عصابات تهريب الأفارقة تحوّل سيناء إلى «أرض التعذيب»
١٥ أغسطس ٢٠١٣لم يعلم تسفاى مجابى، 33 عاما، وهو يخرج من أحد أحياء قرية تبعد 70 كيلو مترا عن العاصمة الإريتيرية أسمرة وهو يمشى على قدميه، أنه سيفقد القدرة على تحريكمهما بشكل كامل بعد ثلاثة أشهر جرّاء التعذيب والثقب بآلات حادة والبلاستيك المغلى الذى صبه عليه أفراد من عصابات تهريب البشر إلى إسرائيل لترهيب عائلته وإجبارها على دفع آلاف الدولارات فدية.
يحكى تسفاى قصته مستخدما بعض الكلمات العربية التى تعلمها داخل مخازن الاحتجاز فى سيناء، قائلا: "خرجت من بلدى، إلى السودان فى رحلة استمرت حوالى ثلاثة أسابيع، نقوم فى جزء منها بالسباحة حتى دخول الحدود المصرية، بعد أن يبيعنا السمسار الإريترى لسماسرة آخرين، وعند وصولنا إلى المنطقة الحدودية بمدينة رفح وجدنا أنفسنا فريسة لعصابات قام أعضاؤها بربطنا بسلاسل حديدية من أرجلنا واستمروا فى تعذيبنا بإحراق أجسادنا بخراطيم بلاستيك مشتعلة حتى يقوم ذوينا بتحويل مبالغ مالية طائلة، وتجاوز المبلغ الذى دفعه أهلى 25 ألف دولار".
ويضيف: «ما أوصلنا إلى هذه المرحلة هو آلية يتبعها المهربون وهى القيام ببيعنا إلى بعضهم البعض ونقوم بعمليات تحويل نقدية لكل منهم، وهكذا دائرة لا تنتهى. وخلال فترة التعذيب والابتزاز استطعنا الهروب من أحد مخازن المهربين مع مجموعة يصل عددها 15 متسللا، وساعدنا بعضنا البعض حتى وصلنا إلى منزل الشيخ محمد المنيعى الذى أحضر طبيبا وعالجنا على نفقته ووفر لنا مكانا نقيم فيه، حتى نستطيع مغادرة البلاد والعودة مرة أخرى إلى إريتريا».
بيت مفتوح لضحايا التعذيب
فى منزل الشيخ المنيعى وجدنا عددا كبيرا من المتسللين استطاعوا الخلاص من المهربين ولم يجدوا ملجأ سوى منزل الشيخ، بجواره رقدت فتاة عشرينية قصيرة تدعى ألماز. نحول جسدها ومظهرها يشيران إلى صعوبة التجربة التى مرت بها حتى وصلت لمنزل الشيخ. كانت الفتاة تلف ما تبقى من شعرها بمنديل صغير بعد قيام المهربين بإحراقه بهدف ترويع أهلها فى إريتريا ودفعهم لتحويل مبالغ مالية لإنقاذ ابنتهم.
تقول الفتاة: «صبوا البنزين على شعرى وأشعلوا فيه النار، وصبوا البلاستيك المغلى على ظهرى حتى شارفت على الموت، كما أنهم يتبعون طريقة أخرى لإجبار أهالى الفتيات على تحويل النقود وهى اغتصابهن. وقبل فرارى من مخزن المهربين غلبنا النوم، وعندما حاولوا إيقاظ أحد المتسللين وجدوه ميتا، وعلى الفور غطوه بملاءة سرير، وألقوا به فى سيارة مثل القمامة، وتخلصوا منه فى الصحراء».
وسط هذا العذاب، كان «الأسرى المتسللون» يتمتعون بخدمة خاصة هى إمكانية الاتصال الدولى وبمدد زمنية غير محدودة، وتوضح ألماز: «لا يمنعون أحدا من المتسللين من الاتصال بأى شخص يرغب فى الاتصال به طالما أن ذلك يضمن توفير مبلغ من المال ».
منزل الشيخ د المنيعى تحول إلى ما يشبه ملجأ لضحايا التعذيب من راغبى الهجرة غير الشرعية إلى إسرائيل. الشيخ محمد المنيعى، ليس شيخا بتوصيف العمر، فهو فى الحقيقة شاب فى الثلاثين من عمر، جعل من بيته مأوى لكل المتسللين الهاربين من جحيم عصابات التهريب، يقوم بعلاجهم وإطعامهم دون أى مقابل، وحتى تسليمهم لمفوضية شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة، تمهيدا لترحيلهم إلى بلادهم.
يصف الرجل ما يحدث قائلا: «لا يمكن تبرير عمليات التعذيب التي يتعرضون لها، وقد استطعنا فى الشهور الماضية إنقاذ وترحيل عدد منهم عبر مفوضية شؤون اللاجين بالأمم المتحدة. نحن من جانبنا مستمرون فى محاربة هذه الظاهرة أهليا بكل ما نملك رغم تأكدنا أننا لا نستطيع وقفها دون تعاون رسمى من الدولة». يقول ذلك وهو يبدى دهشته من سهولة اختراق البلاد تحت أعين السلطات.
على المنيعى، شقيق الشيخ الشاب يحاول البحث عن حل عملى للمشكلة، قائلاً: «نحن بصدد عقد عدة اجتماعات مع عقلاء شمال سيناء لمنع تلك الظاهرة، التى انتشرت بصورة كبيرة وتسببت فى تشويه صورة البدو بشكل عام وصورة سيناء بالكامل».
