في مصر - معتقلون رغم إطلاق سراحهم!
١ مايو ٢٠١٩قبل فجر يوم 11 أيار/ مايو من العام الماضي، تغيرت حياة أمل فتحي وزوجها محمد لطفي إلى الأبد. بينما كانت أمل تقوم بتحضير صغيرها للنوم، قرع جرس الباب فهمّ زوجها محمد لطفي للإجابة. وعلى الجانب الآخر، وقف ضابط أمن بملابس مدنية إلى جانب مجموعة من القوات الخاصة المقنعة والمدججة بالسلاح. سمح لهم لطفي بالدخول ودعاهم للجلوس.
وتذكر لطفي ما حدث حينها وقال: "قام مسؤول الأمن بملابس مدنية بسحب كرسي من طاولة الطعام. وقال لي:" يجب أن تعرف سبب وجودنا هنا".
بينما كان لطفي يعمل على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان مع منظمته "اللجنة المصرية للحقوق والحريات" كان الخطر يحيط بأمل، على الرغم من أنها لم تفعل شيئاً أكثر من تحميل مقطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تدين عبره التحرش الجنسي الذي تعرضت له خلال زيارتها إلى مصرف. كان شريط الفيديو قد انتشر بشكل جنوني على شبكات التواصل الاجتماعي، وبدأت بعد ذلك الشائعات والاتهامات المسيئة حول الممثلة والناشطة أمل فتحي بالتداول في وسائل الإعلام المحلية الموالية للحكومة.
ومع ذلك، قال لطفي "لم أتوقع أن يتم القبض عليها". عندما طلب الضباط أن يأتي الزوجان إلى مركز الشرطة المحلي، وجدوا عشرات آخرين من القوات الخاصة المقنعة والمسلحة بانتظارهم خارج المبنى في مشهد بدا وكأنهم يتأهبون للقبض على مجرمين خطرين.
"لا نعرف أي جماعة إرهابية"
اعتقلت أمل على ذمة التحقيق، حيث وُجهت إليها تهمتان: الأولى بنشر أخبار كاذبة، وتقويض الأمن القومي ونشر "فيديو غير لائق بألفاظ مسيئة"، والثانية، رفعتها النيابة العامة للأمن القومي في مصر، عن الانتماء لجماعة إرهابية.
وقال لطفي: "لا نعرف أي جماعة إرهابية أو مجموعة يقصدون ولا نعرف ما هي الأدلة ضدها - ليس لدينا حق الاطلاع على ملف القضية. لا نعرف حتى إذا كان الأمر يتعلق بالفيديو أو بشيء آخر".
اعتقال أمل عبارة عن عقوبة لها ولعائلتها على حد سواء، وروى لطفي: "لمدة 3 أشهر تقريباً، لم أكن على سجيتي"، وتابع: "لم أستطع البقاء جالساً لمدة ساعة متواصلة. كنت شديد القلق والعصبية. وكنت أحاول دائماً صرف انتباهي عن التفكير باحتجاز زوجتي وعجزي عن تحريرها. كما كان لذلك الأثر البالغ على علاقتي مع ابننا، لأنني لم أستطع الجلوس معه لأكثر من ساعة". وأضاف أنه عندما سأل ابنهما، الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره، عن مكان والدته، أخبره لطفي أن أمل في المستشفى. وخلال زيارة إلى السجن، أقنعت أمل الطفل بأنها كانت تتلقى علاجاً طبياً للتعب وسوف تعود إليه في وقت قريب.
وقد احتُجزت المرأة البالغة من العمر (34) عاماً قبل المحاكمة حتى 30 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، حين أطلق سراحها تحت المراقبة. كما أنها قد تلقت تأكيداً على الحكم الأول بعد ثلاثة أيام فقط من إطلاق سراحها. لا تزال كلتا القضيتين تلوحان في أفق حياة العائلة اليومية، وسط مخاوف من إعادة اعتقال أمل في أي وقت. وعلى الرغم من أنها الآن خارج السجن، غير أن الغموض الذي يحيط بوضعها يعني أنها لا تزال قيد الإقامة الجبرية. ومن المؤسف أن قضية أمل ليست فريدة من نوعها، إذ أنها واحدة من عدد كبير من السجناء البارزين الذين تم إطلاق سراحهم في ظل ما أطلقت عليه جماعات حقوق الإنسان "سجن مفتوح".
