عمى الوجوه: أصدقاء غرباء
٢٥ أكتوبر ٢٠١٣كثيراً ما تواجه المختصة بالمعلوماتية الحيوية والبالغة من العمر تسعة وعشرينعاما، سلفيا تيبمان، مواقف غير اعتيادية نتيجة قدرتها المحدودة على تحديد هوية الوجوه التي سبق لها رؤيتهم. وتسترجع سلفيا من مدينة كيمنتس في شرق ألمانيا بولاية ساكسونيا أحد هذه المواقف، فتقول: "أذكر أن امرأة إسبانية ألقت التحية حارة عليّ في أحد الأيام، في الوقت الذي لم أتمكن من تحديد شخصية صاحبة هذا الوجه. وتبين لاحقاً أنها الفتاة التي التقيتها ثلاث مرات من قبل، حيث علمتها أنا الألمانية وعلمتني هي الإسبانية. كم شعرت حينها بالإحراج".
يطلق علماء النفس على هذه الحالة، عمى الوجوه أو عدم إدراك الوجوه Prosopagnosie. إذ يعاني المصابون به من صعوبة التعرف على الأشخاص من خلال وجوههم. فيجد هؤلاء مثلاً، صعوبة في متابعة الأفلام والمسرحيات، حيث يكون المرء في المشهد الثاني عاجزاً عن تذكر الشخصيات التي ظهرت في المشاهد السابقة. ولا تقف المشكلة عند حدود الأفلام الترفيهية، إذ من الوارد أن تلتقي سلفيا مثلاً بزملاء لها في العمل وتعجز لاحقاً عن تمييزهم من خلال وجوههم: "غضب الطرف الآخر كردة فعل على عدم تذكري له أمر وارد. كما أن هناك من يعتقد أني متكبرة لعدم تمكني من تذكرهم"، تقول سلفيا.
خلل خلقي
لا يرى بروفيسور علم النفس الحيوي والذهني في جامعة بيرن السويسرية، يانيك لوبماير، في ردود الفعل هذه أمراً جديداً. كما يشير الباحث في عمى الوجوه إلى أن المشكلة في هذه الحالات تقتصر على عدم القدرة على تمييز الأشخاص اعتماداً على الوجوه. ورغم أن السبب وراء هذا الخلل غالباً خلقي، إلا أن بعض الإصابات والجلطات المصيبة لأماكن محددة في الدماغ قد تؤدي أيضاً للإصابة به. أما في الحالات الشديدة من هذا الخلل، فإن المصابين يعجزون عن تصنيف الجسم الموجود أمامهم كوجه.
ويرجع السبب في هذا الخلل إلى مشكلة دماغية في التعامل مع المحفزات، إذ يبدأ مخ الإنسان الطبيعي بتحليل الوجه ما إن يلمحه. فتنطلق المحفزات الدماغية من مناطق محددة فيه إلى الصدغ، أي المنطقة الواقعة خلف العين وأمام الأذن من كل جانب. وتنقسم هذه المناطق الدماغية المثارة عند الالتقاء بوجه إلى ثلاثة: أحدها يحلل الحركات البصرية وتعابير الوجه، وآخر يهتم بمعالم الوجه الثابتة، في حين تحاول المنطقة الأخيرة استعادة الذاكرة والمواقف المُخزّنة فيها المرتبطة بهذا الوجه. ويوضح لوبماير أنه "لابد للأقسام الثلاثة من التفاعل معاً بشكل جيد، تماماً كما في الجوقة الموسيقية، من أجل إتمام عملية إدراك الوجوه بنجاح". أما إذا واجه المخ خللا في هذا التفاعل، فعندها تقع المشكلة.
الجهل بالإصابة
يقدر عالم النفس انتشار صعوبة التعرف على الوجوه بثلاث حالات إصابة بين كل مئة فرد. لكنه يضيف أيضاً، أن العدد الحقيقي للمصابين بهذا النوع من العمى مغيبة، إذ أن كثيرين لا يدركون إصابتهم به في الأصل. فهم يربطون المشكلة بضعف في التركيز أو الذاكرة. فيشير عالم النفس إلى أن "إدراكهم بإصابتهم يريحهم في غالبية الأحيان، إذ يتوفر لديهم حينها توضيح لمشكلتهم".
وبغض النظر عن الحالات السابق ذكرها، فإن عمى الوجوه بشكل عام لا يشكل مشكلة كبيرة في الحياة اليومية عامة، إذ يلجأ كثيرون إلى طرق بديلة تساعدهم على التعرف على الأشخاص كطريقة المشي أو اللبس أو الصوت. فتقول سلفيا:" أثناء دراستي، كنت أتعرف على زملائي من خلال أحذيتهم". إلا أن هذه الخدعة فشلت في الحياة المهنية، إذ كثيراً ما يغير زملاؤها أحذيتهم. ولذلك تتتبع سلفيا اليوم طرقاً أخرى. وحتى في حال فشل كل طرق التعرف، فإن ابتسامة لطيفة منها تفي بالغرض.