عقبة كبرى.. من الفارس الذي سينقذ تيك توك في أمريكا قبل حظره؟
٢٤ مارس ٢٠٢٤بات تيك توك، أحد أكثر منصات التواصل الاجتماعي نجاحا في العالم بأكثر من مليار مستخدم في 140 دولة، معروضا للبيع في الولايات المتحدة.
صفقة الشراء تبدو مغرية لأي مستثمر، إذ أن التطبيق يحظى بنحو 170 مليون مشترك أمريكي. بيد أن التطبيق المملوك لشركة "بايت دانس" الصينية ليس فقط مجرد منصة لتبادل المقاطع المصورة الصغيرة وإنما منصة أحدثت ثورة في عالم التواصل الاجتماعي في العالم بأسره، فيما تُصعب المخاوف المتعلقة بالأمن القومي الأمريكي إتمام عملية الاستحواذ بالشكل السهل الذي قد يتوقعه الكثيرون.
تحت الضغوط الأمريكية
لا تنظر الحكومة الأمريكية إلى تيك توك في الوقت الراهن باعتباره منصة افتراضية ترفيهة، بل باتت تعتبره أيضا منصة لنشر الأخبار والمعلومات وتبادلها ما يعني إمكانية استخدامه للدعاية. يُشار إلى أن الولايات المتحدة تفرض منذ عقود قيودا على الملكية الأجنبية لوسائل الإعلام التقليدية مثل محطات الراديو أو التلفاز فيما يرى صناع السياسية الأمريكية أن القيود المفروضة على تيك توك تعد نتيجة منطقية لثورة التكنولوجيا والإنترنت.
وكان مجلس النواب الأمريكي قد أقر الأربعاء (13 مارس / آذار) بأغلبية ساحقة مشروع قانون يجبر تيك توك على الانفصال عن الشركة الصينية المالكة له وبيعه لشركة غير صينية في غضون ستة أشهر أو الوقوع تحت طائلة حظره في الولايات المتحدة.
ولكي يصبح التشريع قانونا، فإنه يحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ فيما تعهد الرئيس جو بايدن بالتوقيع عليه إذا وافق عليه الكونغرس.
وعلى وقع ذلك، ربما ينتظر تيك توك فارسا يرتدي درعا لامعا، لينقذه في الولايات المتحدة. لكن لسوء الحظ فإن دائرة الفرسان ليست بالكبيرة خاصة وأن الملياردير الأمريكي إيلون موسك في حالة انشغال بمنصة "إكس" (تويتر سابقا).
وإزاء ذلك، طرح مراقبون تساؤلات حيال الجهة التي يمكن أن تشتري تيك توك؟ وما مصير 170 مليون مستخدم في الولايات المتحدة في حالة حظر التطبيق في البلاد؟
منذ حقبة ترامب
ولم يكن إجبار شركة "بايت دانس" الصينية على بيع الفرع الأمريكي للتطبيق، وليد اللحظة إذ حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ذلك عبر أمر تنفيذي عام 2020، لكن صفقة مبدئية بين تطبيق "تيك توك" الصيني وشركتي "وولمارت" و"أوركل" الأمريكيتين، قد باءت بالفشل.
تزامن هذا مع فشل حظر التطبيق من متجر تطبيقي أبل وغوغل في الولايات المتحدة.
ومنذ ذلك الحين، تؤكد الشركة المالكة لتيك توك أنها تبذل جهودا كبيرة لحذف البيانات الخاصة بالمستخدمين الأمريكيين من خوادم "بايت دانس"، فضلا عن نقل كافة البيانات والمعلومات إلى خوادم مقرها الولايات المتحدة فيما يقول خبراء إن مثل هذه الخطوة تبقي البيانات الأمريكية بعيدا عن أجهزة المراقبة الصينية، لكن هذا من الناحية النظرية.
في المقابل، يشكك العديد من الخبراء مثل ميلتون مولر، خبير الأمن السيبراني في معهد جورجيا للتكنولوجيا في أتلانتا، في أن تيك توك يشكل تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأمريكي، لكن العديد من ساسة الولايات المتحدة ووكالات الاستخبارات يرغبون في نقل الأمر إلى مستوى أعلى.
من يريد شراء تيك توك؟
وفي ضوء كل هذه المعطيات، فإن شراء الفرع الأمريكي من تيك توك لن يكون صفقة تجارية عادية إذ سيظل الأمر بمثابة حقل ألغام جيوسياسي فضلا عن إثارة الكثير من التساؤلات وأبرزها هل ستظل "بايت دانس" المساهم الأكبر في اتخاذ القرارات حتى من وراء الستار؟ ومن سيقوم بتشغيل وتحديث خوارزميات المنصة القوية؟
وفي ذلك، يرى مولر أن عملية البيع "ممكنة من الناحية النظرية، لكنها معقدة للغاية وغير محتملة على أرض الواقع"، قائلا: "قد لا تسمح الحكومة الصينية بإتمام عملية البيع، فضلا عن الغموض حيال المكاسب في حال إتمام الصفقة".