إطلاق سراح وهمي
حوالي 60 ألف شخص يقبعون خلف القضبان حالياً في مصر بتهم سياسية أو متعلقة بالسياسة، وفقاً لـ "هيومن رايتس ووتش"، على الرغم من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والسلطات المصرية تنفي بشكل مستمر وجود سجناء سياسيين في البلاد. حتى أن الإفراج عن المعتقلين لا يعني دائماً الحرية، خاصة بالنسبة لأولئك الذين سجنوا في قضايا متعلقة بحرية الرأي. هذا العام، أطلق سراح كل من المصور الحائز على جوائز عالمية شوكان، والناشط المشهور علاء عبد الفتاح بعد خمس سنوات من السجن، ولكن يتوجب عليهما قضاء كل ليلة في مركز للشرطة لخمس سنوات قادمة.
دفعت هذه المعاملة منظمة العفو الدولية بتسمية مصر "سجن مفتوح للنقاد"، نتيجة للحملة التي تشنها على المعارضة التي قد تكون سلمية غالباً، مثل أمل. "خلال عام 2018، اعتقلت السلطات المصرية ما لا يقل عن 113 شخصاً لأسباب سخيفة، بما في ذلك الهجاء، والتغريد على موقع تويتر، ودعم أندية كرة قدم، وإدانة التحرش الجنسي، وتحرير أفلام، وتقديم أو إجراء مقابلات. وفي بعض الحالات، لم يقم المعتقلون بأي شيء على الإطلاق. وقالت جماعة حقوق الإنسان: "لقد اتهمتهم السلطات" بالانتماء إلى الجماعات الإرهابية "و" بث أخبار كاذبة".
ثمن الحرية
الحياة خارج أسوار سجن القناطر لها شكل خاص من أشكال العقاب على الأسرة. في البداية كانت شروط الإفراج عن أمل تتطلب منها أن تبقى رهن الإقامة الجبرية ومراجعة مركز للشرطة بالقرب من منزل العائلة السابق مساء كل يوم سبت. ثم قامت مديرية شرطة الجيزة بتغيير طلبها واستبدلته بزيارات لمدة 4 ساعات إلى مركز الشرطة أسبوعياً. وأوضح لطفي: "إلا أن مديرية الشرطة لم ترسل أبداً إشعاراً بالتحديث إلى مركز الشرطة بالقرار الجديد".
وقال لطفي إن وضع أمل حالياً يثير قلق العائلة كثيراً إذ أنها قد تزج في السجن مجدداً في أي وقت الأمر الذي يسبب لها حالة نفسية قاسية، حيث تصاب بنوبات الهلع باستمرار.
كما يؤثر هذا الوضع علينا كعائلة كثيراً. إذ أننا مقيدون لا يمكننا الخروج حينما نشاء، لأنها تخشى من توقيفها عند نقطة تفتيش واعتقالها من جديد. أتصل بها طوال الوقت، خوفاً من أن تأتي الشرطة لتتأكد ما إذا كانت ما تزال قيد الإقامة الجبرية أم لا. وقال لطفي: "عندما تذهب إلى مركز الشرطة، نشعر بالقلق من احتجازها مرة أخرى لقضاء العقوبة"، وقد تقدم إلى جانب محامي أمل باستئناف ضد التهمة الأولى، إضافة إلى طلب العفو الرئاسي، لكن حتى في حال قبول الطعن، فمن المرجح أن تواجه أمل محاكمة، وتخاطر بقضاء مزيد من الوقت في السجن.
وقال لطفي "لا يمكنها أن تخطط لحياتها". "لا تزال متهمة، ما يعني أنها قد تزج في السجن من جديد." يؤثر تهديد اعتقال زوجته المتكرر أيضاً على قدرة لطفي الخاصة على التركيز على عمله في مجال حقوق الإنسان، والذي ينطوي على تتبع حالات الاختفاء القسري وغيرها من الانتهاكات التي ارتكبتها الدولة المصرية.
وقال "كنت أعمل في مجال حقوق الإنسان لمدة 15 عاماً قبل اعتقالها". وأضاف: "كنت أسمع دائماً قصصاً كثيرة معقدة ومحزنة وأكتب التقارير، وأوثق التعذيب. غير أنني لم أفكر أبداً بآلام أفراد الأسرة، لقد فكرت أكثر في ألم الضحية لوحدها. و لكنني عندما مررت بهذه التجربة الصعبة، أدركت تلك الآلام".
روث ميشائيلسون / ريم ضوا