عملية السلام تعيد للقاهرة دوراً إقليمياً غيبته الأزمات
٢٠ سبتمبر ٢٠١٧تقارب كبير وتفاهم، العنوان الأبرز الذي حملته صور اللقاء الذي جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في نيويورك على هامش دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة. اجتماع، قالت الرئاسة المصرية في بيان لها إنه بحث إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط.
كلمة الرئيس المصري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ركزت أيضاً على موضوع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى أن السيسي قال موجها حديثه للإسرائيليين: "لدينا في مصر تجربة رائعة وعظيمة في السلام معكم منذ أكثر من أربعين سنة ويمكن أن نكررهذه التجربة والخطوة الرائعة مرة أخرى. أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي مع أمن وسلامة المواطن الفلسطيني"، ودعا السيسي الفلسطنيين إلى "الاتحاد خلف الهدف وعدم الاختلاف وعدم إضاعة الفرصة والاستعداد لقبول التعايش مع الآخر مع الإسرائيليين في أمان وسلام".
فهل توشي هذه التطورات بمحاولات مصر استعادة دورها التاريخي في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ وإن صح ذلك: فأي دور يمكن للسيسي أن يلعبه في ظل المشاكل الداخلية في مصر والانقسام بين الفلسطينيين؟
أول اجتماع علني بعد اجتماعات سرية
لقاء السيسي ونتانياهو في نيويورك هو أول اجتماع علني وهذا ما جعله محط اهتمام كبير إلا أنه ليس الأول على الإطلاق فقد تداولت عدة أنباء حدوث لقاءات في الكواليس بين الطرفين، وهذا ما يؤكده الدبلوماسي الإسرائيلي إسحق ليفانوف، الذي شغل في السابق منصب سفير تل أبيب في القاهرة. ويقول ليفانوف في تصريحات لـDW عربية إن هذا الاجتماع مهم ليس فقط من حيث المضمون الذي حمله، وإنما لكونه أول اجتماع علني بين الطرفين بعد اجتماعات سرية، وهذا يحمل رسالة تؤكد أهمية وعمق العلاقات الإسرائيلية المصرية.
وحسب ليفانوف فإن مصر قادرة على لعب دور الوساطة في عملية السلام أكثر من أي دولة عربية أخرى رغم مشاكلها الداخلية. ويعزو ذلك إلى أن "مصر لديها النفوذ للتأثير على الفلسطينيين وإقناعهم بما قاله عن تجربة السلام مع مصر، كما أنها شريك أساسي في عملية السلام منذ 30 سنة ولا ننسى تاريخها ووزنها في المنطقة بالإضافة إلى المصالح المشتركة مع إسرائيل وعلى رأسها محاربة الإرهاب".
كل هذا يجعل الدور المصري في إحياء السلام أمراً مرحباً به سواء على مستوى السلطة أو الشارع في إسرائيل حسب الخبير الإسرائيلي، أما في الشارع الفلسطيني فإن "هذا التقارب يثير الحزن والكثير من الألم"، خاصة تلك الصورة لتي ظهر فيها الرئيس السيسي ضاحكاً بشدة في اجتماعه مع رئيس الوزراء الاسرائيلي، حسب عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية والدراسات الفلسطينية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس. ويقول قاسم في مقابلة مع DW عربية إن "على مصر أن تكون حذرة من التقارب مع إسرائيل، فنتانياهو لن يقدم أي شيء على الإطلاق لمصر للخروج من أزماتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية".
مصر وسيط بين الفلسطينيين أنفسهم
التقارب المصري الإسرائيلي المعلن سبقه انفراجة في العلاقات بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي تدير قطاع غزة، بوساطة مصرية حسبما ذكرته عدة مصادر إعلامية. وفي هذا الإطار قالت حماس يوم الأحد إنها ستحل "لجنتها الإدارية" لتمكين إدارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس من استعادة السيطرة على قطاع غزة، داعية إياه يوم أمس إلى الاستجابة لذلك بإنهاء عقوباته على القطاع. ورغم ذلك لا يرى الخبير الإسرائيلي ليفانون أن جهود مصر في هذا السياق قد تؤدي إلى مصالحة حقيقية.
ويضيف ليفانون بالقول: "لا أتوقع حدوث مصالحة حقيقية، فحماس شكلت ما يشبه دولة في القطاع لمدة عشر سنوات". ولا يرى الخبير الإسرائيلي أيضاً أن ضغوط القاهرة على حماس قد تكون حققت أي أهداف لإسرائيل، معتبراً أن الإسرائيليين يتعاملون مع السلطة الفلسطينية وليس حماس التي تعبر علانية عن رفضها لدولة إسرائيل. ويضيف ليفانون: "عندما تتمكن مصر من إقناع حماس مثلاً بتنفيذ عملية تبادل جثث الجنود معنا، وقتها يمكن القول إن هذه الضغوط حققت هدفاً لإسرائيل".
