"عمليات قتل واسعة وممنهجة لمهاجرين عند الحدود السعودية"
٢٣ أغسطس ٢٠٢٣بسبب الحاجة اضطروا للجوء، ولكنهم كانوا يسيرون إلى حتفهم، حيث قُتل المئات، وربما الآلاف، من المهاجرين الإثيوبيين بالرصاص أو أصيبوا بجروح خطيرة على يد قوات حرس الحدود السعودية، بين مارس/آذار 2022 ويونيو/حزيران 2023، وفقا لتقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش، نُشر في وقت سابق من هذا الأسبوع. هذا ما أفاد به العديد من شهود العيان الذين قابلتهم المنظمة الحقوقية، إلى جانب وثائق أخرى وردت في التقرير، وتدين الجانب السعودي.
تقوم هيومن رايتس ووتش، منذ عام 2014، بتوثيق عمليات قتل المهاجرين على الحدود اليمنية السعودية. ولكن يبدو أن الأشهر القليلة الماضية شهدت تصعيدا متعمّدا، سواء من حيث الأعداد أو طريقة عمليات القتل، وفق ما ذكرت المنظمة الحقوق العالمية. يقول سام دوبيرلي، رئيس مختبر التحقيقات الرقمية في هيومن رايتس ووتش، لـDW: "من الواضح أن نمط الانتهاكات قد تغير من إطلاق النار بشكل عرضي إلى عمليات قتل واسعة النطاق وممنهجة". ويضيف بالقول: من المحتمل أنه لم يتم إطلاق النار على المئات فحسب، بل الآلاف من المهاجرين.
لو ثبت أن عمليات القتل واسعة النطاق والمنهجية هذه كانت أيضا جزءا من سياسة الدولة المتمثلة في القتل المتعمد لمدنيين، فإنها ستكون جريمة ضد الإنسانية، كما كتب معدو التقرير الصادر عن هيومن رايتس ووتش.
"بيد أن شهود عيان أخبرونا بالتفصيل عن الزي الرسمي (الذي يرتديه مطلقو النار). وهذا يدل على حرس الحدود السعودي"، كما يقول دوبرلي. كما أفاد شهود العيان عن وجود أسلحة كبيرة وشاحنات جرى استخدامها. ويضيف دوبرلي: "لذلك نحن مقتنعون أن حرس الحدود السعودي هو المسؤول".
الحرب والفقر
ويعتقد أن معظم الذين قتلوا على الحدود اليمنية السعودية كانوا شديدي الفقر. ويعتبرون السعودية الوجهة التي يمكن أن تحقق أحلامهم وتحسن مستوى معيشتهم. يعيش في السعودية حوالي 750 ألف عامل إثيوبي. وصل معظمهم إلى السعودية بشكل نظامي، كجزء من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين. ولكن أولئك الذين لا يستطيعون السفر جوا أو لا يمتلكون الأوراق المطلوبة لدخول السعودية، يختارون طريقا غير نظامي، وهو الطريق البري عبر اليمن. ولا يأتي الإثيوبيون فقط عبر هذا الطريق، وإنما هناك مهاجرون من بقية دول القرن الإفريقي.
بيد أن المهاجرين الإثيوبيين المسجلين في السعودية يعيشون غالبا في ظروف صعبة، حيث "تعمل النساء في الغالب في منازل خاصة، كعاملات نظافة وفي رعاية الأطفال وما شابه ذلك. فيما يعمل الرجال بشكل رئيسي في البناء"، كما يقول أولف تيرليندن، مدير مكتب مؤسسة هاينريش بول الألمانية في نيروبي، والذي يراقب من هناك التنمية السياسية والاقتصادية في إثيوبيا.
ويشرح تيرليندن، في حديث مع DW، أن معظم المهاجرين الإثيوبيين يضطرون إلى مغادرة بلادهم بسبب مجموعة من العوامل الاقتصادية والسياسية. فيقول تيرليندن: "سجلت إثيوبيا في عام 2022 ثاني أعلى معدل تضخم في قارة إفريقيا كلها، بأكثر من 30 بالمئة". فالاقتصاد في حالة ركود، وتعاني البلاد من نقص هائل في النقد الأجنبي، ونقص في الائتمان، لذلك انسحب المستثمرون. ويضيف الخبير الألماني: "أضف لذلك الجفاف في المنطقة بأكملها، وعدم الاستقرار السياسي، وآثار الحرب في إقليم تيغراي". هذه الحرب التي خلفت، وفقا للتقديرات، ما بين 600 ألف ومليون قتيل خلال عامين. و"لهذا السبب يضطر المزيد من الناس في إثيوبيا إلى مغادرة وطنهم. لأنهم يخشون على سلامتهم الشخصية - أو لأنهم ببساطة لا يرون أي آفاق" للعيش.
عنف بدون رحمة
ويبدو أن حرس الحدود السعوديين تصرفوا بلا ضمير ضد هؤلاء الأشخاص، وبدرجة عالية من العنف السادي الساخر، بحسب أقوال الشهود. العديد ممن قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن الحراس سألوهم: في أي جزء من جسدهم يفضلون تلقي الرصاص. ثم أطلقوا النار عليهم من مسافة قريبة، بحسب ما نقل التقرير عن إفادات لما مجموعه 42 مهاجرا إثيوبيا، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم، خلال الفترة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2023.
