا س. سكنت معهما في المنزل نفسه حتى قبل شهرين من الآن، وأنها كانت في علاقة عاطفية مع إحدى قتيلتيّ فيتنغن، وهي المعلمة غيرترود س. أما الشابة كارينا و. فكانت تسكن هي الأخرى في شقة المعلمة وزوجتها فارينا س..
وفي وقت لاحق أعلنت الشرطة أنها تعتقد أن المنتحرين الخمسة كانوا يرتبطون بعلاقة جنسية في إطار ما سمته الشرطة بـ "حلقة للجنس"، لكنه يُمارس بشكل يجعل الخمسة أقرب ما يكونون إلى "طائفة روحية".
ولا يُعرف بعد كيف وقعت الشابة كارينا و. في خضم هذه العلاقة الجنسية التي يشاركها فيها أشخاص يكبرونها سناً بكثير. لكن مقتلها كان سبباً في معرفة والديها بمكانها، إذ كشف موقع قناة "أر تي أل" الألماني أن والديّ كارينا كانوا يبحثون عنها خلال السنوات القليلة الماضية بعد أن قطعت كل اتصال بهما. وقالا في مقابلة مع القناة الألمانية إن ابنتهما المراهقة بدأت تنطوي على نفسها بالتدريج لتصبح فيما بعد تحت سيطرة تورستن وحلقته الجنسية التامة.
كيف تعرفت الشابة كارينا على الخمسيني تورستن؟
بحسب والديّها فإن كارينا تعرفت على تورستن ومجموعته حينما كانت مراهقة من خلال زيارتها لدورة في فنون الدفاع عن النفس نظمها تورستن في متجره. لكنها سرعان ما بدأت تبتعد عن والديها وأصدقائها ولم تعد تتواصل إلا مع أفراد من حلقة تورستن، حتى قررت ترك منزل عائلتها في نهاية المطاف بسن الـ16 لتنتقل للسكن في دار لرعاية الشباب. لكن في عيد ميلادها الـ18 انتقلت للسكن في مكان مجهول. وأوضح والداها في المقابلة أن تورستن أقلها بسيارته من محطة القطار في ذلك اليوم. وبعدها قطعت كل اتصال لها بوالديها.
ما سبب موتهم؟
قالت الشرطة أن تورستن ف. وكيرستن أ. أُصيب كل منهما بسهم قاتل في القلب، فيما اخترق رقبة فارينا س. سهم قاتل. ولم تتوصل الشرطة بعد على وجه الدقة إلى ما جرى في اللحظات الأخيرة قبل مقتل الثلاثة، لكن نتائج تشريح الجثث أثبتت عدم تعرضهم إلى عنف خارجي.
وبحسب موقع مجلة "شبيغل" الألمانية فإن شرطة مدينة باساو أعادت رسم خارطة الموت في الغرفة خلال اللحظات الأخيرة قبل انتحار الثلاثة وتوصلت إلى أن فارينا س. قتلت أولاً تورستن ف. وكيرستن أ. بطلبٍ منهما ومن ثم سددت سهماً قاتلاً إلى رقبتها لتلحق بهما. وقال الادعاء العام في باساو إن التحقيقات لم تتوصل إلى وجود شخص رابع في الغرفة خلال عملية الانتحار.
ووجدت الشرطة وصيتين تركهما تورستن ف. وكيرستن أ. وكان الثلاثة قد استأجروا الغرفة في النُزُل الصغير مساء الجمعة وتوجهوا مباشرة إلى الغرفة حاملين ثلاثة من أقواس النشاب وزجاجة ماء وأخرى للمشروبات الغازية، كما يتذكر موظف الاستقبال حين رأى الثلاثة يصعدون متوجهين إلى غرفتهم في الطابق الثاني. ولم تجد الشرطة في الغرفة أي أمتعة أخرى أو حتى فرش للأسنان، بحسب الادعاء العام.
أما موت غيرترود س. وكارينا و. في فيتنغن فلم تكشف الشرطة الألمانية عن أسبابه، لكنها اكتفت بالقول إنه لم يكن بسهام النشاب وإن الجثتين خلتا من أي آثار لعنف من طرف آخر. بيد أن قناة "أر تي أل" تنقل عن أوساط مطلعة على التحقيقات أن وقتاً طويلاً مضى على مقلتهما.
كلما حاولنا الاقتراب من مجريات ما حدث تُثار أسئلة أخرى قد يكون الزمن كفيل بالكشف عنها مع استحالة الوقوف على التفاصيل كاملة نظراً لمبدأ احترام كل ما يتعلق بالحقوق الشخصية للقتلى وذويهم. وحتى ذلك الحين يبقى دافع الانتحار وأسبابه لغزاً. لماذا اختار تورستن والسيدات الأخريات باساو بالتحديد؟ هل لذلك معنى خفي؟ ولماذا ذلك النُزُل بالتحديد؟ وما علاقة انتحار الثلاثة بمقتل كارينا وغيرترود على بعد مئات الكيلومترات في فيتينغن؟
هناك في فيتنغن قصد رجال الشرطة الشقة بحثاً عن حل، فوجدوا جثتين والمزيد من الأسئلة، فتشوا المكان ونقلوا الجثتين وأغلقوا الشقة بالشمع الأحمر ثم غادروا المكان. وحين اختفى هدير مركباتهم أطبق الصمت على كل شيء. ولاح أمام الباب زوج من الأحذية الجلدية السوداء، بدا كما لو أن أحدهم سيخرج في أي لحظة من الشقة ويلبسه أو يحمله بعيداً.
ع.غ/ ع.ج