علامات استفهام حول هجرة آلاف الشباب من تونس الى ايطاليا
١٧ فبراير ٢٠١١أعلنت وزارة الخارجية التونسية في بيان أصدرته يوم 13 فبراير/شباط الجاري "رفض" تونس "القاطع" لطلب وزير الداخلية الإيطالي روبرتو ماروني إرسال قوات إيطالية إلى تونس لوقف تدفّق المهاجرين غير الشرعيّين انطلاقا من سواحل تونس نحو جزيرة لمبيدوزا الايطالية. وفيما اعتبرت الوزارة أن المسؤول الايطالي "مسّ من سيادة" تونس، انتقد الطيب البكوش الناطق الرسمي باسم الحكومة التونسية المؤقتة بشدّة طلب وزير الداخلية الإيطالي، وقال إنه "يحلم بعهد الفاشية وهذا العهد ولّى ومضى".
هجرة سرية أم هروب من العدالة ؟
خميس كريمي الصحافي المهتمّ بالقضايا الجيواستراتيجية ربط خلال حوار مع دويتشه فيله بين تدفّق هذا العدد الهائل من المهاجرين غير الشرعيين على إيطاليا في بضعة أيام فقط وبين هروب نحو 10 آلاف مسجون من المعتقلات التونسية عقب الإطاحة بنظام الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011.
ولم يستبعد كريمي أن يكون أغلب المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى إيطاليا من المساجين المحكومين بفترات سجن طويلة قائلا إن حركة الهجرة غير الشرعية هذه هي بالأساس عملية "هروب من السجن والعدالة"، ملاحظا في الوقت نفسه أن المساجين الهاربين وجدوا أنفسهم بين خيارين لا ثالث لهما: إما العودة إلى السجن لاستكمال بقية فترة محكومياتهم الطويلة أو الهروب من تونس إلى إيطاليا "بعد أن وجدوا "تسهيلات لوجيستيكية" من الداخل والخارج وعوامل جويّة استثنائيّة مواتية للإبحار.
وأضاف أن حالة الانفلات والفراغ الأمني في المناطق الجنوبية لتونس شجع "الحارقين" على الإبحار في أمان. وقال إن قوارب المهاجرين انطلقت بالأساس من سواحل في جنوب البلاد (مدينتي جرجيس وقابس) لأن أغلب قوات الجيش التونسي منتشرة على الحدود البرّية لتونس مع كل من ليبيا والجزائر فيما تتركّز أغلب وحدات القوات البحرية في سواحل بشمال البلاد ووسطها.
الباحث الاجتماعي طارق بلحاج محمد أيّد في حوار مع دويتشه فيله جزءا من هذا الطرح، وقال إن آلاف المساجين "من ذوي السوابق الخطيرة" هربوا من السجن ثم هاجروا بشكل غير شرعي نحو إيطاليا "للافلات من العقاب" مستغلين حالة "ترهّل الجهاز الأمني التونسي واضطرابه" في هذه الفترة. لكنه لاحظ أن من بين "الحارقين" أعدادا من "المهمّشين" انتهزوا الفرصة للهروب إلى أوروبا لشعورهم بأن "معاناتهم ستطول مع الحكومات القادمة وخاصة بعد الانفجار المطلبي للعاملين في جميع القطاعات". ووصف الباحث الخطاب السّياسي للحكومة المؤقتة الّتي تسيّر شؤون البلاد (منذ يوم 17 يناير/كانون الثاني الماضي) بأنه "يغلب عليه طابع الارتجال وعدم التناسق" وهو ما لا "يعزز ثقة التونسيين المفقودة أصلا في الحكومات السابقة".
"تواطؤ داخلي وآخر خارجي"
لم يستبعد خميّس الكريمي وجود "تواطؤ"داخلي وآخر خارجي لتسهيل إبحار عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين في هذا الوقت الوجيز نحو إيطاليا.وقال:"وإلا كيف تدبّر مسجون هارب أو عاطل معدم مبلغا يعادل 1000يورو لدفعه لمهرّبي الأشخاص؟".وأفاد أن بقايا النظام السابق، وخاصة حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم في عهد زين العابدين بن علي وبعض المسؤولين الأمنيين الذين يدينون بالولاء للرئيس المخلوع لن يتورّعوا عن تمويل عمليات الهجرة غير الشرعية وتسهيلها لإحراج الحكومة الانتقالية وإظهارها وكأنها عاجزة عن ضبط الأمن في البلاد.
