عام على حكم السيسي - "دكتاتورية أفضل من فوضى الثورة؟"
١٠ يونيو ٢٠١٥عام بالتمام والكمال مر على تنصيب وزير الدفاع السابق، المشير عبد الفتاح السيسي رئيسا لمصر بعدما أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. البعض يرى في السيسي "منقذا حقيقا"، على غرار ما قاله رفعت السعيد، رئيس المجلس الاستشاري لحزب التجمع في حديث مع صحيفة الأهرام المصرية. والبعض الآخر - ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها- يرى فيه "منقلبا على الشرعية".
عام يكاد لا يمر فيه يوم لا يتصدر فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي وإنجازاته عناوين الصحف والأخبار المحلية في مصر، مذكرا بماض غير بعيد عندما كان الرئيس الأسبق حسني مبارك "فرعونا أزليا"، فما الذي تحقق في مصر منذ تولى السيسي الحكم؟
تحسن على أصعدة مختلفة، ولكن...؟
جمال عبد الجواد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة، يرى أن حكم السيسي بصفة عامة "إيجابي". ويقول في حوار مع DW عربية: "أهم الإنجازات تتعلق بالوضع الأمني وبالدرجة الأولى الجانب الجنائي. فبعد ثورة 25 يناير 2011 حدث انهيار كامل في الوضع الأمني وأصبح المواطنون يخشون من الاعتداء عليهم ونهب وسرقة ممتلكاتهم. هذا الأمر تحسن كثيرا، حيث تراجعت نسب الجريمة كالسرقة والسطو المسلح والاختطاف." ويضيف جمال عبد الجواد: "كما سجل أيضا تقدم نسبي في محاربة الإرهاب، حتى وإن كان الوضع في شبه جزيرة سيناء متوترا. ولكن رغم ذلك فقد تراجع عدد العمليات الإرهابية."
هذا التحسن في الوضع الأمني ساهم أيضا في تحسن الوضع الاقتصادي على ما يقول جمال عبد الجواد، ويوضح: "التقدم الملحوظ على الصعيد الاقتصادي، هناك جزء منه بفضل تحسن الوضع الأمني والجزء الآخر يعود إلى السياسات الاقتصادية الجديدة من خلال محاولة ضبط موازنة الدولة ومراجعة سياسة الدعم الحكومي للسلع والوقود، الذي يشكل ربع النفقات العامة في مصر، بالإضافة إلى اتباع سياسات اقتصادية مشجعة على الاستثمار."
وفي الواقع، فإن صندوق النقد الدولي أكد أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر في ارتفاع مطرد، بعدما كانت انخفضت بعد عام 2009. لكنها لا تزال دون الآمال، حيث يقدر حجمها على مدى السنوات الثلاث الماضية بحوالي 1.5 بالمئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي لمصر. كما أعلن المركزي المصري يوم الأحد (السابع من يونيو/ حزيران 2015) أن احتياطيات مصر من النقد الأجنبي بلغت نحو 19.5 مليار دولار في نهاية مايو/ أيار مقابل 20.5 مليار دولار تقريبا في نهاية أبريل/ نيسان.
ويبدو أن السيسي قد حقق نجاحات على صعيد السياسة الخارجية، بعدما كانت علاقة مصر ببعض الدول متوترة وخاصة الخليجية منها (باستثناء قطر) بعدما تولت جماعة الإخوان المسلمين الحكم. ويقول الدكتور جمال عبد الجواد لـ DW عربية: "لقد استعادت مصر علاقاتها الدبلوماسية مثلا مع الدول الإفريقية. كما أن هناك قبولا واعترافا بالرئيس والحكومة الحاليين في مصر من قبل دول رئيسية لم تكن راضية عما حدث في مصر من تطورات في الفترات السابقة"، في إشارة إلى السعودية والإمارات مثلا.