كما أفاد عدد من شهود العيان أن حرس الحدود أطلقوا النار عليهم على الفور في بعض الحالات. وفي حالات أخرى، كانوا يسمحون لهم أولا بدخول الأراضي السعودية، ثم يعترضونهم ويسألونهم عن خططهم، قبل أن يطلقوا عليهم النار. فيما قال آخرون إنهم تعرضوا لهجوم بقذائف الهاون وأسلحة متفجرة أخرى بعد عبور الحدود من اليمن إلى السعودية.
وشهد آخرون أن حرس الحدود السعوديين ضربوهم بالحجارة والقضبان المعدنية. وصف فتى إثيوبي يبلغ من العمر 17 عاما كيف أن حرس الحدود السعوديين أجبروه هو واثنين آخرين من الناجين، على اغتصاب فتاتين ناجيتين. وقبلها أطلقوا النار على رجل معتقل آخر لأنه رفض اغتصاب الفتيات.
الوحشية أيضاً من جانب الحوثيين
لم تأت الاعتداءات على اللاجئين من جانب القوات السعودية فقط. فمن الواضح أن خصومهم، أي الحوثيين، الذين تمردوا ضد الحكومة اليمنية في عام 2013، وباتوا يسيطرون الآن على أجزاء واسعة من اليمن التي مزقتها الحرب، يسيؤون استخدام سلطتهم ويعتدون على اللاجئين أيضا. ووفقا لتقرير هيومن رايتس ووتش، فإنهم يسهلون للمهربين والمهاجرين الذين يهربونهم دخول اليمن. ولكن غالبا ما يتعرض بعدها هؤلاء للابتزاز والإساءة، حيث "يتم نقل بعضهم إلى مراكز احتجاز، وحبسهم هناك إلى أن يتمكنوا من دفع رسوم الخروج"، يقول سام دوبرلي، الباحث في هيومن رايتس ووتش، في حديث مع DW.
انتقادات دولية
وصدرت عدة ردود فعل حول العالم بعد نشر تقرير هيومن رايتس ووتش. فقد طلبت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك من الحكومة السعودية التعليق على التقرير. وقالت بيربوك إن وزارة الخارجية الألمانية أوضحت أنه من المهم جدا، أيضا بالنسبة للتعاون الثنائي، أن يكون هناك رد من الحكومة السعودية.
كما صدرت انتقادات من الولايات المتحدة. وكذلك تشعر الأمم المتحدة بالقلق أيضا. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، إن التقرير يتضمن "اتهامات بالغة الخطورة"، مضيفا: "أعلم بأن مكتبنا لحقوق الإنسان على علم بالوضع، وأجرى اتصالات. لكن من الصعوبة بمكان بالنسبة إليهم أن يؤكدوا الوضع على الحدود".
تقارير سابقة عن استهداف المهاجرين
هذه الاتهامات التي قدمها تقرير هيومن رايتس ووتش ليست الأولى من نوعها، ففي أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، كتب خبراء، بالنيابة عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، إلى الحكومة في الرياض حول عمليات القتل واسعة النطاق على يد قوات الأمن السعودية. وكتبوا حينها: إن الأمر يتعلق، على ما يبدو، بنمط "ممنهج من عمليات القتل العشوائية واسعة النطاق عبر الحدود، حيث تطلق قوات الأمن السعودية النار على المهاجرين، مستخدمة قذائف المدفعية والأسلحة الصغيرة".
وكان رد حكومة المملكة حينذاك أنها تأخذ هذه المزاعم على محمل الجد، لكنها رفضت "بحزم" ادعاءات الأمم المتحدة بأن عمليات القتل كانت ممنهجة أو واسعة النطاق. وقالت الحكومة السعودية: "بناء على المعلومات المحدودة، لم تعثر سلطات المملكة على أي معلومات أو أدلة تؤكد أو تثبت هذه المزاعم".
كما نشر مركز التوثيق المسمّى "مركز الهجرة المختلطة" تقريرا، مطلع يوليو/تموز الماضي، اتهم فيه قوات الأمن السعودية بـ"القتل المتعمد لمئات المهاجرين".
السعودية تنفي عدم الكشف عن هويتها
وردا على الاتهامات الواردة في تقرير هيومن رايتس ووتش، نفت السعودية صحة المزاعم، التي تحدثت عن مقتل مئات المهاجرين الإثيوبيين لدى محاولتهم العبور من اليمن الى أراضي المملكة. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر حكومي سعودي قوله إن اتهامات هيومن رايتس ووتش لحرس الحدود السعودي بقتل مئات المهاجرين الإثيوبيين "لا أساس لها من الصحة، ولا تستند إلى مصادر موثوقة".
وظل طلب DW لوزارة الخارجية السعودية من أجل التعليق على التقرير دون رد، حتى ساعة نشر هذا التقرير. كما ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش أنها طلبت رسميا من السعودية التعليق على التقرير، قبل نشره، لكنها لم تتلق أي رد.
في المقابل، جاء رد الفعل من جانب الحكومة الإثيوبية، التي تعتبر السعودية شريكا مهما لها لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، أكثر تحفظا وحذرا. ووفقا لوزارة الخارجية في أديس أبابا، سيتم التحقيق في العملية مع السعوديين. مؤكدة أنه يجب تجنب "التكهنات غير الضرورية" بأي ثمن، لحين انتهاء هذا التحقيق. ووصف البيان العلاقات مع السعودية بأنها "ممتازة".
كيرستن كنيب/ف.ي