في مفترق طرق بين عالمين .. أطفال المهاجرين في إيطاليا
١٧ مايو ٢٠١٩يقول أمين نور، ممثل ومخرج فيلم إيطالي قصير بعنوان (خمن من أحضرت لتناول العشاء): "عندما كنت صغيراً، وأعني هنا فترة التسعينات، كنت من أوائل الأفارقة الذين سكنوا في المنطقة المحلية بمدينة روما. ما زلت أتذكر أنهم اعتادوا تسميتي بالشخص الأسود".
نور - الذي يتحدث بلهجة "رومانية" واضحة - قال إنه وصل إلى إيطاليا في سن الرابعة قادماً من الصومال. يقول إنه يشعر وكأنه أجنبي من الناحيتين لأنه سيعتبر أجنبيًا في الصومال إذا "عاد إلى هناك" وكثيراً ما يعامل معاملة الأجنبي في إيطاليا بسبب لونه. يضحك نور من ارتباك يقع فيه العنصريون في إيطاليا، متذكراً الواقعة الأخيرة التي قيل له فيها "عد إلى بلدك" من قبل رجل من مدينة روما خلال رحلة بالقطار. يقول نور: أجبت قائلا: "أنا آسف ، ماذا قلت؟" ووجدت شعر الرجل قد وقف من التوتر وقال لي:" أوه ، أنت من روما "واعتذر لي.
لاحقا وبعد أن تبادل الرجلان الحديث عن روما، أراد الرجل أن يثني على نور فقال: "أتعلم ، أنت تتحدث الإيطالية بشكل جيد للغاية"، يضحك نور مجيباً:" وأنت أيضاً". يقول نور إنه عليه أن يواجه باستمرار توقعات الآخرين بشأنه وتعليقاتهم السلبية وأن التنقل بين عالمين أصبح تجربة يعرفها جيدًا.
يصف نور هويته بأنها شيء لا يمكن تسميته... "أنا من الثقافة الأوروبية، الإيطالية، حسناً، لكني أسمر البشرة. أنا أفريقي. يمكن أن أوصف بأني "من أصل صومالي". هويتي تنمو دائمًا، إنها كالنهر؛ لا يمكنك توجيهه أو احتوائه".
يحاول نور من خلال فيلمه القصير أن يلعب بهذه الصور النمطية والتوقعات بالنسبة لمن كانوا أطفالاً مثله نشأوا أو ولدوا في إيطاليا. وهذا تحديداً ما تتناوله دراسة جديدة صدرت عن دائرة الطفولة والمراهقة في إيطاليا AGIA
تغيير التركيبة السكانية
لسنوات عديدة، كان لدى إيطاليا عدد متجانس نسبيًا من الأعراق. على مدار العشرين عامًا الماضية، سجل المعهد الوطني للإحصاء الإيطالي (ISTAT) زيادة سنوية في عدد الأطفال المولودين لأبوين مهاجرين، ومع ذلك، أخذ هذا الاتجاه في التباطؤ منذ عام 2017. تشير الأرقام الواردة اعتباراً من 1 يناير 2018 إلى أن 1041177 من بين 9806357 من الأطفال تحت سن الثامنة عشر ولدوا لأبوين مهاجرين - أي حوالي 10 في المائة من السكان. وُلد معظم هؤلاء الأطفال (ما يقرب من سبعة من كل عشرة) على أرض إيطالية.
وعلى امتداد إيطاليا، فإن نحو 15 في المائة من حالات الولادة في المتوسط هي للآباء المهاجرين. في الشمال، ترتفع النسبة إلى 20 في المائة وفي الجنوب والجزر تنخفض إلى حوالي 5 في المائة، على الرغم من أن مدن مثل باليرمو في صقلية هي استثناء لهذه القاعدة.
ويتساءل البحث الذي أجرته AGIA عن الطريقة التي يعيش بها أطفال الوالدين المهاجرين وكيف يكبرون، وما إذا كانوا قد حصلوا على الاحترام الذي يستحقونه لخلفياتهم الثقافية والدينية المختلفة في بعض الأحيان ، وما إذا كانوا يمنحون الفرص نفسها للنمو والدراسة واللعب والعمل والاختلاط بنظرائهم الإيطاليين.
