هل يعيد حزب العمال الدفء لعلاقات بريطانيا والاتحاد الأوروبي؟
٥ يوليو ٢٠٢٤قد لا يوحي مظهر زعيم حزب العمال البريطاني كير ستارمر بأنه مفعم بالحيوية، لكن هذا الشعور لم يقف عائقا أمام رغبة الناخبين في التصويت لصالح حزبه وطي صفحة حكم حزب المحافظين الذي استمر 14 عاما.
من جانبه، أقر رئيس الوزراء ريشي سوناك بهزيمة معسكره معلنا أنه اتصل بكير ستارمر لتهنئته ومتحملا مسؤولية هذا الفشل الذي يبدو أنه غير مسبوق. وكلف الملك تشارلز الثالث ستارمر (61 عاما)، مهمة تشكيل الحكومة.
وأكد رئيس الوزراء البريطاني المقبل أ، "التغيير يبدأ الآن" شاكرا مناصريه ومجددا وعده بحصول "تجدد وطني". وأضاف "لا أعدكم بأن المهمة ستكون سهلة. الأمر لا يقتصر على الضغط على زر لتغيير البلاد بل يتطلب عملا شاقا وصبورا وحازما".
وأشار استطلاع رأي بعد الخروج من مراكز الإقتراع إلى أنه من المتوقع أن يحصل حزب العمال على أغلبية بـ170 مقعدا في مجلس العموم، مع تقليص عدد المحافظين إلى أقل عدد مسجل من المشرعين.
مصير العلاقات مع الاتحاد الأوروبي
وتعهد ستارمر بإنقاذ الاقتصاد البريطاني الذي ما زال يعاني من تداعيات الخروج من الاتحاد الأوروبي. ورغم ما عُرف عنه من معارضته البريكست، إلا أن ستارمر ظل ملتزما الصمت خلال السباق الانتخابي حيال ما إذا كان سيعيد النظر في استفتاء عام 2016 الذي أدى إلى خروج بلاده من التكتل الأوروبي، لكنه استبعد في نهاية المطاف العودة إلى الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي.
وفي مقابلة مع DW، قال ديمتري زينجيليس، الخبير الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد: إن زعيم حزب العمال "لم يذكر الكثير من الأشياء، رغم أنها تحتاج إلى توضيح. وفاء ستارمر بتعهده بإنماء الاقتصاد البريطاني مع البقاء خارج الاتحاد الأوروبي وسوقه الموحدة، سيكون أمرا بالغ الصعوبة".
ويعزو خبراء عدم تطرق ستارمر إلى مناقشة تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي خلال السباق الانتخابي، إلى رغبته في كسب ود الناخبين المحافظين المنزعجين من إدارة الحزب للبلاد بسبب أزمات عديدة أبرزها ارتفاع تكاليف المعيشة.
وقال مايك جالسوورثي، رئيس الحركة الأوروبية في المملكة المتحدة وأحد الداعمين للعودة إلى التكتل الأوروبي، إنه "بعد إغراق البلاد في أزمة اقتصادية، سلم المحافظون ستارمر البلاد في وضع صعب حيث يتعين عليه إخراجها من هذا النفق".
وأرجع الخبير السبب "وراء عدم طرح ستارمر قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" إلى رغبته في تفادي إثارة قضية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية وتضر بفرصه في الانتخابات، لكنه أشار إلى أن الضغوط التي يمكن أن تمارسها الشركات والبريطانيون الذين صوتوا ضد بريكست عام 2016، قد تدفعه في نهاية المطاف إلى معالجة القضية.
وقال جالسوورثي إن حزب العمال "ربما قد وضع خطوطا حمراء"، في إشارة إلى رفضه الصريح للانضمام إلى السوق الأوروبية الموحدة، "لكن هذه الخطوط ستتعرض لضغوط من قبل مجموعات مختلفة تطالب بإجابات واضحة وتحقيق مستوى حياة أفضل".
إعادة النظر في بريكست!
يرى الكثير من الخبراء أن إعادة تصويب العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يعد أمرا ضروريا لتحسين اقتصاد الأخيرة.
ورغم الغموض حيال الوقوف بشكل شامل على الضرر الذي تسبب فيه البريكست على اقتصاد البلاد، إلا أن خبراء يشيرون إلى أن الخروج من التكتل قد ضاعف فاتورة التكاليف بالنسبة للشركات البريطانية وأيضا أدى إلى تقليص التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي يعد أكبر شريك تجاري للبلاد.
وقد أشار المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا إلى أنه منذ بريكست انخفض حجم الاقتصاد البريطاني بنسبة تتراوح ما بين 2 إلى 3 بالمئة فيما يتوقع أن تصل النسبة إلى 6 بالمئة بحلول عام 2035.
كذلك كشفت دراسة أجرتها شركة "كامبريدج للاقتصاد القياسي" عن أن فاتورة البريكست قد تؤدي إلى خفض معدل الاستثمار في المملكة المتحدة بمقدار الثلث، مع خفض عدد الوظائف بمقدار ثلاثة ملايين وظيفة بحلول 2035.
وذكرت دراسة أخرى أن شركة واحدة من كل خمس شركات بريطانية تريد عودة البلاد إلى السوق الأوروبية الموحدة، فيما قالت غرف التجارة البريطانية إن ثلثي الشركات البريطانية التي انخرطت في أنشطة تجارية مع الاتحاد الأوروبي العام الماضي وجدت أن الأمر بات مرهقا.
وأشارت إلى أن نصف الشركات شددت على أن اتفاقيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم تساهم في نمو اقتصاد البلاد، مضيفة أن الاتفاقيات زادت من صعوبات إتمام صفقات تجارية مع بلدان الاتحاد الأوروبي.
