عنف المستوطنين المتطرفين يؤجج التوتر في الضفة الغربية
٣ مارس ٢٠٢٣تنتشر في الهواء رائحة الإطارات المحترقة والسيارات التي أُضرمت فيها النيران، في بلدة حوارة الواقعة في الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، والواقعة على الطريق الرابط بين شمال وجنوب الضفة الغربية. الشارع الرئيسي في حوارة الذي طالما كان مكتظا بالناس أضحى فارغا والمحلات مغلقة فيه، ولا يظهر فيه سوى جنود إسرائيليين تمركزوا على جانبيه.
يوم الأحد اندلعت أعمال عنف غير مسبوقة، بعد مقتل شقيقين من مستوطنة "هار براخا" اليهودية القريبة. أطلق مسلح فلسطيني مشتبه فيه النار على هيليل يانيف (21 عاما) ، وياجل يانيف (19 عاما)، عدة مرات من مسافة قريبة قبل أن يفر من مكان الحادث. وفي نفس اليوم، نزلت حشود من المستوطنين الإسرائيليين إلى البلدة الفلسطينية فأحرقوا المنازل وخربوا واجهات المحلات وأضرموا النيران في السيارات.
بعد أيام من الحادث، خرج شعبان للاطمئنان على تجارة أسرته في الشارع الرئيسي في حوارة. كان الأصدقاء والجيران قد تجمعوا بالقرب من متجر الأجهزة الإلكترونية الخاص به، كثير منهم لم يستيقظ بعد من هول صدمة العنف الذي طال البلدة. شعبان قال لـ DW: "بدأ كل شيء بعد ظهر الأحد، عندما جاء المستوطنون برفقة الجيش"، ويشرح بالقول: " اصبح المكان مسرحا هائلا للدمار والنار والعنف".
بجانب متجره، حُرقت بالكامل كل المركبات المتوقفة في ساحة انتظار للسيارات المستعملة. وأكتسى أعلى واجهة المبنى الخارجي اللون الأسود بسبب النيران. "نشعر أننا بحاجة إلى الحماية، لكننا لسنا محميين على الإطلاق"، يقول الشاب البالغ من العمر 29 عاما، والذي يقطن مدينة نابلس المجاورة، ويضيف : "لقد أضروا بالناس والسيارات والبيئة والحيوانات، حتى أنهم دمروا الزهور الجميلة في الأواني هناك".
مستوطنون يبحثون عن الانتقام
المستوطنون كانوا قد دعوا في ذلك اليوم إلى مسيرة انتقامية لمقتل الشابين الإسرائيليين. معلقون إسرائيليون ووسائل إعلام إسرائيلية اتهموا الجيش الإسرائيلي بالفشل في احتواء أعمال التخريب والحرق المتعمد التي استمرت لساعات طويلة. والثلاثاء، أصدر الميجر جنرال يهودا فوكس، قائد القيادة المركزية لجيش الدفاع الإسرائيلي، بيانا قال فيه إن "الحادث في حوارة مذبحة قام بها خارجون عن القانون". واضاف أن الجيش لم يكن جاهزا "لهذا العدد من الاشخاص والطريقة التي وصلوا بها، ولا بمدى التنظيم وشدة العنف الذي أظهروه. وهذا أمر سيئ لم يكن يتوقع حدوثه". وأثناء الهجوم قتل سامح أقطاش (37 عاما) فلسطيني من قرية زعترة، بعد إصابته برصاصة في بطنه. وبحسب المؤسسات الصحية الفلسطينية، أصيب أكثر من 350 فلسطينيا خلال الهجوم.
انتقام لإطلاق النار
بدأ يوم الأحد بإطلاق نار من مسلح فلسطيني مشتبه به على الشقيقين الإسرائيليين من مسافة قريبة قبل أن يفر من المكان ولا تزال القوات الإسرائيلية تبحث عنه. وفي يوم الاثنين قتل رجل إسرائيلي – أمريكي يبلغ من العمر 27 عاما بإطلاق نار وهو يقود سيارة من قبل مجموعة من المسلحين في الغور في الضفة الغربية المحتلة، وهو الحادث الذي أجج دوامة العنف.
