فرنسا ـ "قفزة نحو المجهول" إثر "زلزال" الانتخابات البرلمانية
٢٠ يونيو ٢٠٢٢سيحكم الرئيس إيمانويل ماكروناعتبارًا من (الاثنين 20 يونيو/ حزيران 2022) فرنسا مختلفة، غداة انتخابات تشريعية خسر فيها حزبه الغالبيّة المطلقة في الجمعية الوطنية، ما يُنذر بفترة انعدام يقين وربما عدم استقرار. ولخصت صحيفة "لاكروا" الكاثوليكية في افتتاحيّتها الوضع قائلة "بعد أقلّ من شهرين من إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون، يحرم تصويت الفرنسيين في الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية رئيس الجمهورية من التحكم بالجمعية الوطنية".
وعنونت صحيفة "لوفيغارو" افتتاحيّتها "قفزة نحو المجهول". أما مجلة "دير شبيغل" الألمانية فعنونت "فرنسا صوّتت وعاقبت ماكرون". حلّ تحالف الرئيس الفرنسي في الصدارة لكن بدون أغلبية مطلقة وهُزم عدد من وزراء حكومة إليزابيت بورن كانوا مرشحين للانتخابات.
لم تمنح هذه الانتخابات الأغلبية لأي حزب، وقد اتّسمت بتحقيق اليمين المتطرّف تقدما كبيرًا وبتأكيد انقسام المشهد السياسي إلى ثلاث كتل: الوسط بقيادة إيمانويل ماكرون (245 نائبًا، تحالف "معًا!")، واليمين المتطرف بقيادة مارين لوبن (89 نائبًا، حزب التجمّع الوطني) وتحالف اليسار بدءًا باليسار الراديكالي وصولًا إلى الاشتراكيين (135 نائبًا) بقيادة جان لوك ميلانشون (الاتحاد الشعبي البيئي والاجتماعي الجديد).
مع عدد مقاعد يضع الائتلاف الرئاسي بعيدا عن المقاعد ال289 المطلوبة لتولي غالبية مطلقة، "نال الفرنسيون ما كانوا يرغبون به جماعيا" كما قال إيمانويل ريفيير مدير الدراسات السياسية في معهد كانتار لوكالة فرانس برس. ويقول ريفيير "لم تكن هناك عواقب لفوز ماكرون في الانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية"، مضيفا "حدث كل شيء كما لو كنا في استمرارية لمدة عشر سنوات، وانتهى الأمر بالانتخابات التشريعية ان تكون انتخابات وسيطة تكون صعبة عادة للحكومة وليس كانتخابات تشريعية تلي الانتخابات الرئاسية".
وبين الوسط واليمين المتطرف، هناك اليمين التقليدي المتمثل بحزب "الجمهوريون" الذي ضعُف لأنه خسارة مكانته كأكبر كتلة معارضة في المجلس، لكن يمكنه أن يلعب دورًا حاسمًا في البرلمان بحصوله على 61 معقدًا.
عمليًا، أمام تحالف ماكرون خياران وهما إما أن يبرم اتفاقًا مع أحزاب أخرى على غرار الائتلاف الحاكم في ألمانيا، أو أن يتفاوض على كلّ نصّ يريد تمريره. لكن كلّما كان عدد النواب الناقصين لبلوغ الأغلبية أكبر، كلّما كانت المسألة أكثر صعوبة.
ومنذ مساء الأحد، أكدت كل الأحزاب من اليسار إلى اليمين المتطرّف أنها ستتحمّل "مسؤوليتها"، ملمحةً إلى أنها لن تقف في صفوف المعارضة بشكل منهجي لعرقلة الحكومة فقط إنما ستكون منفتحةً على التفاوض. لكنّ بعض الأصوات دعت إلى إبرام اتفاق لتشكيل حكومة، على غرار النائب اليميني السابق جان-فرانسوا كوبيه الذي أكد أن "اتفاقًا حكوميًا بين ماكرون والجمهوريين سيكون حيويًا في مواجهة صعود المتطرّفين". ومن شأن تكتّل مؤلّف من نوّاب تحالف "معًا!" وحزب "الجمهوريون" بلوغ الأغلبية المطلقة.
ويضع هذا المشهد البرلمانفي قلب اللعبة السياسية في فرنسا، في سابقة في ظلّ الجمهورية الخامسة، النظام الذي وضعه الجنرال ديغول عام 1958 بالتحديد لتجنّب عدم الاستقرار في النظام البرلماني الذي كان سائدًا في ظلّ الجمهورية الرابعة.
ورأت صحيفة "لوفيغارو" أن فرنسا "تقوم بقفزة نحو المجهول السياسي. زلزال في الجمعية: فرق متناحرة تثير ضجيجًا ستستقر في المجلس وتحوله إلى قدر يغلي... إن نقاشنا الديموقراطي برمّته (...) سيتأثر بشكل عميق".
وكتبت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية "الرئيس المنتخب مؤخرًا بات يواجه الآن انعدام يقين بشأن التحالفات التي ينبغي تشكيلها لتبني إصلاحاته الرئيسية هذا الصيف".
وأكدت صحيفة "إل باييس" الإسبانية أن "فشل إيمانويل ماكرون يبشّر بتشكيلة تصادمية جدًا في الجمعية الوطنية". بالنسبة للرئيس وأوساطه، ينبغي النجاح في تعزيز قوة سياسية برلمانية للتمكن من تمرير تشريعاتهم بحدّ أدنى من الهدوء.
وصرّحت إليزابيث بورن مساء الأحد "سنعمل اعتبارًا من الغد (الاثنين) على بناء غالبيّة" قادرة على العمل، معتبرةً أنه ليس هناك "بديل لهذا التجمع لضمان الاستقرار". وأضافت أنه يجب التوصل الى "التسويات الصحيحة". وتبدأ رسميًا ولاية النواب الجدد التي تستمرّ خمس سنوات، الأربعاء.
في هذه الأثناء، ينبغي على النواب الذين انتُخبوا الأحد للمرة الأولى ومن بينهم شخصيات رمزية حديثة العهد في السياسة على غرار راشيل كيكي وهي عاملة تنظيفات سابقة أصبحت نائبة عن تحالف اليسار، أن يتسجّلوا ويحصلوا على حقيبة النائب التي تحتوي على الوشاح ذي الألوان الثلاث.
ويتعيّن التقاط صور رسمية لهم والانضمام إلى الكتل البرلمانية التي يُفترض أن تتشكل قبل 28 حزيران/يونيو عند الساعة الثالثة بعد الظهر بالتوقيت المحلي، موعد افتتاح الهيئة التشريعية السادسة عشرة في جلسة عامة.
ح.ز/ ع.ج.م (رويترز/ أ.ف.ب)