"هؤلاء الأطفال يقفون في مفترق طرق بين عالمين".. هذا ما كتبته فيلومينا ألبانو، الباحثة في AGIA. تضيف بأن هؤلاء الأطفال ما زالوا يواجهون العديد من التحديات، وأن المجتمع الإيطالي لم يتصالح بعد مع الواقع الجديد. وتريد دائرة AGIA أن يُنظر إلى هؤلاء الأطفال على أنهم مورد هام، لكن يجب فهمهم أيضًا من حيث التحديات التي قد يواجهونها. إذا ما تم فهم هؤلاء الأطفال على نحو أكثر شمولية، فمن الممكن أن يساهموا في مستقبل إيطاليا وأن يُضمن لهم المشاركة في ذلك بشكل أفضل. لهذا السبب، عرضت AGIA فيلم نور عند تقديم نتائج دراستها في روما كمثال على مجموعة متنوعة من الخبرات والثقافات التي تشكل إيطاليا اليوم.
مجتمع ينمو أكثر تنوعاً
في الواقع ، يبدو حاضر ومستقبل إيطاليا أكثر تنوعًا. هناك ما لا يقل عن 135 من العرقيات المختلفة من البلقانية، إلى النيجيرية ، إلى السنغال ، إلى الباكستانيين والهنود والصينيين الذين ينشؤون أطفالهم الآن في إيطاليا. إن وضعهم جميعًا في خانة "المهاجرين" هو تجاهل للسياق متعدد الطبقات الذي تعيش فيه إيطاليا الآن. أيضاً تختلف كل مدينة ومنطقة في إيطاليا، ففي جنوة على سبيل المثال ، فإن أكبر مجموعة مهاجرين هم أولئك القادمون من الإكوادور ، أي حوالي 25000 شخص في المجموع. في توسكانا ، فإن السكان "المهاجرون" صينيون في الأغلب. في صقلية ، تميل العائلات إلى أن تأتي من أفريقيا سواء من جنوب الصحراء الكبرى أو من البلدان المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط.
لا يتحدث الكثير من الأطفال عن تجربة "هجرة" والديهم مع أقرانهم فقد يُنظر إليهم على أنهم "الآخرون"، لكنهم يكبرون بتجارب وفرص مختلفة تمامًا عن تجارب والديهم. يشعر الكثير منهم مثل نور بأنهم إيطاليون تماماً أو أوروبيون تمامًا، حتى لو لم يتقبلهم المجتمع ككل على هذا النحو دائمًا.
كيف ينمو الأطفال؟
يختلف معدل إكمال الأطفال للتعليم الثانوي حسب تاريخ وصولهم إلى إيطاليا. نحو 30،4 في المائة، من الذين أكملوا تعليمهم الثانوي هم أطفال أجانب ولدوا على أرض إيطالية. أما من وصلوا إلى البلاد قبل بلوغهم السادسة من العمر ، مثل نور ، فقد انخفضت نسبتهم إلى 23.5 في المائة وإلى 19.9 في المائة بالنسبة لأولئك الذين وصلوا بعد أن بلغوا الحادية عشر من العمر.
يتحدث حوالي ربع الأطفال في إيطاليا مع آبائهم المهاجرين لغة أخرى في المنزل. ما يقرب من 24 في المائة ، يتحدثون الإيطالية فقط، فيما يتحدث حوالي 51 في المئة اللغتين في المنزل. يقول ثلاثة أرباع الأطفال الذين ولدوا في إيطاليا إنهم يفكرون باللغة الإيطالية. 62 في المائة من الأطفال الذين وصلوا إلى إيطاليا بين سن السادسة والعاشرة يقولون إنهم يفكرون بالإيطالية و 36 في المائة فقط من الذين وصلوا بعد سن الحادية عشرة قالوا إنهم يفكرون باللغة الإيطالية.
المزيد من التحديات للإناث
تناولت الدراسة كيفية معاملة أطفال الآباء المهاجرين في إيطاليا، وخاصةً التحديات التي تواجه الإناث في تلك الفئة من السكان، والتي تشكل أقل من نصف المجموع الكلي.
الدراسة أشارت إلى أن الإناث على وجه الخصوص قد يجدن صعوبة في موازنة التناقضات بين المعتقدات الثقافية داخل أسرهن وبين السياق الإيطالي.
