عودة مبدأ ملكية الموارد الطبيعية للجميع
٧ يوليو ٢٠١٢تخيل مرجا خصبا يقع على مشارف أحدى القرى وهناك يترك المزارعون أغنامهم ترعى، فالأرض ملك لهم جميعا على قدم المساواة. إن الملك "المشاع" للجميع أو "الكومونات" كما تسمى في عصرنا، هي موارد متاحة بحرية للجميع،كالغابات والمياه الجوفية والنباتات البرية التي تدخل في تركيب الأدوية وكذلك الثروة السمكية، وتلك الموارد رغم تنوعها الكبير، إلا أن الخطر يتهددها. وتتمثل المشكلة في أن المستفيدين من تلك الموارد يبالغون في كثير من الأحيان في استغلالها، مثال على ذلك رعي أعداد كبيرة من الماشية على مساحة محدودة من الأرض، الأمر الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تدمير الحشائش بدرجة يتعذر معها الرعي في تلك الأرض.
قامت خبيرة العلوم السياسية إلينور أوستروم بتسليط الضوء بشكل مكثف، على ظاهرة الافراط في استغلال الموارد الطبيعية. وفي الأوساط الأكاديمية ومنظمات المجتمع المدني تمت مناقشة رؤيتها حول الكومونات بحماس كبير، وحصلت أوستروم في عام 2009 على جائزة نوبل في الاقتصاد، فقد لعبتأوستروم دورا مؤثرا في النقاش الدائر حول التغير المناخي.
صورة "مأساة الكومونات" ترسخت في الأذهان
من أجل توضيح التأثير الذي تركته أوستروم، نعود إلى موضوع الرعي،ففي عام 1968 كان عالم الأحياء غاريت هاردن قد نجح عبر كتابة مقال مؤثر، في تكوينصورة دقيقة عن المبالغة في استغلال المراعي، وقد ظلت تلك الصورة راسخة في عقول أجيال كاملة من علماء الاجتماع والاقتصاد. وسيان إذاماإذا كان الاستغلال المبالغ فيه يمس مناطق الصيد أو الغابات أو الاستغلالالمفرط للطبيعة وتحويلها إلى مكب للنفايات، فقد تناول هاردن كل تلك الجوانب. وكما ورد في مقاله، فإن"ترك الحرية المطلقة في استغلال الموارد يؤدي إلى الخراب الشامل." وصف هاردن الإفراط في استغلال الموارد الذي أطلق عليه مصطلح "مأساة الكومونات"، بأنه نمط من أنماط السلوكالبشري الأناني.
لايجب أن تكون نهاية الكومونات بالضرورة مأساوية
وعلى عكس العديد من زملائها في المجال العلمي، لم تقبل أوستروم بهذا النمط. وعلى الرغم من أنها اعترفت بتعرض الغابات والتربة للقطع الجائر والرعي الجائر، لكنها أبرزت مقابل هذهالأمثلة المأساوية، أمثلة أخرى إيجابية من جميعأنحاء العالم. كما في نيبال مثلا حيث يواظب المزارعون منذ قرون وبنجاح على توزيعموارد المياه الشحيحة بينهم. ومنذ قرون أيضا، يعمل المزارعون في اليابان على زراعة المروج، ويقومون بعد موسم الحصاد بتقسيم المحصول بينهم بالتساوي.
وكما وصفت أوستروم برنامجها في كتاب من كتبها العديدة: "بدلا من قبول فكرة أن الناس الذين يشتركون في الاعتماد على مورد ما، سجناء في فخ لا يستطيعون الهروب منه، بدلا من ذلك، أسعى إلى التاكيد على أن قدرة الناس علىتحرير أنفسهم من هذا الوضع الصعب، يعتمد بشكل كبير على الظروف." وبحسب قناعة أوستروم فإن الناس لا يتعمدون التصرف بأنانية عمياء بالضرورة لإفساد محيطهم، لكنهم قادرين على التواصل مع بعضهم من أجل الاتفاق على قواعد تساعدهم على المحافظة على المحيط الذي يعيشون فيه. لذا فنهاية الكومونات ليست بالضرورة مأساوية. أوستروم تعول على قدرة الإنسان على التبصر بالعواقب.
