عودة حمدوك لرئاسة الحكومة السودانية: رفض داخلي وترحيب خارجي!
٢١ نوفمبر ٢٠٢١أعيد رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك إلى منصبه الأحد (21 تشرين الثاني/نوفمبر 2021)، وأّلغي قرار اعفائه بموجب "اتفاق سياسي" وقعه مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في القصر الجمهوري بالخرطوم، لكن فتى قتل بالرصاص في التظاهرات المعارضة للانقلاب التي هتف خلالها المحتجون ضد حمدوك أيضا.
وقالت لجنة الأطباء المركزية المعارضة للانقلاب وللاتفاق بين البرهان وحمدوك إن "يوسف عبدالحميد، 16 سنة" فارق الحياة "بعد إصابته برصاص حي في الرأس" من قبل "مليشيات الانقلابيين متعددة لأسماء والمهام والأشكال". وأضافت أنه بذلك يرتفع عدد القتلى منذ انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر إلى 41 قتيلا، وبذلك يكون يوسف عبد الحميد أول شخص يقتل بالرصاص بعد إعلان الاتفاق بين حمدوك والجيش.
"انتحار سياسي"؟
وأعلن تجمع المهنيين السودانيين، الذي لعب دورا محوريا في الانتفاضة التي أسقطت عمر البشير عام 2019 رفضه الاتفاق في بيان شديد اللهجة. وقال البيان إن "اتفاق الخيانة الموقع اليوم بين حمدوك والبرهان مرفوض جملة وتفصيلًا، ولا يخص سوى أطرافه، فهو مجرّد محاولة باطلة لشرعنة الانقلاب الأخير وسلطة المجلس العسكري". واعتبر تجمع المهنيين أن هذا الاتفاق يعد "انتحارا سياسيا" لعبد الله حمدوك.
ورفضت قوى إعلان الحرية والتغيير وهي الكتلة المدنية الرئيسية التي قادت الاحتجاجات المناهضة لعمر البشير ووقعت اتفاق تقاسم السلطة في العام 2019 مع الجيش، اتفاق الأحد. وقالت في بيان "نؤكد موقفنا الواضح والمعلن سابقا أنه لا مفاوضات ولا شراكة ولا شرعية للانقلاب". كما طالبت المجموعة بمحاكمة قادة الانقلاب بتهمة تقويض شرعية العملية الانتقالية وقمع المتظاهرين وقتلهم.
ترحيب أممي وعربي
في المقابل قوبل الاتفاق بترحيب خارجي، إذ رحّبت به الأمم المتحدة لكنها شددت في الوقت نفسسه على "الحاجة إلى حماية النظام الدستوري للمحافظة على الحريات الأساسية المتمثلة بالتحرّك السياسي وحرية التعبير والتجمّع السلمي".
كما رحبت به مصر و"أشادت بالحكمة والمسؤولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا. كما تعرب مصر عن أملها في أن يمثل الاتفاق خطوة نحو تحقيق الاستقرار المستدام في السودان بما يفتح آفاق التنمية والرخاء للشعب السوداني الشقيق"، وفق بيان لوزارة الخارجية المصرية.
ورحبت السعودية كذلك بالاتفاق "لدفع العملية الانتقالية الى الأمام وتحقيق تطلعات الشعب السوداني"، وفق بيان الخارجية السعودية. وأكدت الوزارة "على ثبات واستمرار موقف المملكة الداعم لكل ما من شأنه تحقيق السلام وصون الأمن والاستقرار والنماء في جمهورية السودان الشقيقة".
حقن للدماء؟
وقبل مراسم التوقيع التي نقلها تلفزيون السودان، وصل حمدوك إلى القصر الجمهوري في أول ظهور بعد ساعات من رفع الإقامة الجبرية عنه منذ قرارات البرهان بحل مؤسسات الحكم الانتقالي الشهر الماضي.
وقاد البرهان انقلابا في 25 تشرين الأول/أكتوبر خلال مرحلة انتقال هشة في السودان. واعتقل معظم المدنيين في السلطة وأنهى الاتحاد الذي شكله المدنيون والعسكريون وأعلن حالة الطوارئ.
