فاطمة جيلاني لـDW: أشرف غني وبايدن وراء فوضى أفغانستان
٢٩ أغسطس ٢٠٢١تعد الناشطة الأفغانية فاطمة جيلاني من بين الشخصيات القليلة التي تمتلك خبرة ورؤية حيال الصراعات والحياة السياسية في أفغانستان إذ كانت من بين أربع سيدات شاركن في مفاوضات السلام التي عقدت في قطر على مدى الأحد عشر شهرا الماضية. لكن يبدو أن جهودها باتت في مهب الريح عقب سقوط كابول في أيدي طالبان.
وترأست جيلاني في الماضي جمعية الهلال الأحمر الأفغاني وحصلت على الماجستير في الفقه والدراسات الإسلامية من الجامعة العالمية للعلوم الاسلامية في العاصمة البريطانية لندن.
وكان والدها من بين قادة المجاهدين الأفغان الذين حاربوا الاحتلال السوفيتي في ثمانينات القرن الماضي (1979- 1989).
وعقب سقوط حركة طالبان بعد التدخل الدولي بقيادة واشنطن أواخر عام 2001، أصبحت جيلاني عضوا في المفوضية الدستورية إذ شاركت في إعداد دستور جديد في أفغانستان، بيد أنه عقب سيطرة طالبان على أفغانستان واستيلائها على السلطة، ذهبت جهود إرساء مؤسسات ديمقراطية سدى و باتت محاولة وضع دستور للبلاد، في طي النسيان.
وفي مقابلة حصرية مع DW من الدوحة، كشفت جيلاني عن تفاصيل كثيرة حول التطورات الأخيرة في أفغانستان ونظرتها المستقبلية حيال مصير البلاد في ظل حكم طالبان، وكيف ترى دور المرأة الأفغانية في بناء مستقبل أفغانستان.
وقد أُجريت المقابلة معها قبل انفجار مطار كابول في السادس والعشرين من أغسطس / آب الجاري الذي أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص.
وفيما يلي نص الحوار:
DW : ما هو شعورك في الوقت الحالي على وقع التطورات الأخيرة في أفغانستان؟
فاطمة جيلاني: أنا في حالة صدمة كبيرة خاصة إننا كنا قريبين من انتقال سلس ومنظم للسلطة. لقد دمر (الرئيس الأفغاني أشرف) غني كل شيء من أجل المال. لقد تسببت مغادرته المفاجئة فيما وصلت إليه الأمور في البلاد.
تردد الكثير من الشائعات، لكن دون تقديم دليل ملموس حيال أن أشرف غني وشخصيات مقربة منه مثل مستشاره لشؤون الأمن القومي حمد الله مهيب قد سرقوا ملايين الدولارات حين غادروا البلاد؟
أخبريني أنت! يتعين التحقيق في هذا الأمر. وأيضا التحقيق عن سبب هروبهم من أفغانستان بهذه الطريقة المفاجئة وعلى عجلة. كانت هناك تطمينات بأن حركة طالبان لن تقدم على اقتحام كابول قبل أسبوعين؟ الشيء الوحيد الذي أرغب في التأكيد عليه هو أن الخائن يجب ألا يفلت من العقاب.
هل من الإنصاف إلقاء اللوم على أشرف عني وحده حتى أصبح رمزا لانهيار الدولة في أفغانستان؟
لا يمكن لأي شخص أن يلقى اللوم كله على شخص واحد إذ أن هناك سلسلة من الحلقات يٌلقى عليها اللوم بشأن الأحداث التي وقعت في أفغانستان على مدار الأربعة العقود الماضية من حروب وأعمال عنف، لكن يجب أن يتحمل غني مسؤولية الأحداث الفوضوية وسقوط كابول في أيدي طالبان. لقد خان غني الشعب الأفغاني وحتى خان الشخصيات القريبة منه. كان يمكنه الانتظار وعدم الهروب وكان يمكنه أيضا ترك البلاد لكن بطريقة منظمة ويضمن حدوث نقل للسلطة. للأسف ما أقدم عليه كان وصمة عار كاملة.
لقد ارتكب الكثير من الأخطاء، بداية كونه وضع الكثير من العراقيل أمام مباحثات السلام الأفغانية في الدوحة بسبب غروره، وأخيرا هروبه. ما أستطيع قوله إنه يستحق جائزة الأوسكار لتمثيله بأنه سوف يبقى في البلاد حتى الرمق الأخير. لقد نجح في خداع الجميع من حوله.
