في حال فوزه..هل يتخلى ترامب عن أوكرانيا والناتو؟
١٩ يوليو ٢٠٢٤في أول ظهور علني له منذ محاولة اغتياله، اُستقبل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بتصفيق حار خلال المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري الذي قرر تسميته مرشحا له لخوض الغمار الانتخابي أمام الرئيس الحالي جو بايدن.
وأدان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولتس وباقي زعماء الاتحاد الأوروبي محاولة الاغتيال، فيما شددت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين في تغريدة على منصة "إكس" على أن "العنف السياسي ليس له مكان في الديمقراطية".
وتشير استطلاعات الرأي إلى تفوق ترامب على بايدن في العديد من الولايات المتأرجحة، لكن نجاته بصعوبة من الموت من المرجح أن تعزز حظوظه في الفوز بالسباق الانتخابي في نوفمبر / تشرين الثاني المقبل. وإزاء ذلك، تقلق عودة ترامب إلى البيت الأبيض، العديد من الديمقراطيات الأوروبية.
ويعزو خبراء حالة القلق إلى فرضية أن ترامب الرئيس سوف يسعى إلى إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا بما يحمل في طياته الضغط على كييف للتنازل عن بعض أراضيها لروسيا في خطوة قد تشجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تهديد دول البلطيق.
ويرى رافائيل لوس، زميل السياسة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض سوف تنذر "بأزمة في القيادة"؛ إذ تلعب واشنطن دورا رئيسيا في قيادة التحالفات الغربية.
وأضاف لوس "إذا قرر ترامب التوصل إلى أي ترتيب مع بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا والتخلي عن أوكرانيا، فإن ذلك سوف يضاعف من وتيرة التهديدات التي تواجهها بقية بلدان أوروبا".
ترامب.."الرئيس" والناتو!
يشكل احتمال ان يقدم ترامب في حالة عودته مجددا إلى البيت الأبيض، على الانسحاب من حلف شمال الأطلسي (الناتو) مصدر قلق كبير لدول الحلف. وكان جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق في رئاسة ترامب، قد قال إنه مقتنع بأن الأخير سوف ينسحب من الناتو.
وفي حالة فوزه، قد يسعى ترامب إلى التقارب مع معسكر اليمين المتطرف أو من السياسيين الذين يتقاسمون معه الأفكار في أوروبا، ما سيعزز من مكاسب هذه الكيانات السياسية على حساب القوى الوسطية أو الأكثر ليبرالية التي تميل إليها الإدارة الأمريكية الحالية.
وفي ذلك، قال لوس إن الولايات المتحدة "تساهم بقدر كبير في القدرات العسكرية لحلف الناتو وبعض هذه القدرات تعد ركيزة مهمة في الدفاع عن أوروبا ولا يمكن للأخيرة تعويض المساهمة الأمريكية داخل الحلف".
ترامب والبحث عن أرضية مشتركة
يشار إلى أن الكثير من السياسيين الأوروبيين يسعون في الوقت الحالي إلى الخروج بطريقة للتعامل مع ترامب في حالة عودته إلى السلطة حتى إذا لم يتحدثون عن ذلك علنا.
وفي مقابلة مع DW، قال بيير هاروش، الزميل المشارك بمعهد جاك ديلور، إن "الحقيقة تشير إلى عدم طرح أي شيء حتى الآن على الطاولة فيما يرجع ذلك جزئيا إلى عدم رغبة قادة أوروبا في بعث رسالتين؛ الأولى تفيد بتوقع عودة ترامب إلى الحكم والثانية عن الاستباق بشأن تخليه عن أوروبا في حالة فوزه."
بيد أن خبراء يقولون إن بعض مسؤولي الأحزاب في أوروبا شرعوا في إيجاد طريقة للتواصل مع أشخاص قريبين من ترامب في ضوء تقدمه في استطلاعات الرأي الأخيرة.
وفي هذا الصدد، التقى العديد من الشخصيات السياسية من دول الناتو مع شخصيات جمهورية قريبة من معسكر ترامب خلال قمة الحلف الأخيرة في واشنطن، فيما حضر عدد من السياسيين الأوروبيين المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري من بينهم ينس شبان، النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب المسيحي الديمقراطي المعارض (يمين وسط).