وبثّ التلفزيون تفاصيل الاتفاق السياسي الذي شمل 14 نقطة في مقدمتها: تولي حمدوك مجددا رئاسة الحكومة و"إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والعمل على بناء جيش قومي موحد".
من جهته جدد البرهان "الثقة" بحمدوك ووجه له الشكر على "صبره وصموده" طوال الفترة الماضية.
أما حمدوك فقال، على ما نقل التلفزيون، إن من الأسباب الرئيسية التي احتكم إليها للتوقيع على هذا الاتفاق "حقن دماء السودانيين"، مشيرا إلى أن "التوقيع على هذا الاتفاق يفتح بابا واسعا لمعالجة كل قضايا الانتقال وتحدياته". وأضاف "فلنترك خيار من يحكم السودان لهذا الشعب العظيم".
تواصل الاحتجاجات
وفي الخرطوم ومدينتي كسلا وعطبرة في شرق وشمال البلاد، واصل آلاف السودانيين احتجاجاتهم ضد الانقلاب العسكري. وتحوّلت الاحتجاجات إلى تعبير عن الرفض للاتفاق السياسي الجديد، حسب ما أكد شهود عيان لوكالة فرانس برس. وقال مراسلو لفرانس برس إن المتظاهرين في الخرطوم هتفوا "يا حمدوك يا ني (نيء) الشارع حي".
وفي المقابل أطلقت الشرطة السودانية الغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين الذين خرجوا مساندين للحكم المدني قرب القصر الجمهوري بوسط الخرطوم.
كانت عودة حمدوك، خبير الاقتصاد الذي تلقى تعليمه في بريطانيا وعمل في الأمم المتحدة ومنظمات إفريقية، إلى رئاسة الحكومة مطلبا رئيسيا للمجتمع الدولي.
وأورد بيان الوسطاء أن الاتفاق تم التوصل إليه بعد توافق بين فصائل سياسية وجماعات متمردة سابقة وشخصيات عسكرية. وأُعلن الاتفاق قبل احتجاجات دعا إليها ناشطون مؤيدون للديموقراطية ضد الانقلاب العسكري، هي الأحدث في سلسلة من التظاهرات التي قتل فيها 40 شخصا على الأقل، وفقا لمسعفين.
وشهد الأربعاء 17 تشرين الثاني/نوفمبر سقوط أكبر عدد من القتلى بلغ 16 شخصا معظمهم في ضاحية شمال الخرطوم التي يربطها جسر بالعاصمة السودانية، حسب نقابة الأطباء المؤيدة للديموقراطية.
وتؤكد الشرطة أنها لا تفتح النار على المتظاهرين وتبلغ حصيلتها وفاة واحدة فقط وثلاثين جريحا في صفوف المحتجين بسبب الغاز المسيل للدموع، في مقابل إصابة 89 شرطيا.
حكومات مدنية بين مسلسل انقلابات
وللسودان تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية وقد تمتع بفترات نادرة فقط من الحكم الديموقراطي منذ استقلاله عام 1956.
وأصبح البرهان الذي خدم في ظل حكم البشير الذي استمر ثلاثة عقود، رئيس السودان بحكم الأمر الواقع بعدما أطاح الجيش الرئيس وسجنه في العام 2019. وترأس الفريق أول البرهان مجلس السيادة الذي ضم شخصيات عسكرية ومدنية مع حمدوك.
لكن الانقسامات العميقة والتوترات المستمرة بين الجيش والمدنيين أثرت سلبا على المرحلة الانتقالية، وبلغت ذروتها بانقلاب البرهان الشهر الماضي.
ويؤكد البرهان أنه لم يقم إلا بـ"تصحيح مسار الثورة". وشكّل البرهان مجلس سيادة انتقاليا جديدا استبعد منه أربعة ممثلين لقوى الحرية والتغيير (ائتلاف القوى المعارضة للعسكر)، واحتفظ بمنصبه رئيسا للمجلس.
كما احتفظ الفريق أوّل محمّد حمدان دقلو، قائد قوّات الدعم السريع المتّهمة بارتكاب تجاوزات إبّان الحرب في إقليم دارفور خلال عهد البشير وأثناء الانتفاضة ضدّ البشير، بموقعه نائبا لرئيس المجلس.
خ.س/أ.ح (أ ف ب، د ب أ)