علاء الأسواني: ..احضر حبيبتك بنفسك....
٢٢ أغسطس ٢٠١٧أيام الاحتلال البريطاني لمصر شغل اللورد كرومر منصب المندوب السامي البريطاني لسنوات (1882 – 1906 ) وذات ليلة كان مدعوا في حفل غنائي مصري وكان المغنى يردد "هاتولي حبيبي" فيرد عليه الكورس"هاتوا له حبيبه"، واستمرت الأغنية على هذا المنوال لفترة طويلة مما دفع اللورد كرومر إلى السؤال عن معنى العبارة التي يرددها المغنى وعندما ترجمها له جلساؤه صاح اللورد غاضبا:
"ياللمغنى الكسول..!! لماذا لايحضر حبيبته بنفسه بدلا من أن يطلب من الآخرين احضارها له".
بالرغم من ان اللورد كرومر كان استعماريا متعصبا الا انني كثيرا ما أتذكر تعليقه على المغنى وأتأمله، نحن المصريين كثيرا ما نعفى أنفسنا من أداء واجبنا ونطلب من الآخرين أن يقوموا به بدلا منا. هذه الأيام لايجتمع مصري بمصري الا ويتبادلان الشكوى من سوء الأوضاع وارتفاع الأسعار ويوجهان نقدا حادا لسياسات السيسي، ثم بعد أن يفرغا من الفضفضة يتصافحان بحرارة ثم يذهب كل منهما إلى حال سبيله. المصريون يغضبون مع كل ارتفاع للأسعار ويضجون بالشكوى اذا كان امتحان مادة الطبيعة صعبا على أولادهم في الثانوية العامة لكنهم غالبا لا يهتمون عندما يحرمهم النظام من حرية التعبير أو يتم انتهاك الدستور أو العبث به من أجل بقاء السيسي في الحكم كما يشاء.
هذه السلبية ليست قاصرة على المصريين فقد حدثت لكل الشعوب التي عانت من الأنظمة القمعية لفترات طويلة حيث يتحول فيها المواطن إلى كائن منكفئ على نفسه يناضل فقط من أجل تربية أولاده ولا يهمه اطلاقا كل ما يحدث خارج أسرته فهو يهتم للغاية بنظافة بيته لكنه يلقي بالقمامة في منور العمارة وهو يقاتل لتوفيرالمصروفات الدراسية لأولاده أو ثمن ملابسهم الجديدة لكنه يتهرب غالبا من دفع تكاليف الصيانة في العمارة التى يسكنها.. هذا الانكفاء السلبي على الذات من المضاعفات المؤسفة للحكم الاستبدادي. كل من يقرأ التاريخ سيندهش من حيوية المجتمع المصري قبل استيلاء الجيش على السلطة في عام 1952، كانت هناك تيارات فكرية عديدة وأحزاب سياسية حقيقية أهمها الوفد الذى كان قادرا على حشد ملايين الناس للنضال من أجل انهاء الاحتلال البريطاني وتأسيس الديمقراطية.
عندما وصل العسكريون إلى السلطة مارسوا على المصريين قمعا لم يعرفوه من قبل وأسسوا دولة بوليسية متوحشة تسحق كل من يعارض عبد الناصر. هنا تحول المصريون من شعب صانع لمستقبل بلاده إلى شعب سلبي أقصى ما يستطيعه أن يتفرج على الزعيم وهو يتخذ وحده كل القرارات فلا يملك الا أن يؤيدها بحماس أو يلزم الصمت خوفا من سوء العواقب. وقد نشأت أجيال بعقلية سلبية مذعنة يتأرجح تفكيرها بين نظرية المؤامرة وانتظار المعجزة. في عام 1967 ألحقت اسرائيل بمصر هزيمة ثقيلة واحتلت في أيام قليلة سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية. بدلا من أن نحمل عبد الناصر مسؤولية الهزيمة أرجعنا السبب إلى مؤامرة أمريكية..صحيح أن الولايات المتحدة تآمرت ضد عبد الناصر لكنها لم تطلب منه أبدا الابقاء على قائد فاشل للجيش تسبب في فضائح في سوريا واليمن ولم تجبره على انفاق ميزانية مصر على مغامرات عسكرية لا مصلحة لنا فيها.
نظرية المؤامرة مريحة لأنها تعفينا من التفكير في أننا مسؤولون عن الهزيمة لأننا قبلنا بالديكتاتورية العسكرية التي أدت دائما إلى كوارث في كل البلاد التي حكمتها. في كل مرة نعزو فشلنا إلى مؤامرات دولية ضدنا وكأننا نتوقع من حكومات العالم أن تضحي بمصالحها من أجلنا بينما نحن لا نفعل شيئا لحماية مصالحنا بأنفسنا. نحن نلوم أنور السادات لأنه طبق سياسة الانفتاح الاقتصادي التي سلمت مصر إلى كبار اللصوص ونلوم السيسي لأنه تنازل عن جزيرتين مصريتين للسعودية ولا نلوم أنفسنا لأننا نسمح للديكتاتور بأن يفعل بنا مايشاء. الجانب الآخر من العقلية المذعنة يدفعنا إلى انتظار المعجزات فالمصريون يرددون مع كل شكوى دعاء:
"ربنا يولي من يصلح"
وهو دعاء عجيب يستبعد ارادتنا تماما في اختيار من يحكمنا ويجعلنا دائما ننتظر معجزة الهية من اجل الاصلاح .. أعظم اللحظات في تاريخنا حدثت عندما تخلينا عن عقليتنا المذعنة وصنعنا مصيرنا بأيدينا. هكذا أجبرنا الجيش البريطاني على الجلاء وهكذا انتصرنا على اسرائيل في حرب 73 وهكذا أجبرنا حسني مبارك على التنحي وأجبرنا المجلس العسكري على محاكمته. لم يحدث كل ذلك بمعجزات وانما نتيجة نضال المصريين الذين دفعوا أرواحهم ثمنا للعدل والحرية. بعد ثورة يناير استعاد المصريون احساسهم بالواجب فاندفعوا يكنسون الشوارع وكأنهم يعلنون ان بلادهم عادت اليهم وأصبح مصيرها في أيديهم ثم تآمر الاخوان مع المجلس العسكري ضد الثورة. العسكريون أرادوا القضاء على الثورة للحفاظ على مصالحهم والاخوان خانوا الثورة من أجل السلطة. وها نحن الآن عدنا كما كنا. حاكم ينفرد بسلطة مطلقة يدعمه اعلام مأجور ساقط وتسانده آلة قمعية جبارة تلقي بك في السجن سنوات لأنك شاركت في وقفة احتجاجية لبضع دقائق وشعب يعاني بشدة لكنه ينتظر المعجزة التى لن تحدث الا اذا أفاق من السلبية وقرر أن يغير مصيره بيده. الديكتاتور مهما يكن قويا ليس الا فردا واحدا وهو يستمد قوته من اذعان الناس وسلبيتهم فيتمادى في الاستبداد والظلم. لن تنهض مصر أبدا الا اذا آمنا أن عواقب السكوت على الظلم أفدح بكثير من مخاطر مقاومته. اذا أردت رؤية حبيبتك لا تطلب من الآخرين احضارها. اذهب اليها واحضرها بنفسك.
الديمقراطية هي الحل
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.