"فيروسات نازية" مخادعة تنفث سمومها على الشبكات الاجتماعية
١٦ أغسطس ٢٠١٤انتشر في ألمانيا مؤخرا على صفحات الفيسبوك رابط ينتشر تلقائيا، يبدو للوهلة الأولى أنه مقطع من فيلم "الكريبيك 5" الجديد، لكن بعد برهة من الزمن، ما أن يتم الظغط على الرابط، حتى يتبين أنه لا يمت للفيلم بصلة، إذ يختفي مقطع الفيلم فجأة، لتظهر محله صفحة أخرى تحتوي على رسائل تحرض على الكراهية. وقد تبين أن مجموعة "السرمديون" النازية تقف وراء هذه الحيلة الإلكترونية لترويج أفكارها التحريضية. وغالبا ما ليتفطن مستعملي الفيسبوك إلى هذه الرسائل المفخخة بعد فوات الآوان. ويكمن سر هذا الفيروس الإلكتروني الخبيث في نشر وإرسال الرابط بشكل تلقائي إلى الآلاف من مستعملي الفيسبوك دون أن يكونوا على علم بما يخفيه الرابط من دسائس عنصرية، وعند الظغط عليه يستمر الفيروس بالتكاثر في الفيسبوك.
هذا "الفخ الإلكتروني" هو في الحفيقة ليس إلا قطرة من غيث، فاليمين المتطرف له "عصابات ترويج" وحيل عديدة أخرى على شبكات الفيسبوك وتويتر واليوتوب، هدفها الأساسي استدراج مستعملي الإنترنيت من الشباب خاصة، كما يقول طوماس كريغر، رئيس مركز التكوين السياسي الإتحادي الألماني. ويقول عند تقديمه للتقرير السنوي حول "نشاط اليمين المتطرف على شبكة الإنترنيت": "اللافت للإنتباه أن حتى من يعارض النازيين الجدد، يتورط بنفسه في نشر أفكارهم العدائية بشكل تلقائي". وحسب التقريرفإن عدد من يغرر بهم في الانترنت في تزايد مستمر.
وقد فهم اليمين المتطرف أهمية شبكات الفيسبوك والتويتر والتومبلر واليوتوب كوسيلة مفتوحة لنشر وتبادل المعلومات بشكل مستمر، ولذلك فقد استغل هذه الثغرة لتوضيفها كجهاز بروباغندا لنشر أفكاره. هذا ما توصل إليه شتيفان قلاسر، المسؤول عن موقع تابع لمنظمة "حماية حقوق الشباب" الحكومية. ويعمل قلاسر على تحليل بيانات دقيقة حول كيفية نشراليمين المتطرف لفكرالكراهية والتحريض على العنف، ويقول: "أكثر من 70 بالمائة من مجموع ال5500 تصفحا في 2013 تمت عبر الشبكات الإجتماعية واليوتيوب.
"
ولكن هناك ملاحظة هامة يجب الوقوف عندها: فقد تبين أن النازيين الجدد يدسون سمومهم المتطرفة في قالب ثقافي جذاب وممتع، بعيدا عن استعمال الشعارات البالية، ويقومون إذا بالإختباء وراء واجهة جذابة للتمويه تتماشى مع أهواء الشباب واهتماماتهم، فمثلا تم توظيف شخصية "كعكي" الكرتونية من الرسوم المتحركة "افتح يا سمسم"، لتسريب أفكار اليمين المتطرفة. كما تظهر شخصية كرتونية أخرى محبوبة لدى الألمان في شكل دب يؤدي التحية الفاشية. وحتى ميكي ماوس الودود لم يسلم. فقد تحول بدوره إلى فأر قبيح بجمجمتين تجسيدا لشعار ميليشيات "الأس الأس" النازية التي أسسها أدولف هتلر.
هذه هي إذا أبرز أساليب التمويه التي تنتهجها هذه الجماعات أساسا في عالم الإنترنيت الفسيح. وقد أشارت منظمة "حماية حقوق الشباب" إلى مخاطر الإنترنيت وتأثيره على الوعي الإجتماعي للشباب، إذ لاحظت أن انتشار مقاطع الفيديو المحرضة على العنف والكراهية ضد الأقليات، قد ارتفع بشكل مطرد. و بالتالي فقد أصبح التحريض ضد الأقليات في ألمانيا كالمسلمين واليهود والغجر والمثليين الجنسيين يتم في بعض الأحيان بشكل مباشر، لكن باستعمال أسماء مستعارة. حتى ما يجري حاليا في الشرق الأوسط من تهجير وملاحقة للمسييحين قد تم توظيفه عن طريق مقاطع فيديوعلى اليوتوب كحجة دامغة لوحشية المسلمين.
مكافحة النازية بحملات الكترونية معاكسة
وما يدعو للقلق هو تزايد هذه الحيل الإلكترونية في غياب تام للرقابة المعلوماتية، ما أدى بالتالي إلى ارتفاع عدد التجاوزات القانونية المنتهكة لحقوق الشباب في ألمانيا وحرمتهم الشخصية لتصل إلى 1842 حالة تجاوز في 2013، في حين أنها لم تتجاوز ال1000 حالة في 2012، وذلك حسب ما رصده نشطاء حقوقين على الإنترنيت.
ولمكافحة المد المتزايد لليمين المتطرف، بادرت وزيرة اشؤون الأسرة مانويلا شفيزيج بإطلاق مشروع ضخم كلفته 30 مليون يورو لتمويل حملة الكترونية طويلة الأمد، وقالت عند تقديم التقرير السنوي حول نشاط اليمين المتطرف على الإنترنيت: "نحن عازمون على تمويل هذا البرنامج الجديد ضد اليمين المتطرف والعنف والكراهية لمدة خمس سنوات". ويتمثل البرنامج الحكومي في تمويل حزمة من المشاريع لإحداث مراكز لتوعية الشباب بمخاطر التطرف. وختم طوماس كريغر بالقول: "ما ينقصنا هو حملة الكترونية معاكسة لمواجهة اليمين المتطرف، ولهذا حان الوقت لتأسيس ثقافة احتجاج ومناهضة على الشبكات الإجتماعية مثيلة بتلك الإحتجاجات العارمة ضد النازية، التي تملأ شوارع ألمانيا من حين إلى آخر."