قانون الاستيطان الإسرائيلي ... جدل دستوري وقلق دولي
٧ فبراير ٢٠١٧أقر الكنيست الإسرائيلي أمس الاثنين (السادس من شباط/ فبراير 2017) قانونا يقنن بأثر رجعي وضع نحو أربعة آلاف وحدة سكنية استيطانية بنيت على أراض يملكها فلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة وهو إجراء أثار قلقا دوليا.
ويسمح القانون باستملاك أراض خاصة تعود إلى فلسطينيين شيد إسرائيليون عليها مبان بدون ترخيص سواء لأنهم لم يكونوا يعلمون أنها ملكية خاصة أو لأن السلطات الإسرائيلية سمحت لهم بذلك. وبحسب القانون سيتم تعويض المالكين الفلسطينيين ماديا أو من خلال إعطائهم أراض أخرى.
وكانت إسرائيل قد باشرت أمس الاثنين بهدم مستوطنة "عمونا" الواقعة في الضفة الغربية إثر مناكفات سياسية وقانونية استمرت سنوات عدة، وتنفيذا لأمر المحكمة العليا في إسرائيل التي أمرت عام 2014 بإجلاء مستوطنة عمونا لأنها غير قانونية وبنيت على أملاك فلسطينية خاصة.
وفي لقاء مع DW عربية، قال الدكتور أسامة عنتر مدير برنامج مؤسسة فريدريش إيبرت في قطاع غزة إن القانون الذي أقره الكنيست كان يهدف بالدرجة الأولى "التغطية على قرار المحكمة الإسرائيلية بفك المستوطنة والبؤرة الاستيطانية عمونا". وأضاف عنتر أن "إسرائيل، كما وصفها صائب عريقات، تتجه نحو سرقة الأراضي الفلسطينية وسرقة الأملاك الفلسطينية الخاصة. وهذه أراض فلسطينية خاصة يملكها أفراد، والآن تتجه إسرائيل إلى سرقة الأراضي الشخصية المملوكة لأفراد".
ويواجه القانون مشاكل دستورية في إسرائيل. ووصف المدعي العام الإسرائيلي أفيخاي ماندلبليت القانون بأنه غير دستوري وينتهك القانون الدولي، إذ يسمح بمصادرة أراض خاصة في مناطق احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وذكر المدعي العام الإسرائيلي أن القانون يتعارض مع أحكام المحكمة العليا الإسرائيلية بشأن حقوق الملكية. وقال المدعي العام إنه لن يترافع دفاعا عنه أمام المحكمة العليا.
من جانبه، ذكر د. أسامة عنتر أنه سيتم تعديل القانون الأساس في إسرائيل "من أجل عدم إعطاء الفرصة لأي محكمة فرعية في إسرائيل للاعتراض على أي بؤرة استيطانية". وقال د. عنتر:" لا اعتقد أن المحكمة العليا في إسرائيل سوف تنصف الفلسطينيين في هذا الاتجاه. سيتم الأخذ بنظر الاعتبار أن القانون تم وفقا للقانون التشريعي الجديد، وبالتالي يجب مراعاته".
قلق دولي وصمت أمريكي
القرار لاقى تنديدا محليا ودوليا. واستنكرت حنان عشراوي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التشريع الإسرائيلي وقالت في بيان إن إسرائيل بهذا القانون "قد قضت نهائيا على أية إمكانية لقيام دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلت عام 1967 متحدية القرارات والقوانين الدولية".
أما منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف فقال في بيان إن القانون "ستكون له عواقب قانونية بعيدة بالنسبة لإسرائيل وهو يقوض بشكل كبير احتمالات السلام العربية الإسرائيلية".
إدارة الرئيس الأمريكي ترامب لم تعلق من جانبها على قرار الكنيست الأخير بانتظار الحكم النهائي من المحكمة العليا الإسرائيلية بشأنه. وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لوكالة فرانس برس مشترطا عدم نشر اسمه إن "الإدارة بحاجة إلى فرصة للتشاور مع جميع الأطراف بشأن الطريق الواجب سلوكها للمضي قدما". وأضاف "في الوقت الراهن تدل المؤشرات على أنه من المرجح أن يعاد النظر في هذا التشريع من قبل المحاكم الإسرائيلية ذات الصلة، وإدارة ترامب ستمتنع عن التعليق على التشريع إلى أن تصدر المحكمة ذات الصلة حكمها".
ومنذ تسلم دونالد ترامب مهامه الرئاسية والموقف الأميركي من الاستيطان الإسرائيلي مبهم، فقد سبق للبيت الأبيض أن اعتبر أن بناء وحدات استيطانية جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمكن أن "لا يكون عاملا مساعدا" في حل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه أكد في الوقت نفسه انه لم يتخذ بعد موقفا رسميا من المسالة وانه لا يعتقد أن "المستوطنات تشكل عقبة أمام السلام".
ومنذ تنصيب ترامب في 20 كانون الثاني/يناير الماضي أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لبناء أكثر من ستة آلاف وحدة سكنية استيطانية في الأراضي المحتلة، كما أعلن نتانياهو بناء مستوطنة جديدة لمستوطني بؤرة عمونا التي أخليت أمس.
ويأتي إقرار القانون من قبل الكنيست في خطوة تسبق زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي في خطوة عدها البعض محاولة للضغط من قبل إسرائيل على إدارة الرئيس ترامب الجديدة بما يتعلق بموضوع نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس.
لكن الدكتور أسامة عنتر استبعد ذلك وقال إن "إسرائيل غير معنية حاليا بأن توجه بؤرة الحدث نحو الصراع حول القدس"، مذكرا بأن إدارة الرئيس ترامب سوف لن تكون "مناصرة للحق والعدالة الفلسطينية".
وأضاف عنتر قائلا:" اعتقد أن موضوع الاستيطان هو الجزء الأساسي للمشروع الإسرائيلي. وهو يهدف حاليا إلى تفكيك الضفة الغربية بشكل كبير جدا، حيث لا يكون هناك إمكانية تكوين دولة فلسطينية قادرة على الحياة في منطقة الضفة الغربية، وممكن أن تكون هناك دولة فلسطينية في المستقبل في قطاع غزة فقط". واستبعد د. عنتر أن تبادر السلطة الفلسطينية لتقديم ملف الاستيطان إلى محكمة الجنايات الدولية، وقال إن السلطة تنتظر أن تبادر المحكمة بنفسها بفتح ملف القضية.
على صعيد متصل، لاقى القانون الجديد الذي تم إقراره في الكنيست في القراءة الثالثة والأخيرة، أغلبية 60 نائبا مقابل 52 صوتوا ضده، وذلك من أصل 120 نائبا يتألف منهم البرلمان. ولم يحصل بذلك سوى على أغلبية ضئيلة في الكنيست. وانتقدت المعارضة في إسرائيل القانون.وقال الزعيم المعارض اسحق هرتزوغ من الاتحاد الصهيوني إن علما أسود يرتفع فوق "القانون المعتوه الذي يهدد بتدمير الديمقراطية الإسرائيلية". فيما قالت جماعة "السلام الآن" الإسرائيلية المناهضة للاستيطان إنها ستقدم التماسا أمام المحكمة العليا يطعن على القانون.
ولكن المعارضة الداخلية في إسرائيل لا تشكل الأغلبية في الكنيست ولا يمكنها إيقاف القانون أو تشريع قانون بديل، وهو ما أكده أسامة عنتر في حواره مع DW عربية.