علماء يعثرون على بقايا نباتية وسط الجليد القطبي
٣ يوليو ٢٠١٢DW - عربية: سيد ميلس هل لك أن تحدد لنا طبيعة اكتشافك العلمي؟
مارتن ميلس : ما كنا نتوقعه ثبت بالفعل، فمنطقة القطب الشمالي تأثرت بموجات الحر والبرد الدورية التي مرت على الكرة الأرضية خلال ملايين السنوات الأخيرة لكن المفاجأة الكبرى تتمثل في وجود بعض الأوقات خلال فترات البرد والحر الطبيعية ، زادت فيها الحرارة بشكل غير مألوف إذ ارتفعت بمعدل أربع أو خمس درجات عن المعدل المعتاد مع ارتفاع كبير في نسبة الرطوبة بشكل يفوق ما نعيشه اليوم.
وبالتالي فإننا نعتقد أن الكتل الثلجية في جرينلاند لم تكن موجودة آنذاك أو على الأقل كانت أصغر بكثير مما هي عليه الآن . وينطبق الأمر ذاته على الجليد البحري الموجود في المحيط المتجمد الشمالي الذي لم يكن على الأغلب موجودا بنفس شكله الحالي إذ أن مستوى سطح البحر كان أعلى.
لقد عثرنا في البحيرة التي قمنا بالتنقيب فيها على نبتة التندرا ونرجح أن طول شجيرات الصفصاف كان يبلغ حوالي 20 سنتيمترا مما يشير إلى وجود غابات كثيفة في تلك المنطقة خلال فترات الحر الشديد وهذه الغابات هي عبارة عن الغابات الموجودة اليوم على بعد مئات الكيلومترات في اتجاه الجنوب.
ما هو السبب وراء حدوث هذه الموجات من الحر الشديد؟
حاولنا في بداية الأمر أن نجد مبررا لهذا الارتفاع في درجات الحرارة مستخدمين أحد النماذج المناخية وبآلية معروفة تعتمد على حساب عدة أمور منها الدوران حول الأرض والشمس وتأثيرات غازات الاحتباس الحراري بغض النظر عن الدور البشري لكن هذه الطريقة لم تفلح في حل اللغز.
ويشير هذا إلى وجود عنصر خارجي تسبب في هذا الارتفاع غير المعتاد في درجات الحرارة وهذا العنصر لابد أن يكون قد جاء من المنطقة القطبية الجنوبية .كانت عمليات فحص لرواسب من المنطقة القطبية قد كشفت قبل عدة سنوات أن موجات حارة متفرقة اجتاحت أجزاء واسعة من المنطقة القطبية الجنوبية في نفس الفترة الزمنية التي نتحدث عنها. كما أن الفترة التي ذابت فيها الكتل الجليدية في غرب المنطقة القطبية الجنوبية تتوافق مع الفترة التي رصدنا فيها هذه الموجات شديدة الحرارة في سيبريا.
كيف توصلتم لهذه المعلومات؟
توجد بحيرة قديمة للغاية يقدر عمرها بـ 6ز3 مليون سنة في أقصى شمال شرق سيبريا. تكونت هذه البحيرة نتيجة تساقط كميات كبيرة من النيازك. ولم تتجمد هذه البحيرة في الفترات الباردة خلال التاريخ الحديث للكرة الأرضية وبالتالي فإن الرواسب الحجرية بالبحيرة مثل الكتاب المفتوح الذي يحكي الكثير عن تاريخ البيئة والمناخ.
المثال على هذا هو حبوب اللقاح والأبواغ (خلايا تكاثر لا جنسية) الموجودة بالوحل والتي تكشف عن نوعية الأغطية النباتية التي كانت موجودة حول البحيرة وبما أننا نعرف الظروف المناخية التي تحتاجها أنواع النباتات المختلفة فبوسعنا قياس درجات الحرارة وكمية الأمطار والثلوج آنذاك.
ما أهمية هذه الاكتشافات وتأثيرها على أبحاث المناخ ومستقبل قضية التغير المناخي؟
الواضح أن الموقف في نصف الكرة الأرضية الشمالي ليس بمعزل عن التغيرات في المنطقة القطبية الجنوبية وهو الأمر الذي كان نرجحه في السابق ولكن هذه هي المرة الأولى التي نرصد فيها هذا الارتباط بين القطبين الشمالي والجنوبي.
ويجب وضع هذا الارتباط المتبادل بعين الاعتبار في أبحث المناخ المستقبلية خاصة مع وجود مؤشرات واضحة لتراجع كميات الجليد في غرب القارة القطبية الجنوبية الأمر الذي ممكن أن يحدث بسرعة أكبر خلال الأعوام والعقود المقبلة. وإذا وصلنا لهذه المرحلة فسيكون لدينا نموذجا مطورا من قبل الباحثين لما يمكن أن يصير إليه الوضع في المستقبل.
تشير أبحاثكم إلى أن المنطقة القطبية كانت أكثر دفئا في الماضي أي بدون مسألة الإنبعاثات الغازية التي يتسبب فيها الإنسان في عصرنا الحاضر فهل يعني هذا أن الإنسان برئ من ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ؟
أعتقد أن العلماء الجادين في عصرنا الحاضر لا يشككون مطلقا في تأثير الأنشطة الإنسانية وخاصة الإنبعاثات الغازية على المناخ. لكن بالنسبة لعالم الجيولوجيا فهو يعرف أن الظروف على كوكبنا تتغير وهناك تغيرات مستمرة كانت موجودة في الماضي أيضا وعلينا التعرف على هذه التغيرات الطبيعية وربطها بالتغيرات الناتجة من الأنشطة الإنسانية ومحصلة الأمرين معا هي عبارة عن النتيجة التي يمكننا توقعها في المستقبل.
البروفيسور مارتن ميلس أستاذ بمعهد الجيولوجيا بجامعة كولونيا. أجريت هذه التجربة العلمية في عام 2009 إلا أن نتائج التحليل الدقيق لها نشرت في مجلة "ساينس" المتخصصة في حزيران/يونيو 2012
أجرت الحوار: إرينه كفايلِه
ترجمة: ابتسام فوزي
مراجعة: هبة الله إسماعيل