تغير المناخ - "أكبر معضلة تواجه البشرية"
لكن إذا ما أخذنا التغير المناخي بعين الاعتبار، فإلى أي مدى يمكن أن يكون تفاؤل أوستروم محقا؟فالفضاء الذي نعيش فيه والهواء الذي نتنفسه يمثل موردا متاحا للجميع. ويمكن للجميع منع الإفراط في استغلال هذا المورد عبر خفض الانبعاثات الغازية الضارة، وهذا يعني مثلا عدم الإفراط في رعي الأغنام. وحتى الآن كانت الأنانية على المستويين الفردي والعام تهيمن على استخدام هذا المورد الثمين.
وبماذا تنصح الحائزة على جائزة نوبل هنا؟ إن الأمثلة التي جمعتها أوستروم تثبت أن بإمكان الناس في المجتمعات الصغيرة فقط التعاون بنجاح. لكناستخدام الموارد العالمية المشتركة، هو أمر أكبر من أن تتحكم فيه قرية أو منطقة بعينها. فما الذي يمكن فعله لمنع النتائج المأساوية التي ستترتب عن تلوث الهواء، هل يجب الانتظار حتى يتوحد المجتمع الدولي ويتبنى موقفا مشتركا حيال ذلك؟
كان رد أوستروم على هذا هو النفي، فهي حذرت في العام الماضي من الانتظار بدلا من المبادرة إلى العمل. وجاء في ذلك التحذير ما يلي:"في ظل فشل مفاوضات المناخ منذ سنوات في التوصل إلىاتفاقات فعالة وعادلة وقابلة للتنفيذ بشأن خفض الانبعاثات الغازية الضارةعلى المستوىالعالمي، يمكن أن تحدث تطورات لا يمكن وقفها."
بدء عملية التعلم والتجريب
ما تطالب بهأوستروم هو أن تبادر المناطق والبلديات والشركات والمجموعات إلى اتخاذ خطوات عملية، بدلا من انتظار نتائج مفاوضات المناخ الدولية. وتثق أوستروم في مقدرة تلك المجموعات في تقدير أبعاد مشكلة الاستغلال المفرط للبيئة، ومن ثم إيجاد القواعد اللازمة التي من شأنها أن تدعم نمط حياة صديقة للبيئة. وهذا لن يغني عن إبرام معاهدة عالمية بشأن المناخ. ومع ذلك، يجب أن تبذل المساعي لحماية المناخ على مستويات مختلفة، وكما ترى أوستروم، فإن هذا سيمثل "انطلاقا لعملية التجريب والتعلم."
أفكار أوستروم ظلت خالدة حتى بعد وفاتها، وهي تمثل مرجعا للكثير من العلماء، ومنهماوتمار إيدنهوفر كبير الاقتصاديين في معهد بوتسدام لبحوث التأثيرات المناخية. ففي مقال له بعنوان "من يملك الغلاف الجوي؟" يقول إيدنهوفر:"لا يمكن الاستغناء عن الجهود المبذولة لحماية المناخ على المستوى المحلي والإقليمي. كما أن أفكار اوستروم كانت مصدر إلهام لكثير من الناس، وتتنوع الأمثلة العملية ومنها أنظمة الطاقةالشمسية التي يديرها السكان المحليون، والحدائق في المناطق الحضرية
ومشاريع الإمدادات الغذائية الصديقة للبيئة، أو أيضا الاتجاه المتزايد لإنتاج الطاقة بشكل مستقل. ومنذ سنوات إزداد وعي الناس بأهمية الإدارة المشتركة للموارد.
قام الكاتب المتخصص في الكومونات برايان ديفي في إطار حركة " البستنة الحضرية" بالترويج لتطبيق فكرة الكومونات، وهو يرى بأن "الأفكار العظيمة يمكن أن تدفع الناس للتعاون مع بعضهم مرة أخرى، وتقاسم الموارد المشتركة فيما بينهم". هذه الأفكار ارتبطت باسم أوستروم وإليها يرجع الفضل في إبرازها.
الكاتبة: إيفا مانكه/ نهلة طاهر
مراجعة: سمر كرم