قبرص: انخفاض أعداد الوافدين لا يقابله تطوير في الاستقبال
٢٥ يوليو ٢٠٢٣أعلنت الشرطة القبرصية وصول 23 مهاجرا إلى سواحل "كيب غريكو" في الطرف الجنوبي الشرقي لقبرص، يوم الجمعة 14 تموز/يوليو الجاري. وأشارت السلطات إلى أن مراهقا يبلغ من العمر 17 عاما كان يقود قارب المهاجرين، والذين كان من بينهم نساء وأطفال، موضحة أنها اعتقلت الشاب مع احتمالية مثوله أمام المحكمة في الأيام القادمة.
وأتت هذه الأخبار بعد يومين فقط من وصول قارب مماثل حمل نفس العدد من المهاجرين ، وتمت مرافقته إلى ميناء آخر في قبرص.
ووفقا لوسائل إعلام محلية، انطلق هذان القاربان من السواحل السورية، ودفع المهاجرون آلاف الدولارات مقابل هذه الرحلة الخطرة.
وفي الأسبوع الماضي أيضاً، اعترض خفر السواحل القبرصي واحتجز قاربا يحمل 49 مهاجرا قبالة ساحل بافوس، على الطرف الغربي للجزيرة. وبحسب ما ورد عن السلطات، غادر هذه القارب من سواحل لبنان يوم الاثنين 10 تموز/يوليو متجها إلى إيطاليا.
وعلى الرغم من استمرار توافد المهاجرين إلى الجانب اليوناني من الجزيرة سواء عبر القوارب، أو عن طريق الحدود البرية مع الجانب التركي، أعلنت السلطات القبرصية الأسبوع الماضي، أن عدد المهاجرين الذين غادروا إلى خارج الجزيرة المتوسطية في الربع الثاني من العام الجاري، كان أعلى من أولئك الذين وصلوا إليها لطلب اللجوء، في حصيلة تحدث للمرة الأولى منذ سنوات.
وجاء في بيان لوزارة الداخلية القبرصية، أنه بين شهري نيسان/أبريل وحزيران/يونيو 2023، تم تقديم 2381 طلب لجوء في البلاد، بينما غادر 2714 مهاجر، وذلك من خلال برامج الانتقال الطوعي إلى دول أعضاء أخرى، أو العودة الطوعية أو الترحيل إلى بلدانهم الأصلية.
فما رأي الجهات الإنسانية العاملة في الجزيرة بهذه الأرقام وبالوضع العام للمهاجرين على الجزيرة؟ وهل "تغني" السلطات بانخفاض أعداد المهاجرين الوافدين مقابل أعداد المغادرين، يعكس أي تحسن في نظام استقبال طالبي اللجوء؟
انخفاض أعداد الوافدين إلى الجزيرة
وفي اتصال مع مهاجرنيوز، قال دوروس بوليكاربو، الرئيس التنفيذي لجمعية "كيسا" الحقوقية، إن "أعداد الوافدين عبر الحدود مع القسم التركي آخذة بالانخفاض، أعتقد أن ذلك مرتبط بتغيير السلطات التركية لسياساتها إزاء إعطاء التصاريح التي كانت تسمح للمهاجرين بالوصول إلى الجانب التركي من الجزيرة. أما توافد قوارب المهاجرين، فلا يزال مستمراً، ولكن أعدادهم ليست كبيرة".
وهو ما أكدته كورينا دروسيوتو، منسقة "مجلس اللاجئين في قبرص"، قائلة "وصلتنا معلومات أن السلطات التركية رفضت 15 ألف طلب تصريح مخصص للطلاب. هذه التصاريح كانت الطريقة الرئيسية للمهاجرين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى الجمهورية القبرصية".
واستدرك بوليكاربو "الحكومة تقول إن هناك زيادة طوال الوقت في أعداد المهاجرين، لتلقي التمويل من الاتحاد الأوروبي. هذا الدعم يستخدم لتحسين البنية التحتية في مركز بورنارا، لكن هذا لا ينعكس على السياسات المطبقة فيه".
من جانبه، أكد وزير الداخلية القبرصي، كونستانتينوس يوانو، في مؤتمر صحافي أجراه في 15 حزيران/يونيو الماضي، على حدوث انخفاض في عدد الوافدين من المهاجرين غير الشرعيين خلال الأشهر الأخيرة، وعزا ذلك "إلى عوامل خارجية، ولكن أيضا إلى التدابير التي اتخذتها جمهورية قبرص، بالتشاور دائما مع الاتحاد الأوروبي".
