عام على ثورة شعب مصر ضد حكم مبارك
٢٥ يناير ٢٠١٢تقف حافلة مليئة بركابها لمدة طويلة في أحد شوارع القاهرة المزدحمة بالسيارات التي ينتظر سائقوها بصبر نافد عودة انفراج حركة المرور.. يقول أحد الراكبين بالحافلة "الطريق مقفول بسبب موقع محطة البنزين في نصف الشارع، السيارات تنتظر دورها بسبب أزمة البنزين". فيرد عليه آخر: "هذا كله تسبب فيه المتجمهرون في ميدان التحرير الذين شلوا حركة البلد". ويتدخل ثالث في الحوار، ويقول :"يا سيدي إنه المجلس العسكري الذي يسعى في كل مرة إلى شغلنا بأزمة شكلية". الحوار في هذه الحافلة يمثل انعكاسا للآراء داخل المجتمع المصري ورؤيته لما حققته الثورة بعد عام من اندلاعها. فأزمة نقص الوقود، ووقوف السيارات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود هي واحدة من سلسلة أزمات يمر بها المجتمع المصري، وهي في هذه الحالة وإن وقفت عند بعدها الاقتصادي، فان أزمات أخرى تجاوزت هذا البعد إلى أبعاد أكثر عنفا ودموية تمثلت في اشتباكات ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها.
وبعد حالتي الوفاق والاتفاق اللتين سادتا المجتمع المصري خلال الفترة التي سبقت الإطاحة بمبارك، بدأت هذه الحالة في التلاشي تدريجيا لتتحول إلى حالة من الاستقطاب والتحزب وحتى الاحتقان السياسي بعد عام على الثورة.
المواطن المصري يبحث عن الأسباب المحتملة لمعاناته الحالية
يقول محمود وهو طالب بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية إن حالة الخلاف بدأت مع الاستفتاء على التعديل الدستوري، إذ ظهرت للمرة الأولى حالة الاستقطاب القوية بين المؤيدين للتعديلات والمعارضين لها، وحشد كل طرف ما أوتي من إمكانيات مادية وإعلامية، وكذلك توظيف الدين لإقناع الشارع بالتصويت بنعم أو لا في هذا الاستفتاء. ويضيف محمود أن إصدار المجلس العسكري لإعلان دستوري بعد صدور نتيجة الاستفتاء بالموافقة على التعديلات الدستورية، وهو الأمر نفسه الذي كان ينادي به المعارضون لهذه التعديلات بدون الدخول في استفتاء، أظهر رغبة من المجلس العسكري في إيجاد انقسامات داخل الشارع المصري حول مسار الثورة .
أما جمال وهو مدرس ثانوي، فيرى أن هناك أيادي خارجية تسعى لإفشال الثورة وترغب في الزج بمصر في مستنقع الفوضى، ويبرهن على ذلك بأحداث غير مبررة مثل وجود عناصر مدسوسة قادت إلى الاشتباكات في ماسبيرو بين الجيش والأقباط تسببت في مصرع أشخاص وإصابة عشرات آخرين، إضافة إلى الاشتباكات التي وقعت في شارع محمد محمود، ورغبة البعض في اقتحام مقر وزارة الداخلية، دون نسيان عمليات التخريب المتكررة لخطوط الغاز في سيناء.
أما أمنية وهي موظفة بإحدى الشركات الخاصة فهي تعتبر أن ما يحدث من أزمات يشهدها المجتمع المصري حاليا هي نتاج عقود طويلة من الفساد والقهر والظلم، بدأ المجتمع في التعافي منها، مؤكدة أن الثورة وان لم تحقق أهدافها كاملة إلى الآن، لكنها حققت أهم الأهداف، وهي إسقاط النظام و كسر حاجز الخوف لدى الناس.
أما شريف الروبي وهو من حركة شباب 6 أبريل، فيرى أن الثورة لم تكتمل بعد، وأن هناك حالة من الانقلاب عليها يقودها المجلس العسكري والتيارات السياسية التي حققت مكاسب على حساب الشباب الذين أشعلوا الثورة وأسقطوا النظام السابق.
تباين آراء المصريين حول إنجازات الثورة
لكن تنوع الآراء حول ما حققته الثورة يبدو أكثر تباينا في الأحياء الشعبية أو تلك التي تشهد تنوعا دينيا كحي شبرا التجاري، حيث تعم كثافة سكانية من الأقباط. جرجس صاحب متجر يقول إن الثورة لم تحقق أيا من أهدافها، لأن الاقتصاد تضرر بشدة، والتجارة تأثرت سلبا بغياب الأمن والاستقرار، كما أن الحديث عن الحرية والديمقراطية لا يجد آذانا صاغية من جانب الآلاف ممن فقدوا وظائفهم في قطاعات السياحة أو غيرها من القطاعات المتضررة. ويتدخل أمير في الحديث، ليضيف أن المشكلة تتجاوز هذا الحد، فنظام مبارك برغم ديكتاتوريته وقمعه، حافظ على أمن المسيحيين وسلامتهم، وسمح لهم بممارسة شعائرهم وطقوسهم، بينما واجه المسيحيون بعد مبارك هجمات على كنائسهم بالحرق والهدم.
من جانبه يقول المفكر المسيحي كمال زاخر إن المرحلة التي تمر بها مصر هي بمثابة مرحلة ارتباك، وأن الثورة برغم انتكاساتها في بعض المراحل نجحت في تحقيق هدفين مهمين، وهما إزاحة رأس النظام، وإعادة الاعتبار للشارع. ويشير زاخر إلى أن المجلس العسكري ارتكب أخطاء في بعض المواقف والقرارات كان من الممكن تجبنها لتسريع مرحلة التحول الديمقراطي. ويبرر كمال زاخر غموض بعض قرارات المجلس العسكري الحاكم بافتقاره للرؤية السياسية، كون أعضائه رجال عسكر لا سياسة. كما يعتبر زاخر أن صعود حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين أو حزب النور التابع للدعوة السلفية هو نتاج حالة من التعاطف الشعبي مع القهر والإقصاء السياسي الذي عانته هذه التيارات خلال فترة مبارك، كما أنه مثل نوعا من التصويت العقابي للقوى المدنية التي يرون أنها تحالفت بشكل أو بآخر مع نظام مبارك، وأن هذه التيارات برغم وجود بعض العناصر المتطرفة بداخلها ستعمل على إيجاد تفاهمات سياسية تجعلها أكثر قبولا للغرب والمجتمع الدولي.
لكن حديث كمال زاخر وإن اعتمد على رؤية تحليلية لمجريات الأمور بعد الثورة يبقى غير قادر على توحيد الآراء داخل الحافلة التي ينتظر ركابها معرفة من المسئول الحقيقي عن أزمة البنزين.
عمرو صالح ـ القاهرة
مراجعة: محمد المزياني