الجانب الآخر من الميدالية: "جمهورية الخوف"
غير أن الجانب الآخر من الميدالية يتحدث عن واقع آخر في مصر. هذا الواقع لخصته صحيفة "دير شتاندارد" النمساوية بـ"جمهورية الخوف"، في عددها الصادر الاثنين (الثامن من يونيو/ حزيران 2015)، في إشارة إلى اليد الحديدية التي يحكم بها السيسي البلاد. وكتبت الصحيفة تقول: "قمع الإسلاميين قَوَّى من شوكة المتطرفين، حيث يكاد لا يمر يوم لا تقع فيه عملية إرهابية أو هجوم مسلح. والقمع يطال كل أنواع المعارضة دون استثناء حتى نشطاء ثورة عام 2011." ففي الفترة بين منتصف عام 2013 ونهاية عام 2014 سُجِّل مقتلُ 2600 شخص في أعمال العنف التي تلت الإطاحة بالرئيس السابق مرسي، بينهم 1250 من أنصاره، و700 من قوات الأمن، وفق منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية. كما تحدثت المنظمة عن "انتهاكات سافرة لحقوق الإنسان اِرْتُكبت بعد تولي السيسي السلطة"، متهمة إياه وحكومته بضمان "الإفلات شبه الكامل من العقاب لقوات الأمن". هذا، بالإضافة إلى أحكام الإعدام الجماعية التي طالت المئات من أعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين التي حوّلها الرئيس السيسي إلى منظمة محظورة. كما أن الرئيس السيسي يحكم أكبر دولة عربية من حيث التعداد السكاني، من دون برلمان، ولا يُعْرَف حتى الآن متى ستنظم الانتخابات البرلمانية.
الخبير في الشؤون المصرية جمال عبد الجواد يرى أنه من السابق لأوانه إصدار أحكام نهائية على فترة حكم السيسي، ويقول: "أعتقد أن مصر لا تزال حاليا في مرحلة البناء السياسي والمؤسساتي ومسألة إرساء الديمقراطية أمر مؤجل في الوقت الراهن. هناك إمكانية لبناء نظام سياسي تمثيلي تعددي بشكل تدريجي، وليس بالضرورة ديمقراطيا من اللحظة الأولى."
الاستقرار أهم من الديمقراطية؟
أما صحيفة "دي فيلت" الألمانية، فتستبعد أن يرسي قائد عسكري سابق أسسا ديمقراطية. وكتبت في تعليق نشرته على موقعها الالكتروني مطلع هذا الأسبوع: "السيسي لا يمتلك أي رؤية سياسية. وهو لم يدّع من قبل بأن لديه (رؤى سياسية). لقد ظهر على الساحة لإعادة الاستقرار إلى البلاد ودفع العجلة الاقتصادية بعد الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين. التفكير الأمني يطغى على كل تصرفاته وتحركاته."
كما أعربت الصحيفة عن رؤيتها المتشائمة بخصوص تحسن أوضاع المصريين الاقتصادية، وعلقت بالقول:"من الاقتصاد تستفيد في مصر خاصة مؤسسة واحدة: العسكر. (...) وقليلة هي المؤشرات التي تشير إلى أن الأمور ستتغير الآن. الجهاز العسكري المصري هو عبارة عن مؤسسة اقتصادية تُخْضِعُ الدولة بأسرها تحت قبضتها. وعائدات الصفقات الاقتصادية تجد طريقها إلى جيوب الضباط. وهكذا يتم تثيبت هياكل السلطة. (...) السيسي يظهر نفسه على أنه بديل مضمون، بيد أن العسكر لا يعرفون سوى استقرار حكمهم فقط."
لكن الصحيفة الألمانية تؤكد في الوقت نفسه أن هناك أولويات وأن السيسي قد ينجح في ضمان استقرار أكبر بلد في الشرق الأوسط، قائلة: "الديمقراطية وحقوق الإنسان مكتسبان جيدان جدا، ومبدئيا لا يختلف حول ذلك أحد. وكلاهما لا يملك المرء سوى أن يتمناهما من كل وجدانه لجميع شعوب الأرض. ولكن إذا ما تعثر إرساؤهما في بلد ما، كما هو الحال في مصر، فلا يمكن سوى التحسر بعض الشيء. (...) الأفضل دولة مستقرة بدلا من فوضى ثورة لا تنتهي. الأمن والنظام أهم من حقوق الإنسان. الدكتاتورية أفضل من الفوضى."
وأمام ذلك المشهد الضبابي يبرز السؤال المهم، وهو: هل تصبح الديمقراطية من الكماليات أمام مطالب الملايين بملئ بطونهم وفي ظل وجود تهديدات إرهابية تؤرق مضجع منطقة بأسرها؟