عام على التدخل الروسي: سوريا تغرق أكثر في حمام دم
٣٠ سبتمبر ٢٠١٦يتصادف مرور الذكرى الأولى للتدخل الروسي العسكري في سوريا مع واحدة من أحلك الفترات التي يشهدها الصراع الذي بدأ منذ خمس سنوات، إذ وصف مدير العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، الوضع في حلب أمام مجلس الأمن الدولي أمس الخميس بأنه "أخطر كارثة إنسانية تشهدها سوريا حتى الآن". وكانت القوات السورية قد بدأت منذ أسبوع هجوماً واسعاً بدعم من حليفها الروسي كافة أحياء المدينة. ويحاصر الجيش السوري الأحياء الشرقية، التي يقطنها نحو 250 ألف شخص وحيث تتواجد قوات المعارضة، بينما يقوم الطيران الروسي والسوري بقصفها.
الهجوم أثار استياءاً أمريكياً كبيراً، إذ هددت واشنطن على لسان وزير خارجيتها جون كيري بوقف التعاون مع موسكو فيما يتعلق بسوريا إذا لم تتوقف عمليات القصف في حلب، وذلك بحسب ما أعلنت عنه الخارجية الأمريكية. فهل ستستجيب روسيا لهذا التهديد؟ وكيف ستتأثر مجريات الحرب في سوريا إذا انهار التعاون الأمريكي الروسي بالفعل؟
تدخل غيّر موازين القوى
بدأت روسيا تدخلها العسكري في سوريا في مثل هذا اليوم قبل سنة، بعد حصول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تفويض من الكرملين بنشر قوات عسكرية في سوريا بناء على طلب من الرئيس السوري بشار الأسد، كما أُعلن وقتها. وكان يُنظر إلى التدخل الروسي على أنه الأمل الأخير الذي كان متبقياً لدى الأسد في وقت كان فيه نظامه قد بدأ يضعف ويتلقى الهزائم، إذ تمكنت فصائل المعارضة من فرض سيطرتها على مناطق مهمة منها أجزاء واسعة من حلب. وقد تركزت الضربات الجوية الروسية بشكل أكبر على المناطق القريبة من خطوط المواجهة بين قوات النظام السوري وقوات الفصائل المعارضة، ليبدأ النظام السوري باستعادة توازنه وتحقيق انتصارات على الأرض ضد فصائل المعارضة.
ويقول الدكتور إدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة واشنطن، إن التدخل الروسي غيّر - بدون شك - موازين القوى. فبعدما كان النظام السوري في وضع دفاعي صعب بعد فقدان مناطق مهمة كثيرة، أعاد التدخل الروسي التوازن للحرب وربما رجّح كفة الصراع لصالح الأسد. ويشرح المحلل السياسي في مقابلة مع DW عربية بالقول: "صحيح أن القوى الأخرى التي تساند الأسد لها أيضاً تأثير على موازين القوى، فالمساعدة التي يقدمها حزب الله اللبناني مكنت النظام من استعادة بعض المناطق. لكن التدخل الروسي كان فعالاً وكان بمثابة استعادة النفَس للنظام السوري لإعادة تنظيم قواته واستعادة مناطق استراتيجية، ورأينا كيف تمت استعادة مدينة تدمر الأثرية وأجزاء مهمة من ريف اللاذقية كانت خاضعة للمعارضة، بالإضافة إلى مناطق من القلمون بفضل الدعم الروسي.
مساعي دبلوماسية
هذا وكانت موسكو قد أعلنت عند تدخلها أن عملياتها ستدعم الجيش السوري وستستهدف الإرهابيين. لكن الدول الغربية والعربية المناوئة للنظام السوري تتهم موسكو بأنها لا تفرق بين المعارضة المعتدلة والإرهابيين وأنها تستهدف كل القوى المناهضة للأسد، ما خلق خلافات كبيرة حول هذه النقطة بالإضافة إلى خلافات عميقة أخرى حول مصير الأسد، حتى بعد أن اتفقت روسيا والولايات المتحدة على إجراء مناقشات حول عمليات مشتركة محتملة في سوريا ووقف إطلاق النار.
