عماد الدين حسين: هل اقتربت ساعة الصدام المصري الإثيوبي؟
١٦ نوفمبر ٢٠١٧طبقا لمعومات شبه مؤكدة فإن المفاوضات بين مصر وإثيوبيا بشأن الاتفاق على ترتيبات بناء سد النهضة وكيفية ملئه وتشغيله قد فشلت ووصلت إلى طريق مسدود.
وزراء المياه فى مصر والسودان وإثيوبيا اجتمعوا يومي 11 و12 الماضيين للمرة الـ 17، لكنهم فشلوا في التوصل إلى اتفاق بشأن اعتماد التقرير الاستهلالي الخاص بالدراسات والمقدم من الشركة الاستشارية الفرنسية.
الحكومة المصرية، لا تريد أن تقول رسميا أن المفاوضات فشلت، لأن ذلك يتطلب إجراءات وتحركات محددة أخرى. وبالتالي يصبح السؤال الجوهري هو: هل تقترب مصر وإثيوبيا من ساعة الصدام والخلاف العلنى بشأن مشكلة المياه عموما وسد النهضة خصوصا؟!
من خلال متابعتى الدقيقة لهذا الملف منذ سنوات، ومن خلال التطورات فى الأسابيع الأخيرة، أقول بكل أسف أنه إذا استمرت المواقف الإثيوبية تسير بنفس الوتيرة فإن ساعة الصدام آتية لا ريب فيها.
وفى عجالة سريعة نذكر القراء، بأن إثيوبيا استغلت انشغال مصر بثورة 25 يناير 2011، وقامت فى أبريل من نفس العام بتحويل مجرى مياه النيل الأزرق، لبدء بناء سد النهضة أو الألفية، دون مشاورة دولة المصب وهي مصر، طبقا لما تنص عليه الاعراف والاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
فى فترة حكم جماعة الإخوان، ارتكبوا خطئا قاتلا، حينما عقدوا اجتماعا على الهواء مباشرة، لتهديد إثيوبيا، حيث استغلته بمهارة، للترويج بأن مصر تحاول الاعتداء عليها، لكن للموضوعية فان جوهر المشكلة لم يكن هذا الاجتماع، بل ان الأزمة بدأت في الاستفحال خلال السنوات الأخيرة من حكم حسني مبارك.
وحينما تولى السيسى الحكم، اتبع منهجا مختلفا يقوم على التعاون مع إثيوبيا، والاعتراف بحقها فى إقامة أي مشروعات مائية، طالما أنها لا تؤثر على الحقوق المائية المصرية، السيسي زار أديس أبابا مرات ومرات، بل وخطب فى البرلمان الإثيوبى، ومد يده بغصن الزيتون للإثيوبيين، وقال لهم إن مصر لا تعاديهم بل تريد علاقات قائمة على التعاون والأخوة والصداقة. وترجمة لذلك فان الرئيس المصري لم يقابل مسؤولين أجانب أكثر مما قابل هيلى ماريام ديسالين رئيس الوزراء الإثيوبى فى أديس أبابا ومالابو وشرم الشيخ والقاهرة ونيويورك وعواصم دولية أخرى.
البلدان ومعهما السودان وقعا على إعلان المبادئ الثلاثى فى 23 مارس 2015، الذي شدد على التعاون والتفاهم المشترك والمنفعة العامة للدول الثلاث، وتوفير البيانات اللازمة لإجراء دراسات لجنة الخبراء، واحترام مصالح كل طرف.
اتبعت القاهرة طريق التعاون، لكن إثيوبيا وبعد ست سنوات من بدء تحويل مجرى النيل، يبدو أنها تحاول فرض أمر واقع، حتى لو كان مخالفا لكل التفاهمات السابقة.
المشكلة الراهنة تتلخص فى أن إثيوبيا ومعها السودان تطالبان بإدخال تعديلات جوهرية تعيد تفسير بنود أساسية ومحورية، مما قد يؤثر على نتائج الدراسات الفنية ويفرغها من مضمونها، وبالتالي يجعل مصر تشعر بالقلق من تعثر المسار الفني.