"تطوير البنى التحتية في مركز بورنارا لا يقابله تطوير في نظام استقبال طالبي اللجوء"
وفي 11 تموز/يوليو الجاري، قام وزير الداخلية القبرصي، كونستانتينوس يوانو، بزيارة إلى مركز الاستقبال الأول "بورنارا" لتفقد إجراءات اللجوء التي تتم هناك، ومشاريع التطويرالتي يتم تنفيذها بتمويل من المفوضية الأوروبية بحوالي 22 مليون يورو، وبإسناد مباشر إلى المنظمة الدولية للهجرة (IOM). وتشمل أعمال تحديث المركز التي من المتوقع أن تكتمل بحلول نهاية عام 2023، شراء وحدات سكنية مسبقة الصنع، وشراء المعدات، بالإضافة إلى صيانة البنية التحتية.
ووفقاً لكورينا دروسيوتو، تبلغ السعة القصوى للمركز 1000 شخص، لكنه احتوى في بعض الأحيان على أكثر من 3000 مهاجر. أما الآن، يتواجد فيه نحو 800 مهاجر.
وشددت وزارة الداخلية في بيان، على أن الهدف من هذا التطوير هو "تحسين إجراءات اللجوء وإدارة الهجرة بشكل أكثر كفاءة". وهو ما يختلف دورو بوليكاربو معه.
يقول الحقوقي "المركز مغلق ولا وصول للحقوق، ويهدف إلى عزل المهاجرين وتقييد حرياتهم ووصولهم إلى المحامين والمنظمات غير الحكومية. تختلف المعاملة التي يتلقاها طالبو اللجوء في المخيم بناء على طبيعة قصتهم والمكان الذي أتوا منه، المهاجرون من أفريقيا جنوب الصحراء لا يتلقون نفس المعاملة التي يتلقاها السوريون على سبيل المثال. وهذا يتنافى مع قانون الهجرة، الذي يتعامل مع المهاجرين بناء على ضعفهم وقصصهم الفردية".
ووفقا للمصدر ذاته، إذا شعرت السلطات في المركز أن شخصاً ما من الممكن أن يحصل على حق اللجوء، يتم نصحه بمغادرة المركز والحصول على مسكن خارجه بوسائله الخاصة، لإتاحة مكانه في المركز، وعلى أمل أن يصل لحقوقه بأسرع وقت، وهكذا يمكنه التواصل مع الجمعيات والتحدث مع محام (على نفقته الخاصة).
أما إذا كان الرد سلبياً على طلب اللجوء، يبقى طالب اللجوء في بورنارا حتى يتم نقله إلى مركز "ليمينيز"، وهو مركز يحتجز فيه المهاجرون قبيل مغادرتهم البلاد. وهناك يتم تخيير طالب اللجوء بين مغادرة الجزيرة طوعياً، أو مغادرة المركز، ليصبح بدون أوراق، ما يعني عدم حصوله على أي حقوق، وعدم القدرة على خروجه من الجزيرة باتجاه دول أخرى في أوروبا، حتى يتم احتجازه مرة أخرى.
المناخ العام الحالي في الجزيرة إزاء ملف الهجرة
وفي إجابة على سؤال حول الوضع العام في الجزيرة، وتعامل السكان مع ملف الهجرة. قال بوليكاربو "الخطاب الرسمي بات أقل حدة، لكن الخطاب الإعلامي لا يزال عنيفا ضد المهاجرين. بروباغندا اليمين المتطرف لا تزال تبث على وسائل الإعلام المحلية، وذلك بهدف تسميم الجو العام. وأي معارض لهذه الأفكار يتم اتهامه بأنه مناصر للغزاة غير الشرعيين".
وأوضح وزير الداخلية في تصريح لأحد الصحفيين في 15 حزيران/يونيو، أن عددا كبيرا من المهاجرين غير الشرعيين دخلوا سوق العمل، موضحا أنه بموجب التشريع الحالي، يحق لطالب اللجوء العمل في قطاعات محددة. وشدد على أن "هذا هو السبب في أن هدفنا هو الإسراع بفحص اللجوء". وقال "مع مضاعفة عدد الفاحصين الذي قمنا به في الشهرين الماضيين"، فإن الهدف هو معالجة الطلبات في أسرع وقت ممكن لإنهاء كل من المزايا وحق العمل.
من جانبها، أعربت كورينا دروسيوتو عن أملها إزاء مرونة الحكومة القبرصية الحالية مع ملف الهجرة، خاصة وأنها أوقفت مشاريع الحكومة السابقة المتعلقة بإنشاء جدران وأسلاك شائكة مع المنطقة العازلة بين شقي الجزيرة.
وتسيطر الحكومة القبرصية على الجزء الجنوبي من الجزيرة فقط، حيث خرج الجزء الشمالي من تحت سلطاتها منذ سيطرة تركيا عليه في عام 1974. وضع يستغله مهربو المهاجرين عبر إيصالهم إلى الجانب التركي من الجزيرة، ومن ثم محاولة تهريبهم إلى الجانب القبرصي، عبر المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة بين شقي الجزيرة.
وبحسب السلطات القبرصية، يمثل طالبو اللجوء 5% من إجمالي عدد سكان الجزء الجنوبي من الجزيرة (915 ألف نسمة).
مهاجر نيوز 2023