عشاق الساحرة المستديرة في برلين ينتفضون ضد اليمين المتطرف
٥ فبراير ٢٠٢٤احتشد أكثر من 150 ألف متظاهر قرب مبنى الرلمان الألماني (الرايشستاغ) نهاية الأسبوع الماضي لمعارضة العنصرية واليمين المتطرف ، مع مشاركة عدد من مشجعي الأندية الألمانية الذين رفعوا أعلام أنديتهم ولافتات ملونة كُتب عليها عبارات مناهضة للعنصرية مثل "لا مجال للفاشيين في كرة القدم!" و"كرة القدم ترحب باللاجئين".
وخلال مشاركته في المظاهرة، قال ديفيد هوفمان، العضو في منظمة "Gesellschaftsspiele" التي تركز على زيادة التوعية السياسية بين مشجعي كرة القدم في برلين، إنه "من المهم أن يتحدث الجميع بصوت واحد ضد التطرف. إنها لحظة حاسمة. ويجب على الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص، أن تنتفض لأن الكثير من الناس يجتمعون عند لعب كرة القدم ومشاهدتها".
وفي مقابلة مع DW، أضاف هوفمان أنه ساعد في تشجيع الجماهير الكروية على المشاركة في التظاهرات الحاشدة ضد اليمين المتطرف، موضحا أن 30 رابطة تضم روابط أندية تنافس في الدوري وأخرى لا تشارك في البطولة، وقّعت على المشاركة رسميا في التظاهرة.
الوقوف أمام اليمين المتطرف
وجاءت مظاهرة السبت (الثالث من يناير/ كانون الثاني) ضمن احتجاجات عارمة تسود أنحاء ألمانيا ضد اليمين المتطرف منذ الكشف عن "لقاء بوتسدام" في نوفمبر / تشرين الثاني الماضي الذي حضره قادة من حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي وبعض السياسيين المحافظين ورجال أعمال حيث ناقشوا خطة تقضي بإعادة المهاجرين في ألمانيا "قسرا" إلى بلدانهم، بمن فيهم من يحملون الجنسبة الألمانية ذوي أصول مهاجرة.
وقالت بترا، وهي مشجعة لنادي "هيرتا برلين"، إنها شاركت في المظاهرة بسبب "ضرورة أن نقف جميعا في ديمقراطيتنا ضد اليمين المتطرف"، مضيفة: "يتعين أن نحرص على عدم تعثر ديمقراطيتنا وعدم وصول الأحزاب الخاطئة إلى السلطة".
ورغم انخفاض الدعم الشعبي لحزب "البديل" منذ بدء موجة الاحتجاجات الحالية، إلا أن الحزب اليميني الشعبوي مازال يحظى بنسبة تاييد بلغت 19 بالمئة في استطلاعات الرأي على مستوى البلاد مما يجعله ثاني أكثر الأحزاب شعبية في ألمانيا.
قوة الساحرة المستديرة
من جانبه، يرى ماكس، مشجع نادي "يونيون برلين"، أن كرة القدم تتجاوز كونها مجرد وسيلة للترفيه في العطلات الإسبوعية، مؤكدا أنه قرر وزوجته وكافة أفراد أسرته المشاركة في تظاهرة السبت.
وقال "كرة القدم تعكس المجتمع. النضال من أجل الديمقراطية يعني أن نحمي أسسها، سواء داخل أندية كرة القدم وداخل المدارس وأماكن العمل وحتى الأحياء التي نقطنها".
ولعبت العديد من أندية البوندسليغا دورا في تشجيع عشاقها على المشاركة في المظاهرات المناهضة لليمين المتطرف فيما أعرب مدربون مثل الألماني كريستيان شترايش، مدرب فريق فرايبورغ والإسباني تشابي ألونسو، المدير الفني لباير ليفركوزن، عن دعمهما للاحتجاجات. وتزامن هذا مع تعالي الأصوات الداعية إلى انخراط كافة الأندية الألمانية.
وفي ذلك، قال آرني الذي يلعب لصالح أحد الأندية المحلية غير المشاركة في منافسات البونسليغا، "تتمتع كرة القدم بالقدرة على جمع الناس معا، خاصة الأشخاص الذين ينتمون إلى ثقافات ولغات وجنسيات وديانات وعرقيات وحتى أراء مختلفة".
وأضاف "يمكن استغلال قوة الساحرة المستديرة للحشد ضد الإقصاء والتمييز والعنصرية".
الطابع السياسي لكرة القدم الألمانية
ويرى مراقبون أن مشاركة مشجعي الأندية الكروية في الاحتجاجات الحالية ضد اليمين المتطرف تسلط الضوء على الطابع السياسي لكرة القدم في ألمانيا.
ورغم نجاح روابط مشجعي الأندية الألمانية أيضا في القضاء على الكثير من أعمال الشغب ذات الطابع اليميني التي كانت سمة مميزة لكرة القدم الألمانية في الثمانينيات والتسعينيات، إلا أن عالم الساحرة المستديرة في ألمانيا مازال يعاني من انقسامات تعكس حالة الانقسام داخل المجتمع الألماني.
ومع استمرار بعض الإساءات العنصرية، سواء عبر الإنترنت أو في ملاعب كرة القدم الألمانية، جرى تدشين حملات مثل "أطردوا النازيين من الملاعب" لعبت دورا هاما في منع اختراق العناصر المتطرفة للمجتمع الكروي في البلاد.
وفي تعليقه، قال هوفمان: "هناك محاولات من اليمين المتطرف لتقويض ثقافة كرة القدم. ولكن كما ترون اليوم، هناك الكثير من المنظمات الكروية وروابط المشجعين تقف ضد هذه المحاولات بهدف إظهار أن كرة القدم رياضة تجمع الجميع ولا تفرقهم".
كرة القدم الألمانية في دائرة الضوء
يأتي ذلك بالتزامن مع استضافة ألمانيا كأس أمم أوروبا لكرة القدم في الفترة من 14 يونيو/ حزيران إلى 14 يوليو/ تموز العام الجاري، ما دفع بعض الأصوات الكروية مثل هوفمان إلى التحذير من إمكانية استغلال العناصر المتطرفة لبطولة "يورو 2024".
الجدير بالذكر أنه رغم نجاح مونديال 2006 الذي استضافته ألمانيا في إظهار كافة أشكال الوطنية في البلاد، إلا أن بعض مظاهر القومية البائنة في كرة القدم ترتبط في بعض الأحيان باليمين المتطرف.
وفي ذلك، قال هوفمان: "بالتأكيد أنا قلق بشأن بعض النزعات القومية في ألمانيا خلال تنظيم حدث كروي كبير، لكني أعتقد أن هذا الأمر يوفر فرصة للانخراط في حوار نقدي حول القومية والدور الذي تلعبه كرة القدم في الاستراتيجيات القومية".
وأضاف: "هذا ما يتعين علينا القيام به. علينا التحدث مع جيراننا ومع أصدقائنا من أجل توعيتهم من خطر مساعي المتطرفين اليمينيين إلى استغلال كرة القدم".
بدورها، شددت بترا على أن مشاركة عشاق الساحرة المستديرة في المظاهرات المناهضة لليمين المتطرف، تبعث برسالة مفادها أن كرة القدم تلعب دورا هاما في الدفاع عن الديمقراطية، مضيفة: "كرة القدم تعني أساس كل شيء. إنها مجتمعنا، إنها تتسع للجميع بغض النظر عمّن أنت أو الفريق الذي تشجعه كحال ديمقراطيتنا التي تتسع للجميع".
أعده للعربية: محمد فرحان