عزمي بشارة: إسرائيل حولت القطاع إلى حي فقر قبل الانسحاب
في وقت بدأ فيه العد التنازلي لانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وباشرت فيه حكومة تل أيبيب بتفكيك المستوطنات في الأراضي الفلسطينية، جاءت آراء الخبراء والمحللين لتشير إلى أن القطاع يشهد في الأيام توترا كبيرا على الصعيد الأمني من جهة والوضع الداخلي الإسرائيلي والفلسطيني من جهة أخرى، إذ أن المستوطنين عادوا في اليومين الماضيين من جديد إلى تجميع صفوفهم في محاولة لاقتحام القطاع. ناهيك عن ذلك، بدأ الجيش الإسرائيلي بالتحدث عن احتمال توجيه ضربة وقائية للقطاع، عازيا ذلك إلى قصف الفلسطينيين المستمر للمستوطنات. ومع اقتراب موعد الانسحاب بدأت القوى الفلسطينية الداخلية بمحاولة قطف ثمار هذا الانسحاب، فالكل يعتبر ذلك نتيجة للمقاومة المستمرة ضد القوات الإسرائيلية. أما إسرائيل فقد هددت بإرجاء الانسحاب إذا استمرت الحركات الفلسطينية في استهداف المستوطنات. ولذاك فإن إسرائيل تسعى إلى تصفية أكبر عدد ممكن من من النشطاء والكوادر الفلسطينية قبل الخروج من القطاع. فقد قامت برفع حدة لهجتها تجاه الفلسطينيين مع اقتراب موعد إخلاء المستوطنات في قطاع غزة، هذا إلى جانب ازدياد التوتر بين الحركات الفلسطينية والسلطة من جهة وبين القوات الإسرائيلية من جهة أخرى.
تهويد القدس وضم الضفة
في الوقت ذاته بدأت إسرائيل بتوسيع المستوطنات في الضفة وإقامة مستوطنات جديدة قبل أن تبدأ انسحابها من قطاع غزة بحجة إيواء سكان القطاع اليهود الذين سيتم إجلاؤهم من هناك. في هذا الخصوص قال عزمي بشارة عضو الكنيست الإسرائيلي ورئيس التجمع الوطني الديمقراطي في مقابلة خص بها موقعنا أن الانسحاب من غزة "جزء من خطة فك الارتباط مع الفلسطينيين التي لا تقتصر فقط على الانسحاب فحسب." وأضاف بشارة أن شارون "يريد اعتبار الانسحاب جزءا من خارطة الطريق، حتى لو كان هذا الانسحاب من طرف واحد ودون التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين." وتابع بشارة في المقابلة ذاتها بالقول إن الانسحاب يحتوي في مضمونه على زيادة الاستيطان في الضفة والقدس، إلى جانب ضم مساحات أوسع من الأراضي الفلسطينية."
ومن الجدير بالذكر أن سياسة إسرائيل الاستيطانية تعتبر، وفقا لرأي الخبراء من أخطر السياسات خاصة أنها تسعى إلى تغيير معالم القدس لفرض واقع جديد. ويضيف هؤلاء أن هذا الواقع الذي سيشعل نزاعا مع الفلسطينيين، نظرا إلى أنه يلغي فكرة إقامة دولة فلسطينية مهما كان شكلها، وذلك حسب رأي بيان مجموعة الأزمات الدولية الذي أصدرته أمس في بروكسيل. وطالبت المجموعة الولايات المتحدة واللجة الرباعية باتخاذ موقف واضح من السياسات الإسرائيلية وتنفيذ التزامات خارطة الطريق. ويذكر أن إسرائيل تنوي ربط مستوطنات الضفة بالقدس الشرقية بهدف تهويد المدينة. أما الخبير السياسي باسم الزبيدي فقد قال في حديث مع موقعنا أن الانسحاب "سيكون له تأثير واضح على الوضع الفلسطيني والإسرائيلي خاصة بعد إغلاق قطاع غزة من جميع المناطق المحاذية لإسرائيل إضافة إلى نشر قوات مصرية على الحدود معها من جهة، وعدم وضوح الرؤيا المستقبلية للحلم الدائم من الناحية الإسرائيلية من جهة أخرى. وأضاف الزبيدي أن إسرائيل ومن خلال سياسة الاستيطان والمضي قدما ببناء الجدار العازل "ستحرم آلاف الفلسطينيين من القدس إضافة إلى أن ذلك سيؤدي إلى تقسيم الضفة الغربية إلى كتل مفرقة."