كما أن هذه الحوادث أدت إلى تفاقم حدة التوتر السائد في المنطقة في الأشهر الأخيرة. إذ قُتل أكثر من 60 فلسطينيا و13 إسرائيليا منذ يناير/ كانون الثاني، معظمهم خلال غارات عسكرية متزايدة يشنها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، أو نتيجة هجمات من طرف فلسطينيين متطرفين.
إلا أن عنف المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة ليس ظاهرة جديدة، ويمكن القول إن المستوطنات والبؤر الاستيطانية بالقرب من قرية حوارة الفلسطينية ومدينة نابلس هي موطن لبعض أكثر المستوطنين الإسرائيليين تشددا. ويعيش نحو 700 ألف إسرائيلي في مستوطنات بالضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية. وينظر معظم المجتمع الدولي إلى هذه المستوطنات على أنها غير قانونية، كما أنها تشكل عقبة رئيسية أمام أي احتمال لحل الدولتين. ومع ذلك، فقد جعلت الحكومة اليمينية الحالية في إسرائيل التوسع الاستيطاني أولوية لها.
ووفق تقارير العديد من جمعيات حقوق الإنسان، تزايدت حوادث قيام المستوطنين المتطرفين بمهاجمة المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك حرق المحاصيل ومهاجمة وضرب المزارعين والقرووين وتخريب الممتلكات. كما ذكر تقرير صدر مؤخرا عن وزارة الخارجية الأمريكية أن "مصادر مختلفة أفادت بحدوث ارتفاع كبير في مثل هذه الهجمات خلال عام 2021" ، وأنها توسعت من حيث "الخطورة والنطاق". من جانبه قال هيرزي هاليفي، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، إن "أعمال الشغب العنيفة" سيتم "التحقيق فيها بدقة". كما أصدرت الشرطة الإسرائيلية بيانا قالت فيه إنها اعتقلت ستة مستوطنين آخرين مشتبه بهم.
قلق تجاه القادم
الكثير من الفلسطينيين يشعرون بالقلق من أن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة المؤيدة للمستوطنين تشجع على الإفلات من العقاب. إذ بينما أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بيانا مساء الأحد دعا فيه المواطنين إلى عدم "تطبيق القانون بأيديهم"، أعرب عضو يميني متطرف في ائتلاف نتيناهو عن دعمه لمثيري الشغب.
وفي حوارة يتساءل الناس عما يمكن أن تتطور إليه الأمور. زياد الدميدي، فلسطيني يعيش مع عائلته في منزل أمام الطريق الرئيسي قال لـ DW: "هناك بالتأكيد تدهور، لا أشعر بالأمان، الوضع غير مستقر". يحاول زياد استرجاع أحداث مساء الأحد. يروي أنه مع انضمام المزيد والمزيد من المستوطنين إلى الحشود، حاول البعض اقتحام منزل عائلته. وروى الأب البالغ من العمر 48 عاما: "عندما لم يتمكنوا من فتح الباب، أشعلوا النار في إطارات أمامه. كنت أسمعهم في الخارج وهم يهتفون" إنهم يحرقون المنزل". "شعرت أنه إذا خرجت، فسوف أموت. إذا بقيت، فسوف نختنق من الدخان. كان الأمر مرعبا، لأولادي، وبالنسبة لي، لنا جميعا... مرعب".
العنف رغم دعوات إلى "استعادة الهدوء"
الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والإدارة الأمريكية أدانوا التصعيد الأخير. هادي عمرو، المبعوث الأمريكي الخاص للشؤون الفلسطينية، زار حوارة يوم الثلاثاء و"أعرب عن أعمق تعازيه وأدان العنف العشوائي والواسع النطاق وغير المقبول من قبل المستوطنين" ، بحسب ما نشره مكتب الشؤون الفلسطينية الأمريكي في تغريدة. وأضاف المكتب في التغريدة: "نريد أن نرى محاسبة كاملة ومقاضاة قانونية للمسؤولين عن هذه الهجمات الشنيعة وتعويضات لمن فقدوا ممتلكات أو تضرروا بطريقة أخرى".
يذكر أن الإدارة الأمريكية كانت قد ساعدت يوم الأحد قبل التصعيد الأخير في التوسط لعقد اجتماع رفيع المستوى بين مسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين لتبني إجراءات من شأنها تهدئة التوترات.
تانيا كريمر/ ع.خ