عام بعد احتجاجات الجزائر..شبان الأحياء الفقيرة يبحثون عن الخلاص
٤ يناير ٢٠١٢تمر الذكرى الأولى على أحداث الاحتجاجات التي هزت الجزائر العام الماضي في الخامس من يناير/ كانون الثاني والمعروفة ب"الاحتجاجات ضد غلاء المعيشة"، وما تزال أسبابها المتمثلة بالأساس في غضب اجتماعي وسياسي قائمة. ويعتقد مراقبون أن "الغضب" الذي فجره شبان جزائريون في مطلع السنة الماضية، لم يتم استثماره بشكل صحيح، أو لم يوجه بشكل سليم لتحقيق المطالب التي يحلم الجزائريون بتحقيقها. في حي باب الواد بالعاصمة حيث اندلعت شرارة الاحتجاجات أو ما سمي أيضا ب "انتفاضة الزيت والسكر" صادف تواجد دويتشه فيله بالحي يوم عطلة ت، إذ بدا كل شيء عاديا، وحركة نشطة للمارة تواكبها عرقلة حركة المرور بسبب اصطفاف الباعة المتجولين على طول رصيف شارع محطة المسافرين.
خلفية أحداث السكر والزيت
على جانب طريق "سوق الدلالة" داخل حي باب الواد، وقف سمير 23 سنة، يعرض بضاعته على المارة، اقتربنا منه وسألناه، فعاد بنا إلى تفاصيل تلك الاحتجاجات التي تم "اختطافها وتحويلها عن مسارها". ويقول سمير" لقد احتج الشباب بعد سنوات من الاحتقان بسبب غلاء ظروف المعيشة". ويضيف أنه "عندما كنا نشاهد ما يحدث في تونس وقصة محمد البوعزيزي رأينا أنفسنا كلنا بوعزيزي. حادثة حرقه لنسفه أثرت فينا كثيرا خاصة وأننا نعاني نفس الظروف التي كان يعيشها". واعتبر سمير أن احتجاج الشارع التونسي تزامن مع حديث عن عزم السلطات في الجزائر على القضاء على التجارة غير الشرعية (الباعة المتجولون بدون ترخيص قانوني)، وقال "أنا شخصيا لو يلمس أحدهم طاولتي سأحرق هذا البلد ولا أحرق نفسي فقط... لقد انفجرت انتفاضتنا إثرها لأن الأمر يخص مصدر رزقنا ورزق عوائلنا".
حاول سمير التأكيد على أن ما حدث هو احتجاج باعة متجولين على قرار السلطة القضاء على التجارة غير الشرعية في البلاد، ولكن جماعة من أسماهم "بالبلطجية"، استغلوا الفرصة للسرقة والاعتداء لتنتشر إشاعة أن مصدر الاحتجاج هو ارتفاع أسعار الزيت والسكر في الوقت الذي كان الأمر أكبر من ذلك".
عندما تشتري السلطة السلم الاجتماعي
لا يرى سمير جدوى في الاحتجاج مادامت السلطة لم تمنعه من البيع في الشارع، ويقول بصوت مرتفع "دعونا نعيش مثلما أنتم تعيشون.. أتركونا بسلام ". قاطعه رجل كان جالسا بجانبه بدا أنه من جماعة السلفيين المنتشرين في حي باب الواد ليعلق "حرام الخروج عن الحاكم"، قبل أن يتهمنا نحن بأننا عملاء أجانب رغم كشفنا لهويتنا الصحافية. غادرنا المكان تاركين الباعة منهمكين في عرض بضاعتهم أمام المارة، لنلتقي بعدها بحمزة وعدلان شابين عاطلين عن العمل يقطنان بشارع باب الواد.أُعتقل حمزة أثناء "أحداث السكر والزيت"، ثم ُأطلق سراحه. يقول حمزة 27 سنة الذي كان رفقة صديقه عدلان 29 سنة جالسا بسوق الدلالة " لقد زج بي في السجن..خرجنا نحتج على غلاء المعيشة، لكن جماعة من المنحرفين حوَّلوا احتجاجنا إلى فوضى وشغب ما أدى إلى تدخل قوات الأمن وتعرضت للاعتقال".
غياب التنظيم والشارع يعيش نوعا من الفوضى
اعتقد حمزة أنه كان بإمكانه الاحتجاج برفقة أصدقائه ضد غلاء المعيشة بطريقة سلمية، لكن تأكد له أنه من الصعب تنظيم مظاهرات في الجزائر شبيهة بتلك التي ُنظمت في تونس ومصر، لأن الناس أصبحوا "يشعرون بيأس شديد ولا أمل لهم في التغيير"، في حين يعيش البعض، حسب تعبيره "فوبيا النظام"، أي الخوف الشديد من النظام خاصة الخوف من الاعتقال. أما عدلان رفيق حمزة، وهو شاب في مقتبل العمر، فهو يتحدث بلغة الوعيد "سينتفض الشارع هذا العام وستكون هناك ثورة لتغيير النظام.. لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي والعالم من حولنا يتغير"، ويضيف "الدولة تقوم ببناء السجون وتلعب بعقول الشباب بتقديم قروض يستفيد منها أصحاب المحسوبية والرشوة". وبالنسبة لعدلان فإن "الفساد متفش في مختلف مفاصل الدولة، بلادنا غنية ونحن فقراء والتغيير لم يحدث لغياب التنظيم.. نحن همجيون لسنا منظمين.. أريد أن اشتغل وأبني بيتا.. أريد أن أعيش بكرامة".
"الحرقة هي الأمل... ولا ثقة في الإصلاح"
وليس بعيدا عن حي باب الواد، وتحديدا على الجهة الساحلية للحي المطل على البحر الأبيض المتوسط، كان أسامة وسيد أحمد يستمتعان بمنظر البحر الجميل، اقتربنا منهما وبدا وكأنهما يخططان لأمر ما. بعد تردد كشف لنا سيد أحمد وهو يبتسم" كنا نتحدث عن إمكانية الحرقة"، ما يعني في لغة الشبان الجزائريين الهجرة بطريقة غير شرعية إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط. سيد أحمد 20 سنة يشتغل عون أمن في شركة غير حكومية مقابل أجر زهيد يسكن مع عائلته المكونة من 12 فردا بحي باب الواد في شقة من غرفتين، يقول إنه سئم أوضاع بلده ويريد الهجرة لتحسين ظروف عيش عائلته. سيد أحمد لم يعد يطيق رؤية أخواته البنات ينمن في غرفة واحدة رفقة إخوته الرجال، ولا يهمه "التغيير" الذي تروج له السلطة، لأن التغيير بالنسبة إليه لا ينفع سوى"المسئولين الفاسدين". صديقه أسامة 19 سنة سئم هو أيضا الوعود "الكاذبة للنظام والحكومة". استفاد أسامة مؤخرا مع عائلته من سكن جديد، لكنه يقول إنه كانت له غرفة لوحده عندما كانت عائلته تعيش في دور الصفيح الهامشية. أما الآن "فالشقة لا تتسع لكل أفراد العائلة". تركنا الشابين يحلمان بالهروب إلى أي بلد أوروبي بحثا عن فرص حقيقية "للنجاة وتغيير الأوضاع الشخصية".
رتيبة بوعدمة - الجزائر
مراجعة: محمد المزياني