كيف يرى المهربون الأمر؟
للقصة طرف ثان هو أحد المهربين، عضو عصابة للاتجار فى الأفارقة، علق الإدلاء بشهادته على شرط أن يكون حديثا مقتضبا دون الدخول فى تفاصيل كثيرة عن دروب التهريب الحدودية، لأن هذا عمله الذى «يتعيش منه".
يقول أبوفارس (اسم مستعار): «عمليات التعذيب نادرة، ولا تتبعها جميع عصابات تهريب الأفارقة إلى إسرائيل، ومعظم العصابات تقوم بتهريب الأفارقة بمجرد وصولهم إلى المنطقة الحدودية، وهى الرحلة التى تستغرق فى المعتاد نحو 15 يوما إذا لم يحدث ما يعطل مسيرة الرحلة.
ويوضح أبو فارس أنهم يقومون بتهريب المهاجرين من الحدود المصرية السودانية حتى نفق الشهيد أحمد حمدى بالسويس مقابل دفع رشاوى كبيرة ثم يقومون بإيداعهم أحد المخازن، ويضيف: "نقدم لهم الطعام مقابل تحويل مبالغ إضافية أنفقناها بالفعل فى دفع الرشاوى من أجل تسهيل وصولهم إلى النقطة الحدودية، ولا أنكر أن بعض المهربين يقومون بتعذيب المهاجرين الأفارقة من أجل الحصول على مبالغ إضافية".
تسلل رغم عمليات "التمشيط الدائمة"
وسط الجهود الأهلية التى تحدث عنها الشيخ على المنيعى، والاتهامات التى وجهها شقيقه لأجهزة الدولة بعدم بذل المجهود اللازم لإيقاف هذه الظاهرة، يشرح اللواء عبدالوهاب مبروك محافظ شمال سيناء أن عمليات التمشيط تتم على جميع مداخل محافظة شمال سيناء لمنع أعمال التسلل، ولكن رغم هذه الاجراءات تصل أعداد كبيرة من المتسللين إلى الحدود موضحاً أنه "يتم ضبط أعداد كبيره منهم على نقاط التفتيش أو أثناء قيامهم بالتسلل ويتعامل الأمن معهم بإطلاق النار، وتقع بالفعل بعض الإصابات بالمهاجرين غير الشرعيين، وبعد القبض عليهم نبلغ السفارات التابعين لها لترحيلهم إلى بلادهم".
ويضيف: "القتلى سواء برصاص الأمن أو عصابات التهريب، الذين تلقى جثثهم فى الصحراء، ونعثر عليها، نقوم بتسليمها للسفارات أو تشكيل فريق من النيابة العامة وتدفن الجثث المجهولة فى مدن العريش أو رفح أو الشيخ زويد". وأوضح مبروك أنهم يتعاملون مع الجهات الرسمية، وهي سفارات بلدانهم وليست المنظمات الحقوقية، نافيا فى الوقت ذاته ما يتردد عن وجود عصابات للاتجار فى الأعضاء البشرية للمهاجرين غير الشرعيين بعد قتلهم، قائلا: «لا يمكن أن تتم هذه العمليات فى الصحراء، لأن تجارة الأعضاء تحتاج إلى غرف عمليات مجهزة وتحاليل طبية معقدة».
بالمقابل، رفض المسؤول الأمنى الأول فى شمال سيناء اللواء صالح المصرى، مدير أمن شمال سيناء، الحديث عن القضية، أو حتى نفيها، إلا أن مصدرا أمنيا فى المديرية، فضل عدم ذكر اسمه، قال إن الأجهزة الأمنية تعرف أماكن تخزين المتسللين وأسماء المهربين، "لكنهم لا يولونهم اهتماما، ويكتفون فقط بالتركيز على أولوية إعادة الأمن للشارع السيناوى وليس حل مشكلة المهاجرين غير الشرعيين من الأفارقة".
"أسوأ حدود في العالم
منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان أعدت تقريرا مفصلا عن عمليات استهداف المهاجرين غير الشرعيين على الحدود المصرية الإسرائيلية باستخدام القوة المميتة من قبل قوات الأمن. وقدم التقرير عددا من التوصيات إلى الحكومتين المصرية والإسرائيلية ومفوضية شؤون اللاجئين بالأمم المتحدة.
وتقول هبة مرايف مسؤولة مصر بمنظمة هيومان رايتس ووتش الدولية: «هناك نوعان من الانتهاكات، انتهاكات مباشرة من أجهزه الأمن وهى إطلاق النار وقتل المهاجرين، والنوع الثانى هو الاعتقال الذى تقوم به هذه الأجهزة بحق المهاجرين وعدم السماح للمفوضية العليا لحقوق اللاجئين بالأمم المتحدة بزيارة المحتجزين داخل أقسام الشرطة، بالإضافة إلى عمليات التعذيب على أيدى عصابات الاتجار بالبشر، بهدف الحصول على مزيد من المبالغ المالية، وهو ما يستوجب تدخل الحكومة لحمايه الضحايا».
وتوضح مرايف أن الحدود المصرية مع إسرائيل تعد أسوأ حدود على مستوى العالم، "حيث تقوم الشرطة بقتل أى مهاجر يعبر الحدود بدلا من القبض عليه وتطبيق القانون على حالته" وتقارنها بالحدود الأمريكية المكسيكية، الممتدة لمئات الكيلومترات، والتي تشهد مقتل مهاجر واحد سنويا فى حين تشهد مصر مقتل 50 متسللا فى العام بخلاف إصابة المئات فى عمليات قمع أمنية.