غريب في وطنه - مظاهر العنصرية في الحياة اليومية في ألمانيا
٢ أكتوبر ٢٠١١ما يزال كريستيان كيلر يتذكر ذلك الشعور حين كان في الفيليبين يجري أبحاثا علمية لأطروحته للحصول على شهادة ختم دراسته الجامعية في الاقتصاد. كان يشعر بفرح ممزوج بحزن، عندما يجلس في إحدى الحافلات هناك، ولا أحد يتلفت إليه. حينها شعر كريستيان ولأول مرة في حياته بأنه واحد مثله مثل غيره ممن حوله، شعور على النقيض تماما مما يعيشه في ألمانيا. عندها أدرك كريستيان مدى المعاناة التي يعيشها في ألمانيا منذ 30 عاما بسبب مظهره، فشعره أسود كثيف وبشرته سمراء. ويحكي كريستيان صاحب الـ 42 عاما، الذي يعيش في برلين، عن بعض المضايقات التي تعرض لها في ألمانيا ويقول: "ذات مرة كنت مع ابنتي في ميدان السوق بأحد المدن في جنوب ألمانيا، وعلى بعد 3 خطوات مني وقفت امرأة عجوز مع شريك حياتها، وسمعتها تسأله بلا خجل: هل يعقل أن هذه البنت الشقراء هي ابنة هذا الرجل الأسمر ذي الشعر الأسود الكثيف؟"
الاسم ألماني والملامح أجنبية
كريستيان كيلر أخذ المسألة في البداية على سبيل الضحك. لكن للضحك حدود، فقد كان ذات مرة في منطقة ساكسونيا في شرق ألمانيا، ونادى عليه أحد الشباب ذوي الرؤوس الحليقة، ممن يُطلق عليهم "سكنهد" من اليمنيين المتطرفين، وقال لمن حوله "انظر إلى هذا الفيجي"، (نسبة إلى جزر فيجي في المحيط الهادي)، تهكما منه بسبب ملامحه الآسيوية. ويقول كريستيان إنه لا يأخذ زوجته وأطفاله معه حينما يزور مثل هذه الأماكن. أما بالنسبة له شخصيا فهو شاب قوي البنيان، وكان يلعب فيما مضى كرة القدم ويمارس رياضات الدفاع عن النفس، ويبدو واثقا من نفسه لدرجة توحي للآخرين أنه من الأفضل عدم الدخول معه في شجار. لكنه يقول إن مراكز الشعور في عقله دائما متحفزة وتسجل ما يجري حولها خصوصا حينما تكون معه أسرته، لافتا إلى أن ذلك يشكل حملا متواصلا يثير أعصابه.
وينص الدستور الألماني على أن الشخص يصبح ألمانيا إما بالميلاد أو باكتساب الجنسية. ولافرق بين هذا وذاك، فالمواطنون سواسية، ولا تلعب أصولهم أو أشكالهم أي دور في هذا. وتوجد نماذج ناجحة بهذا الخصوص على سبيل المثال فيليب روسلر، وزير الاقتصاد ونائب المستشارة الألمانية، الذي هو في الأصل طفل فيتنامي تبنته عائلة ألمانية. وهناك أيضا آيغول أوزكان وزيرة الأسرة في ولاية ساكسونيا السلفلى وهي مولودة لأبوين تركيين في مدينة هامبورغ. وتلقى مثل هذه النماذج احتراما كبيرا لأنها حققت نجاحا رغم كل المصاعب والعراقيل.
وللتميز أنواع
وإذا كان اسمك ألمانيا فإن ذلك يُسهّل الكثير في سوق العمل الألماني، لذلك فإن كريستيان كيلر لا يواجه مظاهر عنصرية واضحة عندما يتحدث في الهاتف مع الشركات العقارية لدى بحثه عن سكن للتأجير أو يرسل أوراقه للتقدم إلى وظيفة لدى بحثه عن عمل. وفي سياق متصل، تقول نوران يغيت من "مكتب مناهضة التمييز في برلين": "حينما يحمل صاحب الطلب اسما أجنبيا، يمكن أن يوضع ملفه في أسفل الملفات ولا يجري استدعاؤه لمقابلة تعارف أبدا". ويؤكد معهد "مستقبل العمل" في مدينة بون وجهة النظر هذه من خلال دراسة أجراها، أثبتت أن مراعاة طلبات أصحاب الأسماء الألمانية تفوق 14 مرة أصحاب الأسماء التركية.
وتبدو مظاهر العنصرية أيضا في الملاهي الليلية، حينما يُقال لأشخاص ذوي بشرة سمراء إنها مليئة ولا يمكن إدخالهم، وبعد انصرافهم يُسمح لأشخاص ذوي ملامح أوروبية بدخولها.
وهناك نوع من التمييز يُطلق عليه "التمييز مع الابتسامة" ومعناه أن يواجه الأشخاص، الذين تظهر ملامحهم أو لهجتهم أنهم ليسوا ألمانا أصليين، إجابات ظاهرها لطيف لكنها تبطن التمييز. فمثلا حينما تتصل هاتفيا لتسأل عن سكن معروض للإيجار فتكون الإجابة "مع الأسف لقد أجَّرْناه"، أو تذهب إلى فندق لحجز غرفة فيقال لك "مع الأسف الفندق محجوز بالكامل" والواقع مخالف لذلك.
لكن قانون "المساواة في التعامل" الذي صدر عام 2006 ينص على أن الشخص الذي يشعر بأنه تعرض للتمييز؛ بإمكانه التقدم بشكوى إلى أحد المراكز المعنية بمكافحة التمييز. وقد تصل العقوبة إلى غرامة مالية.
وهناك أيضا نوع من "التمييز الظريف" يواجهه دائما الألمان من أصول أجنبية حينما يلتقون مع الألمان الأصليين. ويظهر هذا حينما يقول الألماني الأصلي لغيره "لكنك تتحدث الألمانية بشكل جيد". وهذه الجملة بالنسبة للأشخاص المندمجين تماما في المجتمع الألماني تعتبر إهانة أكثر منها إشادة، ولا يطيقون سماعها.
هاينر كيسل / صلاح شرارة
مراجعة: شمس العياري