التقدم الذي حققه الأسد على الأرض واجهه تراجع لنفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). أبرز مثال على ذلك كان تراجعه من مدينة تدمر، كما يرى غريب. وبخصوص ما إذا غيّر التدخل الروسي تعامل الغرب مع المعارضة، يقول الخبير السياسي: "دعم الغرب للمعارضة كان أحد أسباب التدخل الروسي. التغير الذي وقع كان على مستويين: الأول هو زيادة الدعم للمعارضة، والثاني هو ظهور مساع دبلوماسية لم تكن موجودة قبل التدخل. فقد بدأت الدول الغربية محاولات لاختبار المواقف وبدأ الحديث عن إمكانية التعاون ضد الإرهاب. وهذا يفسره أيضاً أن تأثيرات الحرب السورية وصلت إلى الغرب من خلال مئات آلاف النازحين واللاجئين وصعود اليمين المتطرف في دول أوروبية نتيجة لأزمة اللاجئين".
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أشار إلى أن عدد القتلى في سوريا منذ بدء التدخل الروسي بلغ 9364 شخصاً، منهم 3804 قُتلوا جراء الغارات الروسية، بينما قتل 2746 مقاتلاً من "داعش" و2814 من الفصائل المعارضة. ويتهم المرصد روسيا بانتهاك القوانين الدولية وارتكاب مجازر بحق المدنيين.
تصعيد بين موسكو وواشنطن
عمليات القصف الأخيرة التي تشهدها أحياء من حلب، خاصة بعد منع دخول مساعدات إنسانية للمدنيين المحاصرين هناك وقصف قافلة إغاثة، بالإضافة إلى قصف مستشفيين في حلب، بات يهدد بنسف التعاون الأمريكي الروسي. وبالفعل، فقد أعلن جون كيري أن بلاده توشك على تجميد محادثاتها مع روسيا بشأن تسوية النزاع السوري. من جهتها، أكدت روسيا أن لا نية لديها لتعليق الغارات الجوية الداعمة لقوات الأسد، ما يجعل الوضع مفتوحاً على كل الاحتمالات. في هذا الصدد، يرى إدموند غريب أن روسيا ستبقى على موقفها لأنه من وجهة نظرها "واشنطن غير جدية"، كما أن الروس يعلمون أن الأمريكان غير مستعدين للتدخل بريا في سوريا.
أما في حال انهار التعاون بين واشنطن وموسكو، يتوقع غريب أن يترتب على ذلك عواقب وخيمة، ذلك أن الصراع سيتعقد أكثر وسيزيد الاستقطاب وستستمر الحرب إلى أن يحسمها أحد الأطراف عسكرياً عوضاً عن اعتماد حل سياسي. كما أنه قد تظهر صراعات في مناطق أخرى أو تتأزم صراعات قائمة، تحديداً فيما يتعلق بالملف الأوكراني. بالمقابل، قد يؤدي انهيار التعاون من وجهة نظر أستاذ العلاقات الدولية إلى زيادة دعم المعارضة من قبل حلفائها. ويقول غريب في هذا السياق: "لقد بدأ الأمريكيون يلوحون بهذه الورقة: زيادة الدعم العسكري للمعارضة وإمكانية تزويدها بأسلحة نوعية".
وكان منسق الإغاثة في حالات الطوارئ بالأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، قد صرح لوكالة رويترز الجمعة بأن انهيار جهود السلام بين الولايات المتحدة وروسيا في سوريا سيعطل جهود توفير المساعدات التي تقوم بها المنظمة الدولية.
لكن ورغم الانتقادات الأمريكية والدولية الموجهة لموسكو، لم يمنع ذلك الكرملين من إعلان استعداده لاستئناف التعاون مع واشنطن "من أجل تطبيق اتفاقات واردة" في اتفاق وقف إطلاق النار، وبهدف "زيادة فاعلية الحملة ضد الإرهاب في سوريا". إلا أن ديمتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئيس الروسي، أشار إلى أن "موسكو تأمل أيضاً في احترام الالتزامات التي وافقت عليها واشنطن. وحتى الآن لم يتم احترامها". وتطالب روسيا بأن تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على فصائل المعارضة السورية كي تنأى بنفسها عن الجماعات الجهادية، مثل جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة).
سهام اشطو