"في حضرة الغياب ـ معالجة ميلودرامية رخيصة تسئ لمحمود درويش"
٦ أغسطس ٢٠١١في "حضرة الغياب" مسلسل للمخرج السوري نجدت أنزور يتناول السيرة الذاتية للشاعر الفلسطيني محمود درويش. هذا العمل، الذي تبثه مجموعة من القنوات التلفزيونية منها تلفزيون فلسطين، تعرض لانتقادات لاذعة حتى قبل أن يبدأ بثه، واعتبره مثقفون وفنانون فلسطينيون مسلسلا ذا أهداف تجارية، ويسيء إلى "شاعر الأرض". كما اعتبرت مؤسسة محمود درويش أن المسلسل "يعتبر إساءة للشاعر وصورته وحضوره في الوعي الثقافي العربي والإنساني"، لافتة إلى أنها أبلغت القائمين على إنتاج المسلسل هذا الموقف. ونال الممثل السوري فراس إبراهيم، الذي يتقمص دور محمود درويش، نصيب الأسد من الانتقادات التي وجهت للمسلسل. وللتطرق أكثر إلى هذا الموضوع حاورت دويتشه فيله الكاتب الفلسطيني حسن خضر، رفيق درب محمود درويش.
دويشه فيله: ما هو تقييمك لمسلسل "في حضرة الغياب"؟
حسن خضر: أعتقد أن هذا المسلسل يسيء إلى صورة و ميراث الشاعر الكبير محمود درويش. وهو يسيء إليه أولاً على مستوى الأداء؛ أي أن أداء الممثل الذي قام بدور محمود درويش لا ينسجم من قريب أو بعيد مع شخصية هذا الأخير، بل بالعكس من ذلك فكثير من حركات الجسد وسلوكات الممثل تتناقض مع الحركات والتصرفات الطبيعية للراحل محمود درويش مما أعتبره إساءة، هذا على المستوى الأول.
أما على المستوى الثاني فالسيناريو رديء ولا ينسجم مع الحياة الشخصية والعامة لهذا الشاعر كما يعرفها أشخاص كثيرون كان لهم الحظ في أنهم اقتربوا من عالمه، وهذا فيه أيضا إساءة. ثم الموضوع الرئيس في حياة محمود درويش كان هو فلسطين والسؤال الكبير كان: كيف يمكن للفلسطيني أن يكون شاعرا وكيف يمكن للشاعر أن يكون فلسطينيا. ينما المسلسل يقوم على مجموعة من الوقائع الرومانسية كما لو كان فيلما عربيا يعود لفترة الخمسينيات أو الستينيات حيث البطل يغني أو يلقي شعرا والبطلة تبكي وتنظر إليه من بعيد. و أعتقد أن هذه المعالجة الميلودرامية هي معالجة رخيصة.
هناك من وجه انتقادات للمسلسل من قبيل أنه مسلسل ذو طالع تجاري، فهل تراه كذلك؟
بالتأكيد المسلسل يكتسي طابعا تجاريا وكان على المسلسل أن يستجيب لرغبات المراهقين ولرغبات جمهور يحي التسلية بينما حياة و تراث الشاعر محمود درويش لا يحتمل التسلية. ولكي يحقق المسلسل أهدافه التجارية وينتشر على نطاق أوسع جاء خاليا من كل مضمون حقيقي.
لكن ماذا عن حرية الفن الإبداع، أليس من حق المؤلف والمخرج تناول حياة شخصية عامة مثل محمود درويش من الزاوية التي يراها هو؟
هذا حق مكفول طبعا ولا يحق لأحد أن يتدخل أو يصادر حق أي شخص آخر في أن يتناول حياة شخصية عامة مثل محمود درويش أو غيره، ولكن يحق للآخرين أيضا أن يعبروا عن موقفهم بمعني أن يحكموا على عمل ما بأنه جيد أو رديء و أنا أقول إنه عمل رديء جدا.
لكن هناك بيانا وقعة حوالي 2000 مثقف و ناشط و أكاديمي فلسطيني يطالبون بوقف بث هذا المسلسل!
أنا لا أتحدث عن وقف المسلسل بل أعبر عن موقفي الشخصي وأقول إن من حق أي شخص تناول حياة أي شخصية عامة بالطريقة التي يراها هو طالما أن ذلك لا يشكل تجريحا أو انتهاكات لخصوصيات شخصية تمس هذه الشخصية العامة. ومن حق الآخرين أيضا الحكم على جودة هذا العمل وهذا ما قمت به.
كيف تفسر مشاركة الموسيقار مارسيل خليفة في هذا العمل؟
أنا أشعر بألا سف الشديد لأنه شارك في هذا العمل وأرجو أن يراجع نفسه بعد أن أصبح هذا المسلسل مثيرا للجدل و السجال.
لماذا إذن قام تلفزيون فلسطين ببث المسلسل؟
بصراحة أنا لا أعرف وليست لدي معلومات أو تفاصيل حول أسباب ذلك، لكني أتحدث أولا كمثقف فلسطيني وثانيا كصديق لمحمود درويش يحرص على ميراثه دون أن يصادر حق أي شخص في أن يتعرض لهذا الميراث بالسلب أو بالإيجاب وليست المشكلة هنا، بل المشكلة في رداءة هذا العمل. لا أعرف لماذا قرر تلفزيون فلسطين بث هذا المسلسل، و لا أعلم ما إذا كانت هناك لجنة خاصة في تلفزيون فلسطين تراجع البرامج والمسلسلات التي تعرض للمشاهدين، وإن كانت موجودة فلا أعلم تقييم هذه اللجنة. وعلى كل حال أقول إن قرار تلفزيون بث هذا المسلسل هو اختيار سيء.
ألا ترى عموما أنه من المبكر التطرق لحياة محمود درويش من خلال عمل فني؟
هذا يضاف إلى جملة الأسباب التي نبرر الحكم على المسلسل بأنه رديء و دون المستوى لأن إنتاج مسلسل – و هو حق مشروع - عن حياة أو أعمال محمود درويش يحتاج إلى كثير من البحث والجهد ولكن بالمقابل نجد في هذا المسلسل الكثير من الاستخفاف والمعلومات المغلوطة للأسف، بمعنى أنه لم تكن هناك عملية بحث كافية ولا أعرف إن كان الممثل قد قرأ عن محمود درويش أو يعرف بالفعل من هو محمود درويش. لقد سبق لي و أن شاهدته يلقي أشعارا لمحمود درويش وهو يرتكب أخطاء نحوية وهذا أمر مؤسف. لست أدري إن سبق له وشاهد أفلاما عن الشاعر الراحل على الأقل ليرى كيف كانت تصرفاته ولغة جسده. كما لا أعلم إن كان كاتب السيناريو يعلم بالفعل من هو محمود درويش.
أجرت الحوار: سهام أشطو
مراجعة: عبده جميل المخلافي