في ذكرى الثورة التونسية.. مقاومة الاستبداد بأمعاء خاوية
١٤ يناير ٢٠٢٢تحيط بجدران مقر إضراب الجوع المفتوح شعارات ولافتات معارضة لسلطة الرئيس قيس سعيد وقرارات 25 يوليو. 2021 ومع تتالي الأيام تحول الاضراب الى صالون سياسي، لكن المضربين مستمرون بالإضراب في الطابق السفلي للمقر الواقع بمنطقة المنزه القريب من وسط العاصمة،. هناك وعلى مدى حوالي ثلاثة أسابيع من خوضمعركة الأمعاء الخاوية
كما يسمونها يرقدون منهوكي القوى فوق أفرشة أرضية. ولكن بتاريخ يوم 13 يناير الجاري 2022 وبعد زيارتنا للمقر اضطر الجميع الى تعليق مؤقت للإضراب بعد أن حقق في نظرهم عدة أهداف.
عز الدين الحزقي مناضل مخضرم
قبل زيارتنا كان عز الدين الحزقي الذي تجاوز عقد السبعين من عمره، وهو كبير المضربين قد قرر بالفعل التوقف عن اضراب الجوع بعد أسبوعين، عملا بنصيحة الأطباء اثر تدهور صحته ونقله الى المستشفى. وقد تكفل بعد ذلك بالسهر على رعاية الآخرين علاوة على كونه متحدثا باسم الإضراب.
يعترض المضربون ومن بينهم سياسيون من حزب حركة النهضة الاسلامية وائتلاف الكرامة أساسا على قرارات الرئيس سعيد المنتخب في 2019 بأغلبية واسعة فاقت 70 بالمئة من أصوات الناخبين، ومن هذه القرارات إعلانه تجميد البرلمان وتعليق العمل بمعظم مواد بالدستور واستحواذه على السلطة التنفيذية وسلطة التشريع عبر المراسيم ومن ثم طرحه لخارطة طريق تفتقد إلى إجماع من حولها، تمهيدا للانتقال الى نظام حكم جديد ما يزال يلفه الغموض في كثير من نقاطه.
في حديثه مع DW عربية يعتبر عز الدين الحزقي أن هذه المرحلة "تعد الأخطر في تاريخ تونس لأنها تتجه لتفكيك الدولة وتفكيك المجتمع والتفريق بين التونسيين"، وهو ما لم يحصل في تقديره في حقبتي بورقيبة وبن علي رغم الطابع الاستبدادي لحكميهما. ويتابع الحزقي في شرحه بالقول: "بحكم الديمقراطية علينا ان نقبل بنتائج الاقتراع. ملزمون بقبول الرئيس قيس سعيد كرئيس الجمهورية وهناك برلمان منتخب ملزمون بقبوله. لكن سعيد اعتدى على الآليات التي جاءت به الى السلطة وبذلك فقد شرعيته".
وفي كل الأحوال ينظر المناضل المخضرم في المرحلة الحالية كفصل جديد من نضالاته التي انطلقت منذ ستينيات القرن الماضي من أجل الديمقراطية والتعددية.
وبالعودة الى دفاتر الماضي سجن الحزقي عام 1973 حينما كان عضوا بجمعية "آفاق" اليسارية التي تأسست في ستينيات القرن الماضي، كحركة معارضة لنظام الرئيس الحبيب بورقية آنذاك، وأفرج عنه النظام عام 1979، ليهتم بعد ذلك بالنشر ودراسات حقوق الإنسان كما أسس مقهى في ثمانينيات القرن الماضي أصبح بمثابة صالون للطلبة والمضطهدين والنقابيين والحقوقيين.
وما يزال الحزقي يذكر بفخر ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 1989 ضد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي الذي استلم الحكم في انقلاب أبيض ضد بورقيبة مخالفا في ذلك الوقت ما يشبه الاجماع الوطني من حوله. وقد واكب الانتفاضة الشعبية ضد حكم بن علي عام 2010 وأسس مع مناضلين ونشطاء "ميثاق 20 مارس،" بعد سقوط حكمه في 14 يناير 2011، ومن ثم صاغوا مشروع دستور جديد لتونس ما بعد الثورة عقب نقاشات واجتماعات في أنحاء البلاد ومهد ذلك لتأسيس جمعية "شبكة دستورنا". حسب قوله.