أقول بثقة أن المفاوض المصري وصله ما يشبه اليقين بأن إثيوبيا تماطل وتحاول كسب الوقت. وبالتالي فإن المفاوضين المصريين يرون ضرورة التوقف، وإحالة الأمر إلى المستوى الرئاسي الأعلى في البلدان الثلاثة، وهو الأمر الذي تعارضه أديس أبابا والخرطوم، وتصران على الاستمرار في عقد جلسات فنية، لم تحقق أي تقدم منذ سنوات. الأمر الذي جعل بعض وسائل الإعلام المصرية تتهم الحكومة بالتقصير، واتباع سياسة اللين والنفس الطويل التي لم تجد نفعا مع أديس أبابا، وقال أحد مقدم برنامج فضائى شهير ساخرا: "إثيوبيا بتلعب مصر بالمرجيحة"!.
إثيوبيا أعلنت عدم اعترافها باتفاقية 1929 التي تعطى مصر حق استخدام الفيتو على بناء أى مشروعات فوق النهر، كما ترفض الاعتراف باتفاقية 1959 التي تعطي مصر حصة سنوية من المياه تقدر بـ55 مليار متر مكعب من المياه حينما كان عدد سكانها أقل من 25 مليون نسمة، وهي نسبة ثابتة في ظل وصول سكانها إلى مائة مليون نسمة الآن، علما أنها لا تملك أي موارد مائية غير مياه النيل.
القاهرة اعترفت بحق إثيوبيا فى بناء السد طالما أنه لا يضر بحصتها، لكنها ماتزال ترفض الاعتراف باتفاقية عنتيبي التي تهدر حصتها التاريخية، وحقها في الاعتراض على إقامة مشروعات من طرف واحد، وكذلك تعريف "الحقوق العادلة" التي تسعى دول فى حوض النيل إلى فرضها على مصر، بل والترويج لامكانية بيع حصصها من المياه لمصر!.
السؤال الجوهري: ما الذي ينبغى أن تفعله مصر فى ظل الإصرار الإثيوبي على التهرب من أي التزامات تحسم هذه القضية المصيرية؟!
مصر أبدت حسن النية طوال السنوات الماضية، وتقديري أنها لابد أن تبعث برسالة قوية وحاسمة إلى أديس أبابا بأنها لن تقبل بأي حال من الأحوال المساس بحصتها من مياه النيل.
والرئيس السيسي قال يوم الأربعاء قبل الماضي فى شرم الشيخ أن مياه النيل قضية حياة أو موت بالنسبة لمصر.
هل يعني ما سبق أننا ندعو إلى الحرب؟!.
بالطبع لا، لأن إثيوبيا ستظل هي دولة منابع النيل التي يأتي منها 85% من مياه النيل التي تصل مصر، وعلاقتنا بها، يفترض أن تكون ودية وأخوية وقائمة على التعاون وتبادل المصالح والمنافع، لكن شرط ألا يكون ذلك على حساب المصالح المصرية. تقديري أنه حان وقت أن ترسل مصر رسائل واضحة إلى إثيوبيا، وتبدأ تحركا جديدا، يقوم على توضيح وجهة نظرها للقوى الكبرى والمحافل والهيئات الدولية المختلفة، وكذلك القوى الكبرى خصوصا تلك التى ترتبط بعلاقات قوية مع أديس أبابا.
تقديري انه إذا لم توافق إثيوبيا على الالتزام بقواعد عادلة فى تشغيل السد وكيفية ملئه على مدار سنوات أطول أي عشر سنوات مثلا وليس ثلاثة، بما يحفظ الحقوق المصرية، فإنه ينبغى أن تتحرك القاهرة بأسرع ما يمكن، حتى لا تتفاجأ بأن إثيوبيا تفرض أمرا واقعا، خصوصا أن نسبة البناء فى السد قد وصلت إلى 60 % طبقا لما قاله المتحدث باسم وزارة الري المصرية حسام الإمام.
وإذا لم تجد التحركات الدولية فإنه ينبغي على مصر التفكير فى التقدم بالشكاوى لمجلس الأمن، أو أي جهة دولية أخرى ذات صلة.
أما إذا فشلت كل هذه التحركات، فإنه ينبغي على القاهرة أن تحسم أمرها وأن تخبر أديس أبابا بأن حصتها من المياه غير قابلة للمس، لأنها القضية الأولى بالنسبة للأمن القومي المصري، وتتعلق بالوجود وبالحياة نفسها.
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.