وفي مقابلة مع DW، قال شبان "يجب ألا نرتكب نفس الخطأ مرتين فعندما كان ترامب رئيسا، لم يكن لدينا شبكة تواصل مع فريقه"، مضيفا أنه رغم عدم إعجابه بأسلوب ترامب، إلا أنه يرى تشاركا في بعض الأفكار منها تعزيز المساهمات الأوروبية داخل الناتو.
"انقسام" في أوروبا!
ويقول خبراء إن تعاطي ترامب "البادر" مع القضايا المتعلقة بأوروبا خلال رئاسته، عمد إلى تشجيع قادتها على إدارة المزيد من المسائل الدفاعية بشكل مستقل رغم أنه جرى وضع القدرات الأمريكية والدعم الثابت في الاعتبار في مرحلة التخطيط.
وخلال رئاسة ترامب، أنشأ رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك جان كلود يونكر صندوق الدفاع الأوروبي عام 2017 في خطوة ترمي إلى تعزيز الاستقلالية الأوروبية في مجال الأمن.
وقال هاروش إن أسوأ تداعيات إعادة انتخاب ترامب قد تكون حدوث الانقسام في أوروبا، مضيفا "يكمن الخطر الحقيقي في أن الجميع يبحث عن تحقيق مصالحه الخاصة فضلا عن الفشل في الخروج بموقف متماسك والتصرف بطريقة متماسكة" ضد التهديدات المشتركة مثل روسيا.
جيمس ديفيد فانس.. رسالة إلى أوروبا
ويبدو أن ترامب ليس وحده ما يقلق أوروبا وإنما أيضا السيناتور الجمهوري جيمس ديفيد فانس الذي اختاره لتولي منصب نائب الرئيس في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر / تشرين الثاني المقبل.
وقد نُقل عن فانس قوله عام 2022 "لا يهمني حقا ما يحدث في أوكرانيا بطريقة أو بأخرى". وخلال حضوره مؤتمر ميونيخ الأمني في وقت سابق من العام الجاري، قال فانس إن التركيز الأمني للولايات المتحدة سيتحول إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، داعيا أوروبا إلى إدارة شؤونها بنفسها.
وقال "هناك الكثير من الأشرار في جميع أنحاء العالم. وأنا في الوقت الحالي مهتم ببعض المشاكل في شرق آسيا أكثر من اهتمامي بأوروبا".
وفي تعليقها، قالت ريكاردا لانغ، الرئيسة المشاركة لحزب الخضر، إن فانس لم يترك مجالا للشك في أن ترامب "سيسلم أوكرانيا لبوتين". وعقب إعلانه نائبا لترامب، كتبت السياسية الألمانية في تغريدة على منصة إكس "هذا الاختيار يبعث برسالة قلق إلى أوروبا."
وفي مقابلة مع DW، أرجع ديفيد مكاليستر، النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب المسيحي الديمقراطي، القلق الأوروبي من فانس إلى ثلاث أسباب. وقال إن السبب الأول يرجع "إلى معارضة (فانس) بشدة زيادة الدعم الأمريكي لأوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي والثاني دعمه فرض رسوم جمركية إضافية على الواردات من أوروبا والسبب الثالث انتقاده اعتماد أوروبا المفرط على اليورو".
"ليس في صالح أمريكا"
وقال الخبراء إن سياسة ترامب وفانس الانعزالية تتعارض مع مصالح الدفاعية والعسكرية الأمريكية، مضيفين أنه إذا أراد ترامب سحب الحماية الأمريكية، فقد يدفع ذلك الدول الأوروبية إلى الميل إلى عدم شراء أسلحة أمريكية بنفس الوتيرة السابقة.
وفي ذلك، قال هاروش إن الإنفاق الدفاعي كان وسيلة غير مباشرة لشراء "حسن النية والدعم الأمريكي، لذا قد يكون من الصعب على ترامب التوفيق بين سياسة "أمريكا أولاً" من جهة وسياسة "الاقتصاد أولا" من جهة أخرى".
أعده للعربية: محمد فرحان