غونتر غراس الكاتب الذي يكسر التابوهات
١٦ أكتوبر ٢٠١٢
ولد غونتر غراس في الـ 16 من أكتوبر/ تشرين الأول عام 1927 في أسرة بسيطة في مدينة دانتسيتغ. حيث عمل والداه في البقالة، وكان زبائنهم من الفقراء. كما كان البيت الذي يعيشون فيه صغيرا وضيقا، في وسط كاثوليكي. يقول كاتب سيرة غراس ميشائيل يورغس عن هذه الفترة: "إنها طفولة بين الروح القدس وهتلر".
وقد شهدت حياة غراس لحظات صعود وهبوط. ففي السابعة عشر من عمره عايش غونتر غراس أهوال الحرب العالمية الثانية عام 1944، أولا كمساعد في سلاح الجو، ثم بانضمامه للوحدات النازية الخاصة "إس إس"، التي اعترف بانتسابه إليها بعد عقود عدة، وهو ما أدى غلى جدل كبير في ألمانيا.
في سنة 1952 كانت جمهورية المانيا الاتحادية في بداية التشكل وكان غراس ما يزال أيضا في مرحلة البحث عن ذاته الأدبية. درس الفن والنحت، وكان يعزف مع فرقة للجاز. وفي عام 1956 استقر لوقت قصير في باريس، التي لم تكن حياته فيها باذخة، وإنما عاش مع زوجته حياة متواضعة. غير أن هذه الفترة كانت بداية لمسار كاتب عظيم، حيث كتب المسودة الأولى لروايته الشهيرة "طبل الصفيح"، والتي أصدرها سنة 1959 وحققت نجاحا كبيرا داخل ألمانيا، ثم امتد النجاح إلى أنحاء أخرى من العالم. كما ترجمت إلى عدة لغات عالمية، وتم تحويلها إلى فيلم. بل إنها الرواية التي قادت غراس لاحقا للحصول على جائزة نوبل للآداب سنة 1999.
كتب غونتر غراس في أجناس أدبية متعددة تنوعت بين النثر والشعر. لائحة أعماله طويلة جدا، ومن أشهرها:" سنوات الكلاب" و"تخدير موضعي" و"الجرذ" وغيرها من الأعمال التي غالبا ما كانت ترصد الظروف والتغييرات الاجتماعية كانتفاضة المثقفين في ألمانيا الشرقية عام 1953 أو الاحتجاجات الطلابية عام 1968. إضافة إلى أسئلة المستقبل وسياسة الشرق والغرب، وغرق قارب للاجئين عام 1945 في بحر البلطيق. كما كانت المصالحة مع بولندا إحدى القضايا التي يهتم بها غونتر غراس بحكم أنه ولد في مدينة دانتسيغ التي ضمت إلى بولندا بعد الحرب العالمية الثانية.
الإبداع والسياسة
رغم تقدمه في السن لا يزال غراس إلى حد اليوم متعدد المواهب الإبداعية، فهو الشاعر والرسام والروائي ومصور أعماله الخاصة. كما كان غونتر غراس ولسنوات طويلة يمثل نوعا من "السلطة الأخلاقية" في ألمانيا. منذ عام 1961 انخرط غراس في صفوف الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، دون أن يكون عضوا رسميا في الحزب، كما دعم سنة 1969 المستشار الألماني الاشتراكي فيلي برانت في حملته الانتخابية. بعد ذلك انضم رسميا للحزب، غير أنه استقال من الحزب إثر النزاع حول إعادة صياغة حق اللجوء في ألمانيا.
واستمر غراس في ممارسة دوره الثقافي والسياسي، أحيانا بشكل صاخب، وأحيانا كناقد للأحداث التي تدور حوله، وأخرى كيساري مستقل، حيث احتج على ترحيل الأكراد، وتضامن مع ضحايا العمل القسري في عهد النازيين. كما كان مناصرا لقضايا حقوق الإنسان، والكتاب المضطهدين، ورافضا للحروب. في سنة 2006 اعترف غراس في سيرته الذاتية أنه في سن الـ 17 كان عضوا في الوحدات النازية الخاصة "إس إس". وهذا الاعتراف المتأخر جداً، أثار جدلاً كبيراً في وسائل الإعلام داخل وخارج ألمانيا. وقد اعتبره الكثيرون متواطئا صامتا مع النظام النازي، والبعض الآخر رأى في تعامله مع ماضيه النازي نوعا من النفاق.
قصيدة أثارت ضجة
أثارت قصيدة بعنوان"ما ينبغي أن يقال" لغونتر غراس والتي نشرها في أبريل/ نيسان الماضي، انتقادات حادة في الأوساط الإعلامية والسياسية في ألمانيا. حيث انتقد فيها إسرائيل، واعتبرها "قوة نووية، تهدد السلام الدولي الهش بطبيعته". وقد تجاوز الجدل حول القصيدة حدود المانيا ونتجت عنه ردود فعل عديدة، من ضمنها اتهام غراس بمعاداة السامية ومنعه من زيارة إسرائيل.
غير أن هذه الانتقادات لم تؤثر على قيمة غراس الأدبية لدى الكتاب الشباب الذين يعتبرونه مثلا أعلى. تقول أوفه تيلكام عن غراس"إنه القوة الحكائية في الأدب الألماني". ويقول عنه الكاتب موريتس رينكه بتشبيه غريب: "إنه الديناصور المرن والمثير للاهتمام". غير أن غراس لو لم يتناول المواضيع السياسية سيكون شخصا آخر، غير الذي عرف سابقا. والآن وقد بلغ الـ 85 من العمر ستكون هناك مواضيع أكثر اهتماما له من بينها أسئلة السن والموت. ومازال الكاتب الألماني يحتفظ بحس الدعابة، ولا يستغني عن سجائره. كما أنه يحب الطبخ بنفسه، هذا إلى جانب عشقه للنبيذ الأحمر.