الانسحاب والوضع الداخلي
يرى الزبيدي أستاذ العلوم السياسية الفلسطيني أن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة له بعدين، فمن ناحية يوفر ذلك حالة من الإحساس العالم الفلسطيني خاصة فيما يتعلق بإعادة جزء من الحقوق الفلسطينية، الأمر الذي ينطوي على نوع من المشاعر والعواطف الفلسطينية، ومن ناحية أخرى سيشكل هذا الانسحاب حالة من التحدي للفلسطينيين خاصة في ظل وجود موازين القوى الفلسطينية الداخلية، الأمر الذي يعتبر بمثابة اختبار صعب ليس فيما يتعلق بمقدرة السلطة أو عدم قدرتها على ضبط الأمور الداخلية، بل أن التحدي يكمن في سبل إيجاد قاعدة أساسية للتعامل مع الحركات والأحزاب السياسية الموجودة في القطاع، كحركة حماس مثلا التي لها وجودها الشعبي إضافة إلى قدرتها العسكرية. ولذاك ـ أضاف الخبير ـ لا بد للشعب الفلسطيني وللسلطة من ملئ الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الإسرائيلي. من جانبه اعتبر عزمي بشارة أن هذه الخطوة الإسرائيلية "أحادية الجانب وستعمل على حصول إرتباك في الشارع الفلسطيني. وعزا بشارة ذلك إلى عدم وجود وحدة فلسطينية داخلية، مشيرا إلى وجود أطراف مثل حركة حماس تعتبر أن الانسحاب جاء نتيجة لمقاومتها ونضالها الدائم، الأمر الذي أدى في الفترة الأخيرة إلى وجود حالة من الانفلات الأمني الداخلي.
وأجمع الخبيران على أن الانسحاب "سيطرح الكثير من الأسئلة في الشارعين الإسرائيلي والفلسطيني. ومن أهم هذه الأسئلة، هل يمكن اعتبار الانسحاب نهاية للاحتلال رغم أن الضفة الغربية لا زالت محتلة؟ وكيف يمكن النظر إلى تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية والقدس؟ وما هو مصير الحل الدائم والدولة الفلسطينية خاصة في ظل بناء الجدار العازل ورفض الربط بين غزة والضفة؟. وفي هذا الخصوص قال بشارة إن وهذه القضايا المختلف عليها "ستعمل على خلط الأوراق في كلا الجانبين خاصة أنه لا يوجد استراتيجية موحدة لدى الفلسطينيين لمواجهة التحديات الإسرائيلية والوضع الجديد، إضافة إلى وجود معارضة داخلية إسرائيلية لتقديم التنازلات للفلسطينيين."
غزة سجن الفلسطينيين الأكبر
وأكد بشارة أنه يمكن اعتبار قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي وإخلاء المستوطنات "بمثابة سجن كبير لأكثر من 1.2 مليون فلسطيني، خاصة أن إسرائيل ستقطع أي اتصال لها بالقطاع وستقوم بفك الارتباط بالكامل." وتابع بالقول إن انتشار القوات المصرية على الحدود مع القطاع سيعمل على إحكام الإغلاق، خاصة وأن إسرائيل تعتبر مصر بمثابة الشريك الحقيقي في عملية السلام، ولا زالت تفقد الثقة في السلطة الفلسطينية." وفي هذا الشأن اعتبر الخبير السياسي الزبيدي أن إدخال العنصر المصري "يمكن اعتباره مكسب إسرائيلي خاصة وأن إسرائيل لا زالت تشكك في قدرة السلطة الفلسطينية في ضبط الوضع الأمني وحماية الحدود بما يرضي إسرائيل." ومن ناحية أخرى يرى عضو الكنيست الإسرائيلي بشارة أن إسرائيل عملت ولا زالت تعمل على نهب الممتلكات الفلسطينية، فهي استغلت الأراضي الفلسطينية وعمل على نهب مواردها الطبيعية، حيث أنها لا زالت تسرق المياه الجوفية للقطاع، إلى جانب أنها عملت منذ البداية على تحويل قطاع غزة إلى مخيم فقر كبير."
تقرير: زاهي علاوي - دويتشه فيله