وفقًا للتقرير، فإن الشابات غالباً ما يواجهن تحدياً ما بين صداقاتهن وعلاقاتهن خارج الأسرة وتوقعات أسرهن. غالبًا ما يكن أكثر فقراً من الناحية الاقتصادية من نظرائهم الإيطاليين، وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى مشاكل عند محاولتهن التأقلم مع "متابعة الموضة" أو مشاركة الأصدقاء في المواقف الاجتماعية. في كثير من الأحيان قد يؤدي ذلك إلى تهميشهن بحسب ما خلصت إليه نتائج دراسة AGIA. حتى أن محاولتهن تحقيق آمالهن وأحلامهن في استكمال التعليم قد تكون صعبة بالنسبة للعديد منهن.
وعلى الرغم من عدم وجود قيود فعلية على ما يمكن للفتيات دراسته في إيطاليا، إلا أن أسرهن أو مجتمعاتهن العرقية قد تفكر بطريقة أخرى ، ما يعد مصدرًا آخر للصراع وصعوبة الاندماج.
توصيات للمعلمين والسياسيين
جزء من مهمة AGIA هو تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل والتمسك بها والتأكد من تطبيقها في جميع المجالات. يتم تقديم قائمة بالتوصيات للمؤسسات والمربين الذين يتعاملون مع هؤلاء الأطفال وعائلاتهم بطرق مختلفة. طلبت AGIA تدريب الموظفين في المدارس بشكل صحيح على احترام الخصوصية الثقافية لهؤلاء الأطفال وتشجيع الاندماج من خلال مشاريع خاصة ومساحات مفتوحة.
كما تدعو توصية أخرى إلى الاهتمام بتعليم اللغة والثقافة الإيطاليتين حتى يشعر أطفال الوالدين المهاجرين بأنهم في منزلهم في الأرض التي ولد فيها الكثير منهم، ودعت توصية أخرى إلى مزيد من التركيز على المهارات التي يجلبها العديد من هؤلاء الأطفال معهم، مثل التعددية اللغوية، والوصول إلى العديد من الثقافات والاحتكاك بها.
كان التثقيف الجنسي مشكلة أخرى لبعض أطفال الآباء المهاجرين. وقد أوصت AGIA المعلمين بأن يعرفوا المزيد عن الممارسات والمعتقدات الثقافية الأخرى حتى يتمكنوا من فتح أبواب النقاش وجعل الشباب يتحدثون بحرية عن مختلف التحديات التي تنتظرهم.
على المستوى السياسي، فإنه يتعين على وزارة الداخلية برئاسة ماتيو سالفيني ووزارة الصحة أن تدرب موظفيها من أجل التعامل بشكل أفضل مع هذا "الجيل الجديد من المهاجرين" بحسب ما جاء في تقرير AGIA. كما أن المناطق والبلديات مطالبة أيضًا بتقديم المزيد من الدعم النفسي للجيل الجديد وأسرهم.
ودعا التقرير إلى توفير المزيد من المعلومات بلغات متعددة وتحسين سبل الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والصحية في جميع أنحاء البلاد. علاوة على ذلك ، دعت AIGA إلى تحسين سبل الوصول إلى المعلومات حول النظام التعليمي والفرص المتاحة في هذا الشأن.
تغيير ثقافة المضيف
وأشار مكتب الإحصاءات الوطني الإيطالي ISTAT إلى أن التطورات "تهدف إلى تغيير وجه إيطاليا في القرن الحادي والعشرين"، فالكثير من الأطفال الذين ولدوا في إيطاليا لأبوين مهاجرين يختارون الحصول على الجنسية الإيطالية عند بلوغهم الثامنة عشرة من العمر. سيصبح المزيد من أطفال المهاجرين أعضاءً مساهمين في إيطاليا الجديدة في المستقبل. ومثل نور ، سوف يتنقلون ما بين هوياتهم المتنوعة ويساعدون الأمة ككل، وهو ما سينعكس على خططهم وأفكارهم حول طبيعة الأشخاص الذين يريدون أن يصبحوا في المستقبل.
ايما واليس (ع.ح) - مهاجر نيوز