وتحوم شكوك واسعة داخل تونس حول تورط دول مجاورة لتونس في تسهيل تدفق المهاجرين غير الشرعيين الى أوروبا بغية افشال انجازات الثورة الشعبية التونسية. وقد انطلقت قوارب بأعداد كبيرة ودفعة واحدة من بلدة جرجيس القريبة من الحدود الليبية والمطلة على الجزر الايطالية في البحر الأبيض المتوسط. ويقول خبراء ان ما يعرف بمافيا الهجرة غير الشرعية لها أيضا دور كبير في الاتجار بالبشر في اتجاه أوروبا . ويشار هنا الى أن رئيس الوزراء الايطالي الحالي سيلفيو برلسكوني يواجه هو الآخر هذه الأيام مشاكل أخلاقية خانقة تجعل من مصلحته تحويل وجهة الرأي العام الايطالي نحو موضوع آخر أكثر إثارة يتعلّق بأمن إيطاليا.
"فزّاعة الإرهاب"
السلطات الايطالية عبرت عن قلقها في أن يكون من بين المهاجرين الذين وصلوا إلى جزيرة لمبيدوزا "إرهابيون" أو متشدّدون إسلاميون قد يشكلون خطرا على الأمن في أوروبا. ويقدّر محامون عدد المسجونين في تونس بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي تم استصداره سنة 2003 بنحو ثلاثة آلاف شخص أغلبهم من الشباب المتأثر بالفكر السلفي الجهادي في حين قال مصدر بوزارة العدل التونسية لدويتشه فيله إن عددهم لا يتعدى 700.
سمير بن عمر المحامي المتخصص في القضايا المتعلقة بالإرهاب قال لدويتشه فيله إن "فزاعة الإرهاب" التي أطلقتها وسائل إعلام أوروبية بعد وصول آلاف من المهاجرين غير الشرعيين إلى لمبيدوزا "مبالغ فيها". وذكر أن أغلب المسجونين في تونس بموجب قانون الإرهاب "لم يتورطوا قط في أعمال إرهابية وأن سلطات الرئيس المخلوع لفقت لهم تهما زائفة كونهم يطلقون اللحية ويواظبون على أداء الفرائض الدينية، وخاصة صلاة الفجر في المساجد، أو مناقشتهم لقضايا دينية خلال مسامرات أو عبر شبكة الانترنت أو من أجل محاولتهم الالتحاق بالمقاومة العراقية لمحاربة الاحتلال الأمريكي". وأضاف: "أعتقد أن هؤلاء إذا فكروا في السفر فلن تكون أوروبا وجهتهم المفضلة، بل إنهم سيختارون الذهاب إلى العراق أو أفغانستان ".
الجيش ينتشر في نقاط انطلاق قوارب الموت
لم تسجّل منذ الاثنين الماضي موجات هجرة جديدة من تونس نحو إيطاليا. وقال مصدر عسكري لدويتشه فيله إن وزارة الدفاع التونسية نشرت الجيش في النقاط التي انطلقت منها قوارب الموت خلال الأسبوع الماضي وخاصة مناطق جرجيس وقابس والزارات وأن "الأمور تحت السيطرة".
وأعلن وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني الذي حل مساء الاثنين بتونس في زيارة قصيرة أجرى خلالها محادثات مع الوزير الأول محمد الغنوشي أن روما "ستمنح تونس مجموعة من المساعدات العملية تتمثل بالخصوص في وضع تجهيزات ذات تكنولوجيا رفيعة على ذمة الجيش التونسي وشبكة من الرادارات للتدريب بالإضافة إلى معدات أخرى".وكانت تونس أعلنت في سبتمبر/أيلول 2010تأييدها لمطلب الزعيم الليبي معمر القذافي الذي دعا الاتحاد الأوروبي فيه الى دفع 5 مليارات يورو سنويا لوقف الهجرة السرية، لكن الاتحاد وصف المطلب الليبي بأنه "مبالغ فيه"
واقترح ناطق رسمي في وزارة الشؤون الخارجية التونسية آنذاك ضرورة مناقشة الأمر بجديّة مع الاتحاد الأوروبي، نظرا لما تتحمله تونس سنويا من تكلفة باهظة في مجال مقاومة الهجرة السرية باتجاه شمال المتوسط، ولاسيما نحو إيطاليا.
منير السويسي ـ تونس
مراجعة: سيد منعم