أما على الجانب الصيني، فيبدو أن شركة "بايت دانس" على أهبة الاستعداد لخوض معركة قانونية، فيما نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر قولها إن الصين تفضل إغلاق منصة تيك توك في الولايات المتحدة على خيار بيعها القسري لمستثمرين أمريكيين.
ويقول خبراء إنه من الصعب منع الوصول إلى التطبيق عبر متاجر التطبيقات حيث سيتعين عليها حظر جميع التنزيلات والتحديثات الجديدة الخاصة بالتطبيق.
وقال مولر إنه تحدث إلى عدد من مستخدمي تيك توك في أمريكا حيث شددوا على أن إنهاء الجوانب الفنية والتشغيلية المرتبطة بالتطبيق لا يمكن أن يتم في غضون فترة قصيرة لا تتجاوز ستة أشهر كما ينص التشريع الأمريكي. وأشار الباحث إلى أن فصل تطبيق "غريندر" عن الملاك الصينيين استغرق عاما.
المزيد من العقبات
وقال مولر إن حظر تيك توك في أمريكا سيؤدي إلى تحديات دستورية، مضيفا "سيكون المستخدمون الأمريكيون هم من سيتم قمع خطابهم وليس الأجانب أو الحكومة الصينية".
وبعيدا عن العقبات الدستورية والحقوقية، ما زال الغموض يكتنف ثمن بيع الفرع الأمريكي لمنصة تيك توك، فيما يرجح محللون أن تتجاوز الصفقة عتبة الخمسين مليار دولار ما يعني وجود عدد قليل من الشركات يمكنها ضخ هذا المبلغ مثل "آبل" أو "أمازون" أو "غوغل" أو "ميتا" وغيرها من كبرى شركات التكنولوجيا.
وفي حالة قيام إحدى شركات التكنولوجيا الكبرى بالاستحواذ على تيك توك، فإن هذا قد يضعها في مرمى مسؤولي مكافحة الاحتكار في الولايات المتحدة، خاصة في ظل مساعي أمريكية للخروج بتشريعات تستهدف مكافحة احتكار عمالقة التكنولوجيا.
وعقب تصويت مجلس النواب، قال وزير الخزانة السابق ستيفن منوشين إنه يعمل على جمع مجموعة من المستثمرين للاستحواذ على فرع تيك توك في الولايات المتحدة، لكن دون الإعلان عن أي تفاصيل.
ونقلت شبكة "سي إن بي سي" عن منوشين قوله "أعتقد أن التشريع بحظر تيك توك يجب أن يتم إقراره، لأنه يجب بيع تيك توك. يجب أن يكون تيك توك مملوكا لشركات أمريكية، لكن يمكن ان ترفض الصين استخواذ شركة أمريكية على هذا التطبيق".
وكان منوشين أحد الأصوات الداعمة لبيع تيك توك إبان حقبة ترامب حيث كان وزير الخزانة في حكومته.
شبح المنافسة الأمريكية-الصينية
ويقول خبراء إن الأزمة بشأن تيك توك ربما لا تتعلق برمتها بشكل أساسي بالأمن القومي الأمريكي، وإنما بالتنافس المحتدم بين أكبر اقتصادين بالعالم.
وفي ذلك، قال ميلتون مولر إن تيك توك بات بمثابة "بيدق في رقعة التنافس على الزعامة بين الولايات المتحدة والصين وقد يتم استغلال ذلك لأسباب رمزية".
وأضاف "يبدو من غير الدقيق وضع تطبيق تجاري للتواصل الاجتماعي على قدم المساواة مع أعمال التجسس. فيما يدخل في هذا السياق وصف رئيس الشركة التنفيذي السنغافوري شو تشيو بأنه يعمل لحساب الحزب الشيوعي الصيني."
لكنه قال إن مثل هذه القضايا المثيرة للجدل تجد قبولا بين بعض الجمهوريين والديمقراطيين "الذين يرون أن الولايات المتحدة منخرطة في منافسة مع الصين للحفاظ على الزعامة الأمريكية".
وحذر مولر من أن إجبار تيك توك على الانفصال عن الشركة الصينية المالكة قد يُستخدم كذريعة ضد شركات التواصل الاجتماعي الأمريكية من قبل بعض الحكومات، مشيرا إلى أن مثل هذه التدابير قد تؤدي إلى "منافسة وابتكار أقل في سوق وسائل التواصل الاجتماعي".
أعده للعربية: محمد فرحان