60 Jahre soziale Marktwirtschat in Deutschland
٢٠ يونيو ٢٠٠٨قبل ستة عقود، مع صدور قانون الإصلاح النقدي في 20 يونيو/ حزيران 1948، بدأ تطبيق نظام اقتصاد السوق الاجتماعي في ألمانيا. وبموجب هذا النظام بدأ التداول بالمارك الألماني الذي شكل لعقود طويلة رمز النمو والرفاهية في البلاد. ويعد لودفيغ إيرهاد الذي تولي منصب مستشار ألمانيا لاحقاً العقل المدبر لهذا القانون. وكان إيرهاد عند صدوره مسئولا عن شؤون الاقتصاد في المناطق التي شكلت ألمانيا الغربية لاحقاً في ظل سيطرة القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية التي انتصرت مع الاتحاد السوفيتي سابقاً على النازيين خلال الحرب العالمية الثانية وحررت ألمانيا منهم.
وضع لبنات معجزة ألمانيا الاقتصادية
صدر قانون الإصلاح النقدي في ظل ظروف اقتصادية صعبة أوصلت ألمانيا إلى حافة الهاوية على حد وصف ايرهارد. وقد تجلى ذلك على سبيل المثال في ازدهار السوق السوداء القائمة على التبادل السلعي لأن الثقة كانت شبه معدومة في العملة النقدية للرايخ الألماني أو مارك الرايخ الذي كان متوفرا بكميات كبيرة ليست ذات قيمة تذكر. كما تجلي في تزايد السرقات وأعمال السطو والنهب للقطارات ووسائل النقل الأخرى المحملة بالبضائع. وقد وصل سوء الأوضاع إلى حالة لا تحتمل دفعت حتى بالحزب المسيحي الديمقراطي إلى المطالبة بتأميم مناجم الفحم وصناعات رئيسية أخرى. وتحدث كورت شوماخر رئيس الحزب الديمقراطي الاشتراكي آنذاك عن نهاية الرأسمالية.
مع صدور قانون الإصلاح النقدي وبدء العمل به تم إلغاء العملة القديمة بعد تبديلها بالعملة الجديدة، كما تم تحرير الأسعار من سيطرة الدولة. بالنسبة إلى ايرهارد شكل القانون خطوة أولى نحو نظام جديد لاقتصاد سوق يضمن حرية النشاط الاقتصادي واختيار طبيعة العمل ومكانه. كما يضمن حق الملكية الخاصة والمنافسة في ظل تكافؤ الفرص. أما الهدف من ذلك فتجلى في بناء شبكة ضمانات اجتماعية تعتمد على أداء الفرد وتعويضه بشكل عادل يتناسب مع مستوى هذا الأداء. وقد رهن ايرهارد مشاركة الناس في تقرير مصيرهم السياسي بالنجاح في تطبيق ذلك على أرض الواقع.
غيمـــة عابـــرة
بعد بدء العمل بالقانون لم يمض سوى وقت قصير حتى امتلأت المتاجر باللحوم والخضار والفواكه والسلع الأخرى التي عُرضت بالعملة الجديدة (المارك). لكن الناس أقبلوا على شرائها بشكل مبالغ فيه خوفا من فقدانها لاحقاً، وهو الأمر الذي أدى إلى حدوث نقص في العرض، وإلى زيادة الأسعار بشكل دعا الصحافة وصناع القرار السياسي للحديث عن نهاية تجربة اقتصاد السوق. وعلى إثر ذلك شهدت ألمانيا في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1948 إضراباً عاماً ضد الأوضاع الاقتصادية شارك فيه تسعة ملايين ألماني بناء على دعوة النقابات العمالية. غير أن الأمور بدأت بالتحسن بعد هذا الإضراب الذي بقي الوحيد من نوعه في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.
من عصر المعجزة إلى تراجع الديناميكية الاقتصادية
استمر التحسن خلال خمسينات وستينات القرن الماضي حيث شهدت ألمانيا فترة ما يسمى المعجزة الاقتصادية التي جلبت لها ازدهارا لم تعرفه في تاريخها. وبفضل هذه المعجزة شهدت البلاد حالة تشغيل شبه كامل لقوة العمل، وارتفع مستوى الدخول بمعدلات عالية لمختلف الفئات الاجتماعية. كما احتل المارك الألماني مكانة رئيسية بين العملات الدولية. واستمرت المعجزة حتى سبعينات القرن الماضي عندما بدأت وتيرة الديناميكية الاقتصادية بالتراجع بسبب الخلل المتزايد بين التعويضات الاجتماعية المتزايدة والأداء الاقتصادي. وقد أضعف هذه الخلل الذي تعمّق مع زيادة أعباء إعادة توحيد ألمانيا من قدرة الشركات والمؤسسات على الاستثمار والمنافسة التي اشتدت حدتها في ظل العولمة. وكان من تبعات ذلك انتشار البطالة منذ أواسط تسعينات القرن الماضي، وزيادة الفوارق الاجتماعية على حساب الطبقة الوسطى التي شكلت أحد الأعمدة الأساسية للمعجزة الاقتصادية. وازدادت حدة هذه الفوارق بعد الإصلاحات العميقة التي شهدتها قوانين العمل في ألمانيا في ظل تطبيق الضمان الاجتماعي المعروف بـ نظام هارتس 4 Harz خلال عهد المستشار السابق جيرهارد شرودر. وجاء ذلك في إطار خطته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ما يُسمى "أجندة 2010".
لا بديل عن اقتصاد السوق رغم الشكوك
واليوم وبعد مرور ستة عقود على البدء بتطبيق نظام اقتصاد السوق، لم يعد هذا النظام عنوان الرفاهية والازدهار في ألمانيا. فقد جاء في تقرير نشرته مجلة الأسبوع الاقتصادي Wirtschaftswoche مؤخراً أن 38 بالمائة من الألمان لا ينظرون بشكل إيجابي إلى هذا النظام. مقابل 31 بالمائة يعتبرونه إيجابياً، مع العلم أن النسبة الأخيرة كانت بحدود 39 بالمائة أوائل العام الجاري. على صعيد آخر يشكك 40 بالمائة منهم في صلاحية هذا النظام لأيامنا. غير أن نسبة ضئيلة فقط، نحو 14 بالمائة تعتقد بوجود بدائل لاقتصاد السوق بشكل عام. وهو الأمر الذي يؤكد على أهمية التمسك به لضمان مستقبل ألمانيا من خلال مزيد من الاستثمار في التعليم والبحث والإبداع على حد تعبير المستشارة الألمانية انجيلا ميركل.