في ختام مؤتمر ميونيخ.. حين يشكل المناخ تهديدا للأمن العالمي!
٢١ فبراير ٢٠٢٢صورة متشائمة في مؤتمر ميونيخ للأمن، تلك التي رسمها يوهان روكشتروم أحد مدراء معهد دراسة البيئة الألماني (PIK) في بوتسدام. أزمة المناخ تشكل منذ مدة طويلة "حالة طوارئ للكوكب"، يقول روكشتروم.
والتغيرات الناتجة عن الاحترار ظهرت بوضوح أسرع مما كان يتوقع الباحثون. موجات من الحر الشديد، جفاف، فيضانات وسيول لا تؤثر فقط على مناطق معينة والناس الذين يعيشون فيها فقط، بل يظهر تأثيرها أيضا على الأمن الدولي.
"30 مليون نازح بسبب المناخ عام 2020"
ارتفاع درجة الحرارة إلى حد درجتين مئويتين، منذ بداية الثورة الصناعية عام 1850 هو ارتفاع ممكن السيطرة عليه، بحسب دراسات علمية. وبسبب النشاط البشري وصل الاختلاف في درجات الحرارة إلى 1,2 درجة مئوية، رغم كل المحاولات للحفاظ على البيئة وحماية المناخ. هذا الارتفاع ونتائجه أدت على حد قول الباحث روكشتروم إلى "هجرة 30 مليون إنسان من أوطانهم عام 2020 بسبب التغيرات المناخية القاسية ، كما أن 6 من بين 10 عمليات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة تعمل في دول تعاني من نتائج التغيرات المناخية". أي أن الهجرة واللجوء تعود أسباب كثير منها إلى تغيرات المناخ في الأصل.
المناخ و"الربيع العربي"
روكشتروم يضرب أمثلة أخرى، توضح كيف أن تغيرات المناخ كان لها آثار سياسية. واحد من الأمثلة، يشير إلى أن تغيرات المناخ أججت النار أكثر في عام 2010 فيما يعرف "بالربيع العربي"، إذ أن من مسببات ثورة الناس انقطاع تصدير القمح الروسي إلى دول عربية، بسبب الحرائق التي طالت الغابات هناك، كما تسببت الحرائق في استراليا ذلك العام في توقف صادرات المواد الغذائية إلى دول عربية. هذه الأسباب دفعت إلى تصاعد الاضطرابات السياسية في تلك البلدان. ويضيف "نفس السبب يظهر الآن في أثيوبيا، حيث أن الاضطرابات نتيجة اربع موجات متتالية من الجفاف ضربت البلاد".
غوتيريش: "نخسر السباق"
قادة آخرون يرون أن مشهد البيئة والمناخ قاتم. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يقول في المؤتمر : "نحن نخسر السباق حاليا ضد التغيرات المناخية". جون كيري مفوض الحكومة الأمريكية لشؤون المناخ ووزير الخارجية الأسبق يضيف: "حتى وإن صرنا محايدون كربونيا عام 2050، فإن علينا العيش مع المتبقي من ارتفاع ثاني أوكسيد الكربون في الجو". يذكر أن كثيرا من دول الغرب ودول الاتحاد الأوروبي رفعت شعار "محايدة الكربون" في عام 2050. كيري قال في آخر مؤتمر للمناخ في غلاسكو عقد شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي إن كثيرا من الدول قررت الالتزام بالحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة وقدره 1,5 مئوية، وهذه الدول تغطي ما نسبته 65 بالمئة من ناتج الإنتاج العالمي، لكن روسيا ليست من ضمنها. كثير من الدول تبحث عن مصادر بديلة للطاقة، وبعكش ذلك فإن جوع الصين والهند للنفط والغاز لا يتوقف.
روسيا و"نورد ستريم 2"
روسيا مثال واضح لارتباط الأمن بالطاقة وحماية المناخ، خصوصا تجاه ألمانيا. أكثر من نصف الغاز الذي تحتاجه ألمانيا تشتريه من شركات روسية مثل غاز بروم. وفي حال تشغيل خط نقل الغاز السيل الشمالي 2 "نورد ستريم 2" فإن هذه النسبة سترتفع أكثر. لكن هذا التشغيل يتوقف على تطور الأزمة الأوكرانية. فالخط قد اكتمل بناؤه وفي انتظار التصاريح من قبل الجهات المختصة الألمانية.
في ميونيخ قالت وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا بيربوك، في حال قرر الرئيس الروسي بوتين غزو أوكرانيا ، فإن هناك خطوات مضادة من الجانب الألماني ومن بينها موضوع نورد ستريم 2 . المستشار شولتس أشار بشكل غير مباشر في ميونيخ إلى أنه رغم أن مشروع نورد ستريم 2 هو المشروع المفضل لحزبه (SPD) على مدى أعوام، إلا أن مراقبين كثيرين يرون أن الحكومة الألمانية ستقرر وقف العمل به ولو بشكل مؤقت في حال قررت روسيا غزو أوكرانيا.
التأثير على سياسة المناخ في ألمانيا
سيكون لهذا تأثير كبير على سياسة الحكومة الألمانية بشأن المناخ. فالحكومة المكونة من الاشتراكيين الديمقراطيين والليبراليين والخضر، راهنت على الإسراع في إيجاد مصادر بديلة للطاقة ووقف العمل سريعا في مصادر الطاقة الأحفورية حتى عام 2030. والحكومة السابقة كانت قد قررت أن يكون الموعد في عام 2038، ومع نهاية هذا العام سيتوقف العمل في المفاعلات النووية، والغاز الروسي مهم جدا كبديل لتغطية النقص في مصادر الطاقة حتى بلوغ مرحلة الاعتماد على مصادر طاقة غير أحفورية. وفي حال توقف امدادات الغاز من روسيا بسبب أوكرانيا فإنه لن يبقى سوى التعجيل بالاعتماد على طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحسب سكرتيرة الدولة في وزارة الاقتصاد فرانتسيسكا برانتر، إذ قالت في ميونيخ : "إن شئنا الحفاظ على أمننا تجاه قضية الطاقة، فإن علينا الإسراع في الاعتماد على مصادر الطاقة البديلة".
شولتس: "الحرب المحتملة"
رغم وضوح الحديث حول العلاقة الوثيقة بين الأمن والطاقة وحماية المناخ في مؤتمر ميونيخ، أشار المستشار أولاف شولتس إلى أن "خطر الحرب المحتملة في أوروبا لم يتم تجنبه إلى حد الآن". والصراع بين أوكرانيا وروسيا يطغى على المواضيع الأخرى مثل أمن الطاقة وجائحة كورونا.
ينس توراو/ ع.خ