ويضيف الحزقي في ارتياح "نعتقد أننا نجحنا في جهودنا لأن الدستور الذي صغناه وجدنا نسبة 70 بالمئة منه في دستور 2014 الذي صاغه المجلس التأسيسي. لقد عشنا عقد كامل في صراع من أجل تونس أفضل الى أن جاء الانقلاب ونحن اليوم ضده."
أخطاء لا تبرر "الانقلاب"
بينما يصر الرئيس قيس سعيد أستاذ القانون الدستوري المتقاعد، بأنه تحرك داخل اطار الدستور بسبب "خطر داهم" يهدد الدولة وتفشي الفساد والفوضى، فإن الحزقي ورفاقه في الاضراب يعتبرون المسألة الأكثر خطورة هو خرق الدستور وإلغائه بجرة قلم ما يمثل انتكاسة للانتقال الديمقراطي.
يعترف العجمي الوريمي القيادي في حركة النهضة الاسلامية الخصم الأبرز للرئيس،
، بأخطاء الطبقة الحاكمة في العقد الأخير شأنه في ذلك شأن القيادي في ائتلاف الكرامة المحافظ يسري الدالي، لكنهما لا يعتبران ذلك مبررا لاحتكار جميع السلطات وإلغاء المؤسسات الدستورية. ويوضح الوريمي المضرب عن الطعام من على فراشه لـDW عربية في الطابق السفلي لمقر الاضراب "نحن في وضعية مقاومة سلمية ومدنية راقية لتوعية الناس وفضح الانقلاب والتشهير بخرق الدستور. نعتبر قيس سعيد خارج الشرعية لأنه اختار نهج التسلط وفكر في الانقلاب منذ البداية".
ويعترف الوريمي قائلا: "نحن سهلنا المسؤولية لتوفير المناخات لسعيد لتنفيذ الانقلاب. ذكرنا في السابق أننا مستعدون للقيام بمراجعات مع باقي القوى السياسية ونحن بصدد الاعداد لمؤتمرنا الذي سيكون مؤتمر المراجعات وإعادة التموقع. ليست لدينا عقدة في الاعتراف بالأخطاء".
وخسر الوريمي ثماني كيلوغرامات من وزنه ولكنه لا يبدو على استعداد للتخلي عن فكرة العودة إلى الاضراب حتى يحقق أهدافه، في حين يتطلع القيادي في ائتلاف الكرامة يسري الدالي على الفراش المقابل أن يفضي الاضراب إلى تغيير الواقع السياسي، مضيفا لـDW عربية "أعتقد أن قيس سعيد لن يبقى في المشهد حتى موعد الانتخابات التي حددها يوم 17 ديسمبر المقبل".
على الجهة المقابلة يبدو الرئيس قيس سعيد متأهبا دائما للرد على أطروحات المعارضة ولا سيما "مواطنون ضد الانقلاب" الائتلاف المدني الذي يقود اضراب الجوع وحركة النهضة الإسلامية". وجاء رده في حديثه مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن إذ قال: "لهم حرية الاعتصام، إنّما التاريخ كشفهم وأزال أقنعتهم، ولا سيما بعدما رأيتُ صوراً لعدد من النواب الذين كانوا أمس يتصارعون ويتبادلون الشتائم في البرلمان، وقد أصبحوا اليوم في صف واحد"، مضيفا هؤلاء "تقودهم المصالح لا المبادئ"، مؤكدا أنهم لن يكون ضمن خططه للحوار.
حدد الاضراب ست نقاط للاشتغال عليها والتعريف بها للرأي العام والصحافة من بينها ملف الرئيس السابق المنصف المرزوقي الذي اتهمه الرئيس سعيد بضرب مصالح تونس في الخارج، وملفات القضاء والاعلام واستخدام القضاء العسكري بدل المحاكم المدنية.
وبدل خارطة الطريق التي وضعها الرئيس سعيد يقترح المضربون بمعية باقي الأحزاب المعارضة حكومة انقاذ وإصلاح البرلمان وتغيير القانون الانتخابي وانتخابات رئاسية جديدة. ويقول الحزقي "الاضراب هو مناسبة للفرز وكشف من يدعوا دفاعهم على الديمقراطية وحقوق الانسان. سقطت الأقنعة وهذا مكسب".
ومع أن نهاية الاضراب وأفق الحراك السياسي في تونس لا يبدو واضحا فإن الحزقي يرى أملا في وضع أفضل لتونس خلال المرحلة المقبلة. ويضيف لـDW عربية "أرى مستقبلا أفضل لتونس. ربما في مرحلة لن أكون متواجدا فيها، ولكني أراه بكل يقين".
تونس – طارق القيزاني