هل صدّقت نوايا أشرف غني؟ وهل خدعك أيضا كما خدع الجميع من حوله؟
نعم، كنت في ذاك الوقت في الدوحة، لقد تم ابلاغي أول بأول بتفاصيل الوفد الذي كان من المتوقع أن يأتي إلى الدوحة للترتيب لانتقال سلس للسلطة وكان من المفترض أن يضم هذا الوفد عبد الله عبد الله رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية السابق والرئيس السابق حامد كرزاي وجميع القادة الآخرين وكانت الخطة ترمي إلى ضمان إيجاد انتقال سلس للسلطة وكانت المفترض أن يراقب المجتمع الدولي هذا الأمر.
كان أهم شي نسعى إلى تحقيقه كفريق مفاوض في هذه المرحلة يتمثل في نقطة واحدة: طالبان استولت على أفغانستان وهذا كان أمرا حقيقيا لا يمكن أن ينكره أحد، لذا كنا نرغب في ضمان نقل آمن للسلطة بما يضمن تحقيق سلام دائم في المستقبل؟ كنا نرغب أن تجري الأمور بشكل منظم، بيد أنه في نهاية المطاف فر أشرف غني.
لم تسفر مفاوضات الدوحة عن أي تقدم ملموس. هل كانت المفاوضات ورقة التوت التي سترت الحكومة؟
لا أعرف هذا. لكن إذا كان لدي قدر قليل من الشك في أن هذا سيكون مصير المفاوضات، لم أكن لأنضم إلى مفاوضات لا طائل من ورائها. لأنه في هذه الحالة، سيكون نضالي السياسي في أفغانستان خلال السنوات الـ 43 الماضية على المحك لأنني أولي أهمية قصوى لأسمي وعبر الحفاظ على أسمي فأنا أحافظ على بلدي وأكرم شعبي.
كنت أؤمن بمحادثات الدوحة ولا يمكنني القول بأن طالبان كانت سهلة المراس، بل كانت صعبة جدا. والآن أصبحت مدركة أنهم كانوا يسعون لتحقيق مكاسب. لكن من جانبنا، كنا مخلصين جدًا من أجل السلام. ليس لدي شك على الإطلاق.
في ضوء التطورات الأخيرة، هل تفكرين في العودة إلى أفغانستان؟
بالتأكيد، سأعود إلى كابول. أنا مصابة بمرض السرطان، ومنذ 13 من يناير / كانون الثاني لم أزر طبيب الأورام الخاص بي. سأذهب الآن إلى لندن لرؤية طبيب الأورام الخاص بي وربما أقضي بعد ذلك أسابيع لأنني مرهقة للغاية. لكن بعد ذلك سأعود إلى وطني حيث لا يزال يعيش زوجي وشقيقاي.
كيف تتصورين شكل أفغانستان في الوقت الحالي عقب سيطرة طالبان؟
أعتقد أن الأمر سيكون متروكا لطالبان في المقام الأول وفي والمقام الثاني سيكون على عاتق المجتمع الدولي. يتعين على طالبان أن تضع الشعب الأفغاني على رأس الأولويات لضمان تحقيق السلام. لكن كيف يمكن تحقيق هذا السلام؟ سيكون ذلك من خلال تشكيل حكومة حقيقية وجامعة بمراقبة المجتمع الدولي.
ربما يتعين أن يتم تشكيل هذه الحكومة في مكان ما خارج أفغانستان حتى تكون على مرأى ومسمع من الجميع. كذلك إذا لم يعاد فتح السفارات، فسوف يموت الناس جوعا. إذا لم تكن هناك ضمانات من المجتمع الدولي، فسوف يموت الناس جوعا. وهذا مصدر تهديد لأن الأشخاص الجائعين قد يفعلون أي شيء بدافع اليأس.
لا أريد أن أرى طالبان تقوم بدوريات على متن سيارات مدرعة في أفغانستان أو تضع داعش قنابل في الشوارع. لأن هذا سيكون كارثيا إذ أن المدنيين الأبرياء من سيموتون، أليس كذلك؟ لا أرغب في رؤية ذلك. يتعين أن ننسى الآن من الفائز ومن الخاسر؟ يجب أن يكون الشعب الأفغاني موضع الاهتمام وليس غير ذلك.
