عودة كابوس القتال والنزوح.. من يحمي الإيزيديين في سنجار؟
٧ مايو ٢٠٢٢شهدت الأيام الماضية اندلاع اشتباكات بين الجيش العراقي وميليشيا محلية في منطقةسنجار الموطن التاريخي للأقلية الإيزيدية. ما أدى إلى نزوح الآلاف قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وكان الجيش العراقي قد أطلق يوم الإثنين (02 مايو/ أيار) عملية عسكرية ضد ما يُعرف بـ "وحدات مقاومة سنجار" وهي ميليشيا إيزيدية. فيما أسفرت الاشتباكات والقتال العنيف في الأيام التالية عن مقتل جندي عراقي وعشرات من المسلحين الإيزيديين.
وأدت موجة القتال إلى نزوح وفرار حوالي ألف عائلة إيزيدية إلى إقليم كردستان، فيما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن عدد النازحين وصل إلى قرابة عشرة آلاف شخص.
"عاصرنا بأعيننا كابوسا لا يصدق،" بهذه العبارة لخص مراد شنغالي (34 عاما) الوضع الذي تعرض لهسكان منطقة سنجار في الأيام القليلة الماضية. وأضاف في مقابلة مع DW "هاجمت قوات الأمن العراقية الإثنين مليشيات محلية بالأسلحة الثقيلة. كنا ندرك أننا سنكون الضحايا القادمين". وقال إنه قام وأسرته والكثير من الإيزيديين بجمع ما تمكنوا من جمعه من أوراق رسمية وملابس منطلقين صوب مخيم للنازحين بقضاء زاخو في إقليم كردستان العراق.
ورغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق يوم الخميس، إلا أن الآمال تتضاءل في أن السلام قد ساد المنطقة. إذ مازال يشعر الكثيرون بأن الوضع غير مستقر فيما توقع قاسم شاشو، قائد قوات البيشمركة، أن يكون وقف إطلاق النار هشا ما ينذر باندلاع مناوشات واشتباكات جديدة.
وقد دفعت هذه الظروف شنغالي إلى البقاء في المخيم في الوقت الراهن حيث لا يحدوه الأمل في صمود اتفاق وقف إطلاق النار، وهو يشعر بالأمان في المخيم رغم صعوبة وقسوة النزوح.
وأعادت موجة النزوح الجديدة إلى أذهان الإيزيديين ذكريات مريرة من نزوحهم السابق عقب سيطرة تنظيم داعش على الموصلعام 2014 حيث قتل مسلحو التنظيم آلاف الرجال من الإيزيديين، فيما تم سبي وخطف الآلاف من الأطفال والنساء.
كابوس الإبادة الجماعية
وفي أعقاب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على الموصل عام 2014، كان شنغالي محظوظا بعض الشيء، إذ تمكن من الفرار على عكس الآلاف من أقرانه من الإيزيديين الذين تعرضوا لويلات ومآسي وأهوال على يد مسلحي داعش.
ووفقا للأمم المتحدة، فقد قُتل حوالي خمسة آلاف إيزيدي فيما تم خطف سبعة آلاف امرأة وطفل، ولا يزال الآلاف في عداد المفقودين. وقد صنفت الأمم المتحدة والبرلمان الأوروبي الجرائم التي تعرض لها الإيزيديون كإبادة جماعية.
أما من نجوا من حقبة "الدولة الإسلامية" المريرة فلا يزالون يعيشون في حالة صدمة مركبة، ما بين القتل على يد داعش وحقيقة مفادها فشل الجيش العراقي وقوات البيشمركة الذين كانوا يسيطرون على سنجار في ذاك الوقت، في توفير حماية لهم وصد اجتياح داعش.
وفي ذروة القتال واجتياح داعش عام 2014، جاء مسلحون تابعون لحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا ومقاتلون من "وحدات حماية الشعب" التي تعتبرها أنقرة امتدادا لحزب العمال الكردستاني، من أجل الدفاع عن الإيزيديين. وقد ألقت الصراعات والتوترات الإقليمية بظلالها على الأمر، ما أثار استياء بغداد وأنقرة.
أين الأمان؟
وعقب طرد تنظيم داعش من سنجار عام 2015 قبل عامين من إعلان دحر التنظيم في العراق، بدأ مقاتلو وحدات حماية الشعب بتدريب عناصر من ميليشيا "وحدات مقاومة سنجار" الإيزيدية.
بيد أن هذه الميليشيا لم تنجح إطلاقا في توفير الأمان لسكان منطقة سنجار، فضلا عن فشلها في التصدي لفصائل محلية أخرى حاولت السيطرة على المنطقة. فيما يشعر سكان سنجار أنهم أصبحوا كرة يتلاعب بها الأخرون ما بين ميليشيات وفصائل وكيانات سياسية متناحرة.
وقد سلط الهجوم الذي قام بها الجيش العراقي قبل أسبوع، الضوء على الوضع الأمني الهش في الموطن التاريخي للأقلية الإيزيدية، مما زاد من مخاوفهم وقلقهم.
وفي ذلك، يقول شنغالي "لم نتمكن من العيش في هدوء بعد عودتنا إلى منازلنا، ونشعر الآن بالخوف من أن الوضع يزداد سوءًا كما كان في الماضي وقد نصبح ضحايا مرة أخرى". وبنبرة حزينة، يتساءل "ما هو الذنب الذي اقترفناه؟ أننا عراقيون إيزيديين؟"
بدوره، حذر مراد اسماعيل، رئيس أكاديمية سنجار التعليمية، من أن تؤدي حالة انعدام الأمن في سنجار إلى مشاكل وأزمات أخرى. وفي مقابلة DW، قال إن السيناريو الأكثر واقعية يتمثل في "استمرار الوضع الراهن بما يشمل اندلاع اشتباكات متفرقة، وهو ما سيؤدي إلى عمليات نزوح جزئية أخرى".
رفض الانسحاب
الجدير بالذكر أن توقيت العملية التي استهدفت ميليشيا "وحدات مقاومة سنجار" لم تكن وليدة اللحظة، بل أنها تأتي في إطار سلسلة من العمليات التي تستهدف إضعاف هذه الميليشيا. ففي مطلع أبريل/ نيسان، اتفق المشاركون في محادثات ثلاثية بين تركيا وحكومة إقليم كردستان والحكومة العراقية على التعاون المشترك ضد حزب العمال الكردستاني و ميليشيا "وحدات مقاومة سنجار".
وقبل عقد المحادثات وتحديدا في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020، أبرمت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان اتفاقا برعاية الأمم المتحدة، تضمن انسحاب مسلحي "وحدات مقاومة سنجار" من المنطقة، وهو ما رفضته الميليشيا فيما لم يكن زعماء الإيزيديين طرفا في المباحثات.
جينفر هوليس/ م ع
ساهم في إعداد التقرير أزهر الربيعي من العراق