وبالموازاة مع هذه الانفراجة بين السلطة الفلسطينية وحماس، تحاول مصر لعب دور الوساطة على مستوى الخلافات الموجودة داخل حركة فتح نفسها، وهي الوساطة التي يبدو أنها لم تؤد حتى الآن إلى تقريب وجهات النظر.
وبخصوص حجم التأثير الذي يمكن أن تمارسه القاهرة على الفصائل الفلسطينية، يقول الخبير الفلسطيني عبد الستار قاسم إن كل الفصائل الفلسطينية لديها ثقة في حكومة مصر وشعبها ومازالت تعتبر هذا البلد ركيزة في الساحة العربية، "ولكن ليعود الوزن المصري في العالم العربي إلى ما كان عليه في زمن الرئيس جمال عبد الناصر، يجب ان تقوم القاهرة بجهد كبير جداً خاصة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، "فحين تتحدث مصر عن ضلوع أحد الفصائل الفلسطينية في أمور تهدد أمنها القومي، يجب أن يكون حديثها بوثائق وأدلة وبراهين ثابتة وليس مجرد كلام إعلامي وشتائم موجهة للشعب الفلسطيني كما يحصل في بعض التلفزيونات المصرية".
من جهته يقول عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية في حوار مع DW عربية، إن مصر لها سياسة مستمرة ومستقرة في دفع الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي نحو المضي في مسار السلام، وهي مستعدة وتعمل على التواصل إلى صلح فلسطيني فلسطيني، وتوحيد المواقف. وهذا أمر مهم جداً للوصول إلى السلام والقدرة على تمثيل الشعب الفلسطيني في أي اتفاق قادم.
"الحل الإقليمي ضمان لعملية السلام"
ورغم كل هذا الانقسام بين الفلسطينيين يرى الخبير الإسرائيلي ليفانون أن مصر لديها القدرة على لعب دور الوساطة في اتجاه حل إقليمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هذا الحل، حسب الخبير، متوافق عليه دولياً ويحظى حتى بتشجيع دول عربية، وفي هذا السياق أشار ليفانون إلى وجود محادثات وراء الكواليس بين الإسرائيليين ودول عربية في اتجاه إطلاق مبادرة الحل الإقليمي قريباً، وعن الدول التي ستكون جزءا من هذا الحل الإقليمي يقول ليفانون إن معظم دول الجامعة العربية ترحب بهذا الحل. ويضيف ليفانون: "حتى في دولة كالأردن، أوضح استطلاع أجرته مؤسسة أمريكية تتعامل مع الشرق الأوسط أن 85 بالمائة من الأردنيين يدعمون الحل الإقليمي، وفي إسرائيل هناك اقتناع أيضاً بأنه ضمان عملية السلام مع الفلسطينيين".
وعن الضمانات التي قد توفرها إسرائيل للمصريين، يقول عمرو موسى إن هناك علامات استفهام حول مُراهنة مصر على نتانياهو كشريك للسلام، "وربما تكون كثير من الأوساط السياسية الإسرائيلية أصبحت ترى في استمرار الاحتلال عبئاً واستمرار المماطلة نوعا من العبث". لكن موسى لا يعتقد أن المبادرة العربية للسلام سوف تتغير أو تنقلب، قصد الأخذ بالبند الأخير قبل البند الأول.
ويضيف موسى في هذا السياق: "المبادرة العربية باقية على حالها، وهذا الموقف العربي الذي يسانده الرأي العام العربي، بل الرأي العام الدولي، وبالتالي لا فرصة أبداً أن يُقدِم العرب على الاستغناء عن المبادرة العربية أو تغييرها، وهو إجراء غير ضروري ولا منطقي وغيرُ سليم، ولا يؤدي إلى أيّ نتيجة، من غير أن يكون كسباً للوقت، وهو خسارة إضافية للجانب الفلسطيني والعربي".
وفشلت حتى الآن كل المساعي المبذولة للتوصل إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي رغم العديد من اللقاءات والمبادرات الدولية والإقليمية، وفشلت آخر المحاولات في نيسان/ أبريل 2014 بسبب رفض الإسرائيليين وقف بناء المستوطنات وهو ما يعتبره الفلسطنيون شرطاً للدخول والاستمرار في أي مفاوضات بشأن السلام.
سهام أشطو/ع.أ.ح/م.س