تزامن هذا مع حث مجتمع الأعمال البريطاني الحكومة الجديدة على تحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، والعمل على تخفيف الأعباء الاقتصادية الناجمة عن الخروج من التكتل.
وقال رئيس غرفة التجارة البريطانية شيفون هافيلاند إن "الاتحاد الأوروبي هو أكبر سوق للمملكة المتحدة، لذا فإن مغادرة الاتحاد الأوروبي جعلت بيع سلعنا وخدماتنا عبر القناة أكثر تكلفة وبيروقراطية. يجب أن نتوقف عن الحذر الجديد ونوضح الأمور كما هي".
وفيما يتعلق بالرأي العام البريطاني حيال آثار البريكست على حرية التنقل بين بلدان التكتل، قال خبراء إن ستارمر من غير المرجح أن يغامر باستغلال الأمر لتحقيق أهداف سياسة سهلة المنال.
من جانبه، استبعد أناند مينون، أستاذ السياسة الأوروبية والشؤون الخارجية في "كينجز كوليدج لندن"، العمل على إعادة ضبط العلاقات القائمة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، مضيفا "ستارمر يرغب في إنجاز القليل".
فرص لتحسين العلاقات
ويسعى حزب العمال إلى تحسين اتفاقية التجارة والتعاون المبرمة مع الاتحاد الأوروبي عام 2020 بما ذلك إحداث تعديلات لتقليل الإجراءات الورقية والفحوصات الحدودية على المنتجات الحيوانية والاعتراف المتبادل بالمهن والمؤهلات الجامعية.
ويدعو الحزب إلى إبرام اتفاقية دفاعية جديدة مع التكتل تضمن التركيز على تعزيز الأمن الجماعي والتعاون مع صندوق الدفاع الأوروبي الذي يعد بمثابة مبادرة من المفوضية الأوروبية لدعم وتمويل البحث والتطوير الدفاعي المشترك.
وقد ذكر معهد توني بلير للتغيير العالمي مؤخرا أنه "إذا أبرمت المملكة المتحدة اتفاقية دفاعية وأمنية موسعة مع الاتحاد الأوروبي، فمن الممكن أن يمهد ذلك الطريق أمام المشاركة الكاملة في المبادرات الدفاعية المشتركة مثل صندوق الدفاع الأوروبي".
بيد أن المتخصص في الشأن الاقتصادي مينون، يرى أن التكتل الأوروبي لن يوافق على ذلك، قائلا: "لست على يقين بأن الاتحاد يرغب بالانخراط فيما يتعلق بالشق الاقتصادي من المبادرات الدفاعية".
الجدير بالذكر أن خلافات وقعت بين الحكومة البريطانية والاتحاد الأوروبي العام الماضي عندما حاولت لندن توقيع اتفاقيات ثنائية مع دول بعينها داخل التكتل بشأن تسهيل تنقل الشباب.
وعلى وقع ذلك، انتقدت المفوضية الأوروبية في أبريل / نيسان الماضي مساعي بريطانيا توقيع اتفاقيات مع بعض دول التكتل، حيث أدلت بدلوها في الأمر وطرحت مقترحا بشأن تنقل شباب المنطقتين للعمل والدراسة.
وبموجب المقترح الأوروبي، فإن الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا يمكنهم "السفر والعمل والعيش في المملكة المتحدة، مع المعاملة بالمثل لمواطني المملكة المتحدة من الشباب في كافة دول الاتحاد لفترة تصل إلى أربع سنوات."
وأضافت المفوضية أنها منفتحة لمناقشة عودة المملكة المتحدة إلى برنامج التبادل الطلابي الأوروبي المعروف باسم "إيراسموس" والمطبق منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي، لكنها قالت إن "الحكومة البريطانية لم تبد اهتماما بالأمر".
ويبدو أن رفض العودة إلى برنامج "إيراسموس" يحظى بموافقة ضمنية من المحافظين والعمال، إذ قال عمدة لندن صادق خان، السياسي المخضرم من حزب العمال، إنه سيعمل على الخروج ببرنامج تنقل للشباب بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. فيما قال ستارمر إنه سينظر في إمكانية إلغاء ضرورة حصول الموسيقيين والفنانين على تأشيرة للسفر بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي السياق ذاته، قالت ميلاني فوغلباخ، رئيسة قسم السياسة الاقتصادية الدولية في غرفة التجارة والصناعة الألمانية، إنه يتعين على الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة التعاون "لأن الخلافات بين الأطر التنظيمية بين الجانبين ستؤدي إلى خلق المزيد من الحواجز التجارية".
بيد أن مصادر أوروبية قالت إن التكتل غير مستعد لتقديم تنازلات كبيرة. وفي حديث إلى DW، قال مصدر مطلع في الاتحاد الأوروبي إنه "لا يمكن للمملكة المتحدة أن تتمتع بفوائد السوق الموحدة إذا لم تكن بين صفوفه، لأن هذا سوف يشكل سابقة خطيرة لا يمكن للتكتل المؤلف من 27 دولة، تحمل تداعياتها".
ورغم ذلك، يرى جالسوورثي أنه مع بدء سريان بعض اتفاقيات الخاصة بالسفر دون تأشيرة والانخراط في تعاون دفاعي، فإن هذا سوف يؤدي إلى إحداث تغيير في الرأي العام البريطاني قد يعبد الطريق أمام ستارمر للتراجع تدريجيا عن البريكست "إذا كان يرغب في ذلك".
لكن في المقابل، تخرج أصوات أوروبية لتقول إن الاتحاد الأوروبي ليس لديه رغبة في إعادة البدء في فصل مرهق في ضوء تزايد التدابير الحمائية التي تقوم بها بريطانيا.
أعده للعربية: محمد فرحان