علاء الأسواني: من يبايع السلطان عبد الفتاح السيسي.؟
٢٦ فبراير ٢٠١٩عزيزي المواطن المصري
بغض النظر عن انتمائك السياسي أو ديانتك أو خلفيتك الاجتماعية، يجب أن تعلم أن التعديلات الدستورية التي يحاول نظام السيسي تمريرها الآن ستؤدي إلى النتائج الآتية:
أولا: سيظل عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر مدى الحياة وبالتالي سيتم الغاء مبدأ تدول السلطة إلى الأبد. لقد ثار المصريون في يناير 2011 ضد حسني مبارك لأنه استمر ثلاثين عاما في السلطة وأراد أن يورثها لابنه، ثم ثاروا ضد حكم الاخوان عندما أصدر مرسي الاعلان الدستوري الذى يضع سلطة الرئيس فوق القانون، لكنهم يواجهون الآن ديكتاتورا يريد أن يمنح الاستبداد شرعية القانون، وهو يعبث بالدستور الذي وافق عليه الشعب حتى يحتكر السلطة لنفسه ولمن يريد من بعده.
الغريب أن السيسي نفسه قد تعهد علنا بأنه لن يبقى في الحكم الا فترتين فقط (8 سنوات)، وتعهد باحترام الدستور وأثنى عليه باعتباره دستورا عظيما يعبر عن ارادة الشعب، والغريب ايضا أن الدستور نفسه نص بوضوح على انه لايجوز مد فترات الرئاسة مهما تكن الحجج والظروف لكن السيسي يدهس الدستور بحذائه ويريد من المصريين أن يبايعوه سلطانا على مصر.
ثانيا: سيصبح الجيش المتحكم الأوحد في الحياة السياسية والاقتصادية. ان ترزية القوانين الذين فصلوا التعديلات الدستورية من أجل السيسي استوردوا من الأنظمة الفاشية اختراعا اسمه مجلس حماية الدولة، سيضعون فيه قادة الجيش والمخابرات والشرطة وهذا المجلس (الذي سيرأسه السيسي بالطبع) سيكون مسيطرا على كل نواحي الحياة في مصر. وهنا سيتحول الحكم العسكري إلى حقيقة دستورية. اننا كمصريين نعتز بالجيش كمؤسسة وطنية لكننا نرفض أن يتحول الجيش إلى سلطة فوق قانون. اننا نعتز بدور الجيش في حماية الوطن لكننا نرفض أي دور سياسي للجيش. ان البلاد التىي نُكبت بالحكم العسكري في العصر الحديث قد انتهت بدون استثناء إلى كوارث وتدهورت أحوالها حتى وصلت إلى الحضيض.
ثالثا: النظام القضائي المصري بوضعه الحالي ليس مستقلا طبقا للمعايير الدولية، لان ادارة التفتيش القضائي خاضعة لوزير العدل الذي يعينه رئيس الجمهورية. وبرغم هذه التبعية المعيبة فاننا كثيرا ما نرى قضاة شرفاء يصدرون أحكاما ضد ارادة الديكتاتور (مثل الأحكام التي أكدت ان جزيرتي تيران وصنافير مصريتين) لكن التعديلات الدستورية ستجعل من عبد الفتاح السيسي رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، وهو الذي سيعين بارادته المنفردة النائب العام ورئيس المحكمة الدستورية العليا كما أي أي عقود سيبرمها السيسي ستكون محصنة وغير قابلة للطعن وستكون أحكام القضاء الاداري استشارية غير ملزمة.
هكذا سيتحول قضاة مصر جميعا إلى موظفين عند السيسي وسيتم القضاء تماما على مبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ استقلال القضاء، بل ان مصر ستكون أعجوبة بين الأمم فعندما يرأس السيسي السلطتين التنفيذية والقضائية معا سيكون معنى ذلك اما ان مصر ـــ صاحبة التراث القضائي العظيم ـــ ليست سوى أمة من جهلاء لايعرفون معنى الفصل بين السلطات واما ان مصر تحولت من جمهورية إلى سلطنة يحكمها السلطان السيسي وفقا لمشيئته وهواه.
ان هذه التعديلات الباطلة التي يتم تمريرها الآن تلغى فكرة الدولة المدنية الحديثة التي تأسست بنضال الشعب المصري وفقا لمبادئ دستور 1923 وتحيل المصريين إلى عبيد للسلطان بلا حقوق ولا كرامة ولا ارادة.. أؤمن أن المصريين لا يمكن أن يقبلوا هذا الاذلال بعدما ناضلوا سنوات وقدموا آلاف الشهداء من أجل دولة ديمقراطية محترمة يكون الشعب فيها هو السيد.
هناك رفض شعبي عريض يتسع نطاقه كل يوم لهذا العبث بالدستور حتى ان كثيرين من مؤيدي السيسي دفعهم ضميرهم إلى رفض هذا العبث. ماذا نصنع من أجل الدفاع عن الدستور واسقاط هذه التعديلات الباطلة. انقسم الرافضون إلى جماعتين:
1 ـــ المقاطعون
هؤلاء يرفضون أن يشاركوا في مسرحية الاستفتاء المعروفة نتائجها سلفا، وهم يدعون إلى مقاطعة الاستفتاء حتى تصور الصحف ووكالات الانباء العالمية لجان الاقتراع وهي خاوية تماما. عندئذ سيدرك العالم ان المصريين يرفضون مبايعة السلطان.
2 ــــ المشاركون
هؤلاء يعتقدون ان المقاطعة غير مجدية وانها لم تأت بالنتيجة المرجوة في مناسبات سابقة، وهم يعتقدون ان النظام سيستأجر الاتباع ويحشد الموظفين بالأمر ويشحنهم في الاتوبيسات إلى لجان الاقتراع حتى يقدم صورة مزيفة للاقبال على التصويت، كما انهم يعتقدون ان المقاطعة ستجعل التزوير أسهل على النظام وهم يريدون أن يشاركوا ليس لتغيير النتائج المحددة سلفا وانما ليفضحوا التزوير ويكشفوا المهزلة ويثبتوا ان الشعب يرفضها.
أعتقد ان كل فريق له منطق وجيه محترم لكنني أؤمن ان هذه الحركة الشعبية الواسعة لرفض العبث بالدستور ستنجح بثلاثة شروط: أولا، أن تتوحد كل القوى المدافعة عن الدستور وتتناسى خلافاتها فورا. وثانيا، أن نلتزم جميعا بسياسة واحدة اما المقاطعة أو التصويت بلا. وثالثا، سواء اشتركنا أو قاطعنا فلابد أن نعلن عن موقفنا بوضوح خارج صناديق الاقتراع، فاذا قررنا جميعا أن نقاطع ونلزم بيوتنا فلنعلق شارة سوداء مثلا على النوافذ واذا قررنا جميعا أن نصوت بلا فلا بد أن نضع شارة موحدة حتى يعرف العالم حجم الرافضين للعبث بالدستور. عندئذ سيتحول الاستفتاء بنتائجه المزورة إلى اجراء بلا قيمة ولا مصداقية داخل مصر وخارجها.
ان واجبنا الانساني والوطني يفرض علينا النضال من أجل اسقاط هذه التعديلات الباطلة. مهما استمر السيسي في القمع والاعتقالات والتعذيب والاعدامات فسوف تظل مصر دولة عريقة محترمة ويستحيل أن تتحول إلى سلطنة يحكمها السلطان السيسي على هواه.
الديمقراطية هي الحل
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.