عماد الدين حسين: داعش ينحسر.. لكن هل سيتوقف الإرهاب؟
٢٠ أبريل ٢٠١٧بعد العمليات الإجرامية الأخيرة في كنيستي طنطا والإسكندرية في جمهورية مصر العربية، يسأل كثيرون هل سيتزايد الإرهاب في المستقبل، أم أنه ينحسر ويتراجع كما يقول بعض المسؤولين؟
السؤال مهم، بل هو السؤال الأهم الذي يسأله أيضاً العراقيون والسوريون والليبيون، وكل بلد أو مكان أصيب بهذا الفيروس اللعين، بل ربما كان المصريون محظوظين، لأنه رغم عنف العمليات الأخيرة، فإن ظاهرة الإرهاب ما تزال محصورة أساساً في منطقة محدودة بشمال سيناء، إضافة إلى عمليات نوعية هنا وهناك كل فترة.
الواقع على الأرض يقول إن المساحات التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية في سوريا والعراق، قد تراجعت بنسبة كبيرة ،بعد أن وصلت إلى 60 بالمائة في سوريا مثلاً بعد منتصف 2014. وقتها تمكن "داعش" من اجتياح الموصل بعد انهيار الجيش العراقي هناك،كما تمكن التنظيم أيضاً من احتلال مدينة الرقة السورية إضافة إلى مدن أخرى، كما سيطر التنظيم على عدة مدن ليبية منها درنة وسرت ومناطق أخرى متناثرة، إضافة إلى المناطق التي سيطر عليها تنظيم القاعدة الذي غير اسمه أكثر من مرة، "النصرة" ثم "فتح الشام" في سوريا أو اليمن.
اليوم يكاد "داعش" يلفظ أنفاسه الأخيرة في الموصل، وتراجعت مساحة الأرض التي يسيطر عليها في العراق إلى أقل من 7 بالمائة، وتعرض هو والنصرة إلى ضربات نوعية متتالية في سوريا، خصوصاً في حلب، الأمر الذي مكن الجيش السوري النظامي،مدعوماً من القوات الروسية والإيرانية وميليشيا حزب الله، من تحقيق تقدم نوعي في جبهات كثيرة، لكن ذلك تعثر مؤقتاً هذه الأيام بفعل التدخل الأمريكي وقصف القاعدة الجوية في الشعيرات السورية قرب حمص، على ذمة اتهام قوات بشار الأسد بقصف المدنيين في بلدة خان شيخون بأسلحة كيماوية.
أحد مظاهر التراجع للتنظيمات الإرهابية هو الاتفاق الأخير بين "داعش" و"النصرة" الذي يتيح التنسيق بينهما بعد صراعات دامية، وهو اتفاق يراه مراقبون تمهيداً لتصفية نشاط "داعش" في العراق وتقليص دوره في سوريا.
تراجع التنظيم أيضاً في ليبيا وخسر الكثير من مواقعه، سواء لقوات الجيش الوطني التي يقودها خليفة حفتر في بنغازي ومنطقة الهلال النفطي، أو القوات التابعة لحكومة الإنقاذ في طرابلس.
أما فى مصر، فقد حاول التنظيم أن يؤسس موطئ قدم فى مدينة الشيخ زويد بشمال سيناء، حينما هاجم الكمائن الأمنية للجيش والشرطة المصرية فى توقيت متزامن صباح الأول من يوليو/ تموز 2015، من أجل إقامة ما أسماه "ولاية سيناء"، لكن القوات المصرية نجحت فى إجهاض هذا المخطط، وكان لافتاً للنظر وقتها أن أطرافاً إقليمية ودولية كثيرة سارعت للإعلان يومها إلى أن التنظيم أقام ولايته الجديدة فى مصر ورفع عليها علمه الأسود، وكأنها كانت تنتظر وقوع هذا الأمر!
فشل التنظيم في هذا المخطط، ربما كان مفسراً لعنف الضربات التي حاول توجيهها لقوات الأمن المصرية، بل وإلى المدنيين في سيناء من أول شيوخ القبائل، الذين رفضوا مبابيعته أو أصحاب الشركات والأعمال المدنية، انتهاء بإجباره بعض الأقباط على مغادرة بعض مدن شمال سيناء خصوصاً العريش.
في الأيام الأخيرة شنت القوات المصرية عمليات نوعية ضد أوكار ومخابئ للتنظيم في منطقة جبل الحلال، التي تمتد حوالي ستين كيلو متراً من شمال إلى وسط سيناء.
المنطقة شديدة الوعورة جغرافياً، والتقديرات الأمنية تقول إن التنظيم كان يستخدمها لتخزين الأسلحة والمتفجرات، أو كاستراحات لبعض عناصره التي تتعرض لمطاردات مستمرة. هذه الضربة جعلت كثيراً من خلايا التنظيم النائمة تتحرك، وربما ذلك كان أحد أسباب سر زيادة العمليات الإرهابية الأخيرة.
ونظمت وزارة الدفاع المصرية فى بداية أبريل/ نيسان رحلة لممثلي وسائل الإعلام المصرية إلى جبل الحال، بعد أن تمكنت من السيطرة على معظمه،في رسالة تقول إنها استعادت عنصر المبادأة.
في معظم المناطق التي سيطر عليها "داعش" أو تمدد نفوذه وزاد نشاطه فيها، كان يتمتع إلى حد كبير بحواضن شعبية، والملاحظ أن هذه الحواضن بدأت تنفض من حوله أو تتراجع، سواء بفعل الضربات الموجعة خصوصاً فى العراق وسوريا ومصر وليبيا، أو بسبب ممارساته الإجرامية شديدة البشاعة وتفننه في عمليات القتل بطرق غير معهودة.
بعد كل ما سبق هل يصح القول إن ظاهرة "داعش" إلى زوال وإن الإرهاب سوف ينتهي في المنطقة العربية؟!
هناك تقديرات متعددة تقول إن "داعش" سوف ينحسر جغرافياً، من دون أن يعني ذلك انحساره ايدولوجياً.
إن آجلاً أو عاجلاً ستنتهي ظاهرة "داعش" لأنها ضد الطبيعة وضد أي منطق أو عقل. سيخسر "داعش" نفوذه وسيطرته على الأرض والأمر ينطبق على بقية التنظيمات المماثلة.
لكن المؤسف - أغلب الظن- أن ظاهرة الإرهاب العشوائي ستظل مستمرة إلى فترة لا يعلمها إلا الله وحده.
وهنا يصبح السؤال الجوهري هو: كيف سيكون الشكل الجديد لهذا الإرهاب، وماذا يفترض أن يفعل الجميع من أجل مواجهة هذا الفيروس الخطير؟!
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.