فيينا – لقاء الخصوم المتنافسين حول سوريا
٢٩ أكتوبر ٢٠١٥تتجه الأنظار غدا نحو العاصمة النمساوية فيينا حيث من المقرر عقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية بمشاركة 20 دولة من بينها دول معارضة وأخرى مؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد.
أبرز الدول المشاركة هي الولايات المتحدة وروسيا وتركيا والسعودية وإيران ومصر ودول أوروبية، وبذلك فإن طاولة المحادثات حول سوريا، ستجمع دولا تشهد علاقاتها توترا شديدا يصل أحيانا إلى حد العداء، وهو ما يجعل بعض المراقبين متشائمين حول احتمال أن تسفر هذه المحادثات عن بداية لحل سياسي للأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس رغم تصريح وزير الخارجية الأمريكية جون كيري بأن لقاء الجمعة هو" أكثر فرصة واعدة من أجل تحقيق انفتاح سياسي".
"اشتباك سعودي إيراني"
ومن بين الدول المتوقع مشاركتها أيضا في المباحثات الأردن والإمارات العربية المتحدة وقطر وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. وتشارك إيران الحليف الأكبر للأسد لأول مرة في مباحثات السلام الدولية بعد توجيه الدعوة لها، في وقت لن يحضر فيه أي ممثل عن حكومة الأسد أو المعارضة السورية، التي وصفت حضور إيران في المحادثات ب "التطور الخطير".
إيران تؤكد في كل مناسبة بأنها تؤيد حلا سياسيا في سوريا لكنها تشترط أن يكون الرئيس الأسد جزءا من العملية ، وهكذا يعتبرها بعض المراقبين حاليا أكثر المتمسكين بالأسد. بينما تضع جماعات المعارضة ومؤيدوها الإقليميون ومن بينهم السعودية وقطر وتركيا تنحّي الأسد عن السلطة شرطا مسبقا للسلام.
و يرى متابعو الشأن السوري أنّ حضور إيران يُسجَلُ انتصارا لها خاصة أن الأطراف المعنية بالنزاع باتت تدرك ان استبعاد إيران، الداعمة الأولى للنظام السوري طيلة هذه السنوات، غير منطقي ولن يساهم في حل للأزمة. أما بالنسبة للرياض، فإن هذه المحادثات تشكل فرصة لاختبار مدى "جدية" طهران وموسكو في التوصل الى حل سياسي في سوريا، حسب ما جاء على لسان مسؤولين سعوديين.
ويرى الدكتور خطار أبو دياب أستاذ العلاقات الدولية في معهد الجيوبوليتيك في باريس أنّ التناقض الأكبر في هذه المباحثات يتمثل في الوجود الإيراني والسعودي معا ، ويفسر ذلك بأن العلاقات معقدة على أكثر من صعيد وليس فقط بخصوص الأزمة السورية، فقد ازداد التوتر في الفترة الأخيرة بسبب الملف النووي الإيراني وملف اليمن أيضا وحادثة منى التي توفي فيها عشرات الحجاج الإيرانيين، ويضيف الخبير اللبناني في تصريحات ل DWعربية "هذا ما يجعلني أتوقع أن هذه المباحثات لا يمكن أن تكون فرصة لتقريب وجهات النظر أو تنقية العلاقات الثنائية بل ستكون باعتقادي مناسبة جديدة لاشتباك سعودي إيراني".
اختبار قوة بين واشنطن وموسكو
يعتبر مراقبون أن التدخل العسكري الروسي في سوريا كان القشة التي قصمت ظهر البعير وبها صار ملحا أكثر من أي وقت ضرورة العمل على إيجاد حل سياسي، واختلفت قراءات توقيت التدخل الروسي لكن معظمها صب في أن موسكو تدخلت عندما ضعفت جبهات الأسد بشكل كبير فتدخلت لتنقذ أهم "ورقة" في يدها ولتضمن مصالحها في سوريا. الدب الروسي دخل بثقله وخلط الأوراق أكثر بعد إشارات حول ما أسماه البعض تنسيقا روسيا إيرانيا في سوريا. في الوقت ذاته فالجديد هنا في فينا هو التقارب بين موسكو والقاهرة أبرز حلفاء السعودية في المنطقة.
ولا يزال مصير الرئيس السوري موضوعا خلافيا أيضا بين واشنطن وموسكو، وفي هذا الخصوص أعرب جون برينان مدير وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية "سي آي ايه" عن ثقته بأن الروس يريدون في نهاية المطاف رحيل الأسد، ولكن السؤال هو "متى وكيف سيتمكنون من دفعه" للرحيل.
ويرى أبو دياب أن العلاقات الروسية الأمريكية ما زالت مطبوعة بالحرب الباردة التاريخية بين البلدين ، وتداعت أجواء تلك الحرب مع الأزمة الأوكرانية والسورية "لكن كلا الطرفين يريد أن تبقى هذه الحرب محدودة، أوباما لا يريد الاصطدام ببوتين في الوقت الحالي، ولكن باعتقادي فإن الولايات المتحدة تنصب فخا ما لروسيا لأنها وبالرغم من كل الجهود الدبلوماسية وإبداء الرغبة في التعاون مع الروس تبقى حريصة على أن تظل القوة الأولى في الشرق الأوسط رغم تصريحات أوباما بأن إدارته تريد الانسحاب من المنطقة".
الفتور بين القاهرة وأنقرة
وحول الخلاف بشأن مصير الرئيس السوري، يقول أبو دياب إن الأسد مازال خطا أحمر بالنسبة لإيران أما بالنسبة لروسيا فهو خط أحمر على المدى القصير إلى حين تحقيق نوع من التقدم الميداني، " لكنه لم يعد ذلك الموضوع المحرّم تناوله في المفاوضات، وأُرجح على المدى المتوسط أن يكون هناك تنافس بين إيران وروسيا حول من ينظم عملية إخراج الأسد، كما أرجّح أن توافق المصالح والعمل المشترك الحالي بين طهران وموسكو لن يستمر".
قطبان عدوان آخران سيجلسان على طاولة المفاوضات في فينا وهما تركيا والقاهرة ، فالعلاقات بين البلدين تشهد توترا كبيرا منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي إذ لا تعترف أنقرة حتى الآن بشرعية النظام المصري الحالي، ومن جانبها تتهم القاهرة الأتراك بدعم جماعة الإخوان المصنفة كتنظيم إرهابي في مصر. ويقول أبو دياب إن النفور بين تركيا ومصر ليس بالأهمية التي تجعله يشكل محورا في محادثات فينا "مصر تحاول العودة وبلورة خط جديد في الساحة السورية والعربية عموما بعد غيابها بسبب ما عرفته من أحداث، لكنها بالمقابل حذرة بسبب علاقاتها القوية مع الدول الخليجية وبالتالي لن تذهب للدخول في مواجهة وصراع بالوكالة مع تركيا خصوصا أن أدوار بعض الدول مثل الأردن ولبنان ومصر لن تتجاوز دور الوسيط بين الأطراف الكبرى، ولا ننسى أن كلا من أنقرة و القاهرة لديهما مشاكل داخلية وتحديات في الفترة الحالية والاهتمام بها أولى من الدخول في مواجهات في فينا".