كان هناك اتصالات بينك وبين نخبة قادة طالبان على مدار الأحد عشر شهرا الماضية. هل تعتقدين أنه يمكن الثقة في طالبان؟ لقد تحدثوا عن مشاركة الجميع في الحكم أو تقديم عفو عام، لكن في نفس الوقت، نسمع عن تقارير موثوق فيها بشأن وقوع فظائع وأعمال قتل وإعدامات. لذا فإن الأقوال أصدق من الأفعال.
يجب التأكيد على أنه من أجل إحلال السلام وفرض القانون والنظام في أفغانستان، يتعين تشكيل حكومة تحظى بثقة الشعب الأفغاني. ثقة الشعب الأفغاني هي وحدها التي يمكن أن تسكت أصوات البنادق في أفغانستان. إذ حظيت الحكومة بثقة الشعب الأفغاني، يمكن إحداث تغييرات تتمثل في البداية بعودة الهدوء ودعم الشعب الافغاني للنظام السياسي. علينا القبول بأن طالبان انتصرت عسكريا، لكن يتعين علينا جميعا العمل معا لتحقيق السلام الآن. طرف واحد لن يكون بمقدوره أن ينعم بالسلام.
يجب التذكير بالماضي، لقد اسقطنا نظاما سابقا وأخرجنا الاتحاد السوفيتي. لكن هل جلب هذا أي سلام إلى أفغانستان؟ للأسف لم يحدث ذلك، لأن الأمر كان من طرف واحد. عندما انعقد مؤتمر أفغانستان في مدينة بون الألمانية في ديسمبر/ كانون أول 2001، شارك الجميع ماعدا حركة طالبان. هل استطعنا إحلال السلام في ذاك الوقت؟ الإجابة لا، لذا لماذا نكرر أخطاء الماضي. يتعين علينا أن نفعل الشيء الصحيح هذه المرة.
هل تتوقعين أن يفسح المجال لأفغانيات مدافعات عن المرأة في أفغانستان؟
يجب التأكيد على أنه لا يمكن تجاهل المرأة الأفغانية. المرأة الأفغانية جزء لا يتجزأ من الشعب الأفغاني. إننا مسلمات لذا فاننا نعرف حدودنا، لكن يجب أن نصون أيضا حرياتنا. لا يمكن أن تمضي أفغانستان إلى الأمام من دون مشاركة النساء. لذا أرغب في أن أتواجد في أفغانستان من أجل شعبي، لكن ليس لدي أي طموح سياسي فقد اعتزلت السياسة منذ وقت طويل، لكنني لم استسلم في الحرب دفاعا عن حقوق المرأة والأقليات. وهذا وعد قطعته على نفسي.
إذا أتيحت الفرصة لتوجيه رسالة إلى نائب زعيم طالبان الملا عبد الغني برادر؟ ماذا سيكون مضمون الرسالة؟
سأقول له نفس الشيء الذي قلته له خلال المفاوضات في الدوحة أن أفغانستان يجب أن تكون للشعب الأفغاني بأسره..النساء والرجال وكل الجماعات العرقية وكل العقائد والمذاهب الإسلامية حتى الهندوس والسيخ. إذا رغبنا في إنشاء دولة مسلمة حقيقية، يجب أن تكون قائمة على تعاليم الرسول - عليه الصلاة والسلام. لا يجب أن يكون الأمر متروكا لتفسير كل طرف.
وماذا ستكون رسالتك للرئيس الأمريكي جو بايدن؟
سأقول له: السيد بايدن! ما قمت به في افغانستان كان أمرا متهورا بشكل كبير.
فبقدر ما أحمل أشرف غني - الذي أقول إنه قد خان وطنه- مسؤولية ما حدث، يجب أن أبلغ بايدن أن تصرفه في أفغانستان لا يتماشى مع تصرفات قوى عظمى مثل الولايات المتحدة. أرغب من نشر هذا التصريح التأكيد بأنني لم أدع إلى بقاء أي جندي أجنبي في أفغانستان، ما أريده فقط السلام قبل كل شيء..فقط إحلال السلام، كان يتعين على القوات الأجنبية تأمين إحلال سلام ثم ترحل.
عندما تحدثنا في السابق عن خروج القوات الأجنبية بشكل منظم، لم نكن نقصد بقاء قوات الناتو في أفغانستان إلى الأبد. بالتأكيد لا!.
وسأقول لبايدن أيضا: لقد أبرمت اتفاقا مع طالبان في الدوحة يتضمن تسوية سياسية. أين هذه التسوية السياسية؟ أين هي؟
أجرت الجوار ساندرا بيترسمان