عندما يتحول الفيسبوك إلى وسيلة للوعظ والتخويف
٩ مارس ٢٠١٢قد يحدث أن تفتح حسابك الشخصي على الفيسبوك، لتجد بانتظارك رسالة من شخص قد لا تعرفه، وتتضمن الرسالة دعاء دينيا أو نصيحة تدعوك إلى الانتباه إلى الأمور الدينية. وإذا كانت مستعملة الفيسبوك امرأة عربية وتضع صورة شخصية وهي غير مرتدية للحجاب، فلا غرابة أن تتلقى هي الأخرى رسائل تتضمن آيات قرآنية، و"نصيحة" تدعوها إلى" الحجاب قبل الحساب". مبرر باعثي هذه الرسائل الدينية هو رغبتهم في القيام بعمل ديني، يحصلون من خلاله على "الأجر الديني والحسنات بنقرة زر"، حسب ما يقولون في هذه الرسائل.
الكاتب المغربي عبد النبي داشين يعتبر : "هذا سلوك غير لائق وغير أخلاقي لأنه فيه نوع من التهجم على الحياة الخاصة للناس ومن الناحية الأخلاقية لا يحق لأحد أن يتطاول على حياة الآخر." وعلى الصعيد العقائدي والديني يقول داشين، والذي فقد أخاه في تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية في سنة 2003، :" العقيدة شأن وجداني بين الإنسان وخالقه، وتجليات هذه الممارسة يمكن قراءتها في إطار صيرورة الهجوم على الحريات الشخصية وأيضا التوظيف السياسي وغير المجدي للدين في الحياة اليومية. إذن هذا أمر لا يمكن قبوله من الناحية المبدئية."
"الانضمام الإجباري" لمجموعات متناقضة
صار الفيسبوك في السنوات الأخيرة خبرة تقنية ملكا لكل الناس، بمختلف الحضارات والديانات والتيارات الفكرية، كما كان الناس في السابق وإلى اليوم يُقبلون على استخدام الهاتف مثلا. غير أن "الفيسبوك ليس وسيلة اتصال عادية" كما تقول ماريا روتينغر، صحفية وباحثة ألمانية كانت قد أنجزت دراسة حول قوة تأثير الفيسبوك في حملات التعبئة السياسية. وتقول روتينغر: "بالتأكيد للفيسبوك قدرة تأثيرية مقارنة بوسائل الاتصال القديمة، فعندما تنشر مساهمة معينة على صفحتك، فإنك تخبر الكثير من الأشخاص بهذه المعلومة بنقرة واحدة، ولا تحتاج أن تتصل بكل واحد على حدة".
وإذا كان بعض الأفراد يقومون بإرسال رسائل دينية بشكل فردي، فإن هناك طريقة جديدة تفرض على مستعمل الفيسبوك أن يتواجد في مجموعة، ذات توجهات دينية أو سياسية معينة، بحيث يقوم أحد أصدقائك بإدراج اسمك بإحدى هذه المجموعات دون الرجوع إليك، وأحيانا كثيرة دون موافقتك. حتى يجد المرء نفسه عضوا في مجموعة ذات توجهات أيديولوجية متباينة بل ومتناقضة، فيضطر مستعمل الفيسبوك كل مرة للخروج من هذه المجموعة إن كانت لا توافق توجهاته. وهذا أسلوب لا تستخدمه المجموعات ذات التوجهات الدينية فقط، لكن ذات التوجهات السياسية والتجارية أيضا. وتقول ماريا روتينغر عن تأثير الفيسبوك بالنسبة لعمل هذه المجموعات:" لا يمكن الجزم بقوة تأثير الفيسبوك وحدها في عملية التعبئة أو إيصال المعلومات، لأن هذه الجماعات السياسية أو الدينية تستخدم وسائل إعلامية وتواصلية أخرى كتويتر، أو يوتيوب...وغيرها. إذاَ أبقى حذرة من تقييم عام لقوة الفيسبوك".
" أداة عنف نفسي وإرهاب فكري"
وأحيانا قد تتجاوز بعض الرسائل الدينية التي يتلقاها المرء، أسلوب الوعظ والإرشاد إلى أسلوب التهديد، حيث أن صاحب الرسالة ينذرك بأن يحصل لك مكروه إن أنت لم تقم بإعادة نفس الرسالة التي توصلت بها، وكثيرا ما يطلب أن تتم إعادة إرسال الرسالة إلى عشرة أشخاص أو أكثر. يقول الكاتب المغربي عبد النبي داشين بهذا الصدد:" كيف يمكن استغلال وسائل تكنولوجية وُجدت في خدمة التواصل وتسهيل حياة الناس ضدا على حياة الناس، و لِلَجْم حياتهم وحريتهم، باعتبار الحرية مبدأ مقدس" ويتابع داشين:" إذاً هو تجل آخر للعنف الفكري والنفسي على الناس"، معتبرا هذا النوع من الممارسات أخطر من العنف المادي أحيانا.
كيف يمكن الحد من هذه الظاهرة؟
هناك خطوات تقنية وعملية يمكن إتباعها للحد من وصول رسائل من مجهولين. تقول ماريا روتينغر: "يمكن للمرء التحكم في الفيسبوك، فأنت الذي تختار أصدقاءك، وبالتالي يمكنك شطب الصديق المروج للأشياء التي لا تعجبك". كما أن الفيسبوك يخول لمستعمله أيضا تعطيل خدمة استلام رسائل من شخص لا يكون صديقك على الفيسبوك، بحيث يصير صعبا على أي شخص إرسال رسالة مجهولة المصدر. ويقول عبد النبي داشين:"ينبغي أولا التنديد بهذه الأفعال إضافة إلى القيام بحملات توعوية لإعادة النظر في توظيف هذه الوسائط، وفي ايجابياتها وسلبياتها". ويتابع الكاتب المغربي:" يجب أن يكون هذا الأمر شأنا وطنيا في كل بلد. كما يجب أن ننطلق من المدرسة ثم البيت والشارع والمجتمع المدني، والتنبيه إلى هذه الوسائط، وإلى حسن استعمالها وسوء استعمالها". كما يدعو داشين إلى ضرورة بث الوعي والترويج من خلال هذه المواقع الاجتماعية نفسها إلى ثقافة مضادة، قيمها التسامح والتواصل والتواجد الإنساني.ويقول: يجب أن نستحدث من خلال هذه المواقع الاجتماعية حوارا عميقا وصريحا ومصححا أيضا، وذلك لمناهضة الحوار المضلل والتوجه الذي يزعم أنه ذو طبيعة دينية. لأن الدين أسمى من هذه الترهات".
ريم نجمي
مراجعة: عبده جميل المخلافي