عن بوابة السماء وفقراء الحج وأغنيائه
١٨ نوفمبر ٢٠١٠عدت مرة أخرى إلى منى بالقرب من مكة المكرمة، التي يقضي فيها نحو مليونين ونصف المليون حاج ليلتهم في الخيام. اليوم هو آخر أيام الرجم، وأيضا آخر أيام الحج، وهو فرصتي لألقي نظرة أخيرة، ممزوجة بقليل من الشجون، على الكعبة، التي يطوف حولها الحجاج طواف الوداع. هذا لا يعني أنني سأغادر السعودية مباشرة بعد انتهاء الحج، بل سأبقى بعض الوقت في مدينة جدة، لأنقل لكم المزيد من انطباعاتي.
أثناء زيارتي للكعبة تذكرت سؤالاً من سيروبوغو، الذي يود معرفة ما إذا كان المسلمون يؤمنون بوجود بوابة تفضي إلى السماء فوق الكعبة مباشرة، وعن منع الطائرات من التحليق فوق مكة لهذا السبب. إن بوابة السماء برأيي من الخرافات، فأنا لم أسمع عن مثل هذا الشيء مطلقاً. حتى الحجاج الذين سألتهم لا يعرفون شيئاً عن بوابة السماء.
سبب اعتقاد البعض بوجود مثل هذه البوابة قد يكون اختلاط المعتقدات الدينية بالتقاليد والخرافات، وهو ما يحصل أحياناً. أما بالنسبة لمنع الطائرات من التحليق فوق مكة، فهل يشمل هذا المنع المفترض الطائرات المروحية؟ لأنني أرى مروحيات تحلق فوق مكة ليلاً ونهاراً لمراقبة سير الحجاج وتنسيق جهود قوات الأمن والإسعاف.
لكن بالرغم من تشديد الإجراءات الأمنية هذا العام والتسهيلات المقدمة من السلطات السعودية، شهد موسم الحج هذا العام وفاة عدد من الحجاج، لكن عددهم ضئيل مقارنة بالسنوات الماضية. هذا ولم تعط السلطات أي تفاصيل عن الوفيات هذا العام، إما لأنهم لا يريدون أو ليسوا مخولين بالإفصاح عنه. إلا أن موسم الحج هذا العام لم يشهد موجات فزع أو تدافع – والحمد لله – بفضل تعزيز الإجراءات الأمنية.
مهمات سوزان الخطرة
سوزان باعقيل لا تزال تتذكر بكل وضوح مئات الحجاج الذين لقوا حتفهم عام 1997 في تدافع نتج عن حريق في وادي الحجاج بمنى. سوزان هي أول مصورة صحفية في المملكة العربية السعودية، وكانت قد تابعت هذا الحدث المأساوي من السماء، إذ التقطت صوراً من طائرة مروحية تركت بابها الجانبي مفتوحاً. وتشرح سوزان باعقيل: "مثل هذه المهمات خطرة، لكنني مصورة شغوفة". ولدت سوزان في اليمن، مثلي، وتتكلم أربع لغات بطلاقة. لا يوجد الكثير من المصورات الصحفيات في السعودية، لكن سوزان تقول إنها تشعر بتقبل الناس لها، فهي لا تعمل لوكالة رويترز الإخبارية فقط، بل تقوم أيضاً بتصوير الأعراس! ابنة سوزان، جنة، تضيف مبتسمة: "أول شيء رأيته بعد ولادتي لم يكن أمي، بل كاميرتها".
فقراء وأغنياء في الحج
كمصورة صحفية لا ترضى سوزان باعقيل بالصور التقليدية فقط، فإلى جانب صور حشود الحجاج البيضاء المعهودة، تحرص المصورة السعودية على توجيه عدستها إلى كل ما لا تود السلطات السعودية إظهاره للعلن، مثل المخيمات التي يبيت فيها الحجاج "غير القانونيين" – أولئك الذين لم يحصلوا على تأشيرة خاصة للحج أو إقامة في مكة، غالباً بسبب عدم قدرتهم على تحمل نفقات السفر والمبيت في الفنادق. حول هؤلاء الحجاج تقول سوزان باعقيل: "أحاول من خلال صوري إظهار المعاناة التي يمرّ بها هؤلاء الأشخاص. أريد أن يتعاطف الناس معهم، وربما أن يقوموا بمساعدتهم".
تحيط بهذه المخيمات أكوام من النفايات، ما بين أكياس بلاستيكية، وصناديق الكرتون الفارغة، وبقايا الطعام الملقاة لتتعفن، وذلك لقلة سلال النفايات المتاحة لهم. الرائحة في بعض نواحي المخيم كريهة لدرجة أن بعض الحجاج لا يدخلونها دون ارتداء أقنعة، ليس فقط بسبب اشمئزازهم من الرائحة، ولكن بسبب خوفهم من الأمراض المعدية التي تسببها هذه النفايات.
من ناحية أخرى هناك كثير من الحجاج الأغنياء. أحد من التقيت بهم هنا تلقى 7000 يورو تقريباً من والدته، التي أرادت أن يقضي ابنها حجاً ممتعاً ومريحاً، بما في ذلك المبيت في أحد فنادق مكة الفخمة. هذا يجيب على جزء من سؤال هايمان سعيد، الذي أراد أن يعرف أين يذهب كل المال الذي ينفقه الحجاج في مكة. لا أستطيع سرد كل ما ينفق الحجاج المال عليه، لكن الفنادق هنا تجني الكثير من الأرباح خلال الحج.
زيارة مجانية للطبيب
علي المخلافي
مراجعة: منى صالح