الجدل لم يتوقف في السعودية حول خروج المرأة للفضاء العام والسماح لها بالعمل
٢٢ يناير ٢٠١٢منذ زمن كان عمل المرأة السعودية يكاد يقتصر على التعليم في مدارس نسائية مغلقة مما أدى إلى تكدس أعداد كبيرة من النساء العاطلات عن العمل. هذه الوضعية دفعت بالكثيرين إلى المطالبة بفتح مجالات جديدة لعمل المرأة. وكان أبرز المطالبين بفتح مجالات عمل جديدة أمام المرأة السعودية هو وزير العمل السعودي الراحل غازي القصيبي. الوزير الراحل كان قد اقترح بأن يسمح للمرأة السعودية بالعمل في محلات بيع التجزئة الخاصة ببيع المستلزمات النسائية بدلا عن الرجال الأجانب الذين يعملون في هذا المجال، لكن عاصفة من الفتاوي الدينية حالت دون ذلك واضطرت الحكومة لإيقاف هذا المشروع.
مفتي السعودية والمحاولة الأخيرة
في يوليو 2011 أمهل وزير العمل السعودي الحالي محلات بيع التجزئة المختصة بالمستلزمات النسائية 6 أشهر بحد أقصى ليتم توظيف سعوديات بها، كما أمهلت محلات بيع أدوات التجميل 12 شهرا ً، كما حظرت وزارة العمل السعودية عمل المرأة والرجل معا ً في هذه المحلات. وتقدم للعمل في هذه الوظائف أكثر من 28 ألف امرأة حسب وكيل وزارة العمل كما كلفت الوزارة 400 مراقب لتنفيذ مشروع التوظيف.
ومع اقتراب انتهاء المهلة التي منحها وزير العمل السعودي لتوظيف النساء في محلات بيع التجزئة صرح مفتي عام المملكة العربية السعودية، وهو بمرتبة وزير أيضا ً، أن عمل المرأة في هذه المحلات "جرم وخطأً كبير وعظيم، وهو امتهان للنساء". وأضاف المفتي الذي يعتبر على رأس المؤسسة الدينية الرسمية في البلاد قائلا "التاجر المسلم لا يرضى بذلك، لأنه يعلم ما يترتب على ذلك من مصائب، وانحلال للقيم والأخلاق. وليعلم أن التساهل في هذا الباب وافتتاح المجال في هذا الباب لجلب النساء في وجوه الرجال لمحاسبة الباعة ومخاطبة الباعة جرم وخطأ ومخالف للشرع".
ولم تدفع تصريحات المفتي هذه المرة إلى إيقاف برنامج وزارة العمل في توظيف النساء إلا أن رجال أعمال دفعوا بالتوجه للمحكمة الإدارية لإيقاف قرار وزير العمل الذي قال إن التقدم بدعوى أمام المحكمة لن يعطل وزارته في المضي قدما بتطبيق القرار كون القرار أتى بأمر ملكي. ومن المعروف أن المرأة السعودية تحصل على راتب قدره 800 دولار بحد أدنى في هذه الوظائف بينما لا يتجاوز أجر الموظف الأجنبي 300 دولار، وهو ما يفسر غضب عدد من رجال الأعمال من هذا القرار ودفعهم للتوجه للقضاء.
عمل المرأة: اقتصاد حقيقي لا رعوي
الكاتب والصحافي السعودي المعروف جمال خاشقجي، رئيس تحرير سابق ويعمل حاليا ً مدير قناة إخبارية، يقول في حديث مع دويتشه فيله: "بعيدا ً عن التجاذب الإيديولوجي فإن الاقتصاد الذي تقوم عليه السعودية هو اقتصاد حقيقي بحيث أنك إذا عملت أكثر فإنك تحصل على مزايا وقيم ومتع أكبر، بينما ما يدعو إليه البعض هو الاقتصاد الرعوي حيث تنفق الدولة من بيت المال على المواطنين". ويضيف خاشقجي المعروف بآرائه الإصلاحية قائلا: "المرأة الموظفة فرضت نفسها اليوم بدون فتوى دينية وبدون ضغط من الدولة والشاب أصبح يبحث عن امرأة عاملة تساعده في المؤسسة الزوجية". ويرى خاشقجي أن "وظيفة المعلمة التقليدية استوعبت وزاد عدد المعلمات عن حاجة الدولة، والتيار المحافظ يريد دولة ريعية بخصوص المرأة".
وحول تصريحات المفتي يقول خاشقجي: "المفتي لم يتكامل مع وزير المالية والعمل ولذلك اضطرت الدولة إلى تجاوز هذا الرأي أخيرا. والأجمل لو كان رأي المفتي متوافق مع آرائهم ، والفتوى لا توفر وظيفة في النهاية ولا توفر بيتا سعيدا والناس يريدون حياة أفضل والمتطلبات لم تعد متواضعة".
وحول مقترحات البعض بإنشاء مجمعات تجارية نسائية تعمل فيها المرأة ويمنع من دخولها الرجال يقول خاشقجي: "السعودية ليست دولة جبرية لا تفرض على قطاع الأعمال المجالات التي يستثمر فيها ماله، لكن السعودية الافتراضية التي هي في مخيلة هؤلاء فيها تكريس للحالة المنفصلة مائة بالمائة بين الرجل والمرأة وحان الوقت للإخوة المحافظين التحول من الفكرة الافتراضية إلى الحقيقية".
من جانبها تتساءل نسرين أحمد، وهي موظفة في أحد محلات البيع النسائية، عن "الفرق بين بيع المرأة للمنتجات التقليدية في الشارع وبين عملي في محل تجاري مغلق؟ يجب أن يعرف من يعارض عملي أنني خرجت للعمل لإيجاد مصدر دخل أستطيع من خلاله مساعدة أسرتي".
أما جميلة، التي تعمل في أحد هذه المحلات، فتقول في رد على مخاوف البعض: "لقد كان الكثير من النساء يواجهن حرجا ً وهن يشترين ملابسهن النسائية من رجل أما وأقول لمن يحذر من عملنا دعونا نعمل ثم بعد ذلك احكموا علينا".
تركي العبد الحي ـ الرياض
مراجعة: أحمد حسو