"عاصفة الحزم" تضع تركيا وباكستان أمام اختبار صعب!
٦ أبريل ٢٠١٥بدأ البرلمان الباكستاني اليوم الاثنين(السادس من إبريل/نيسان) مناقشة طلب من السعودية بتقديم مساعدة عسكرية في العملية التي تخوضها الرياض اليمن، وهو طلب يضع حليفها رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في مواجهة مع الرأي العام في الداخل الذي سئم الحرب. وكانت السعودية قد طلبت من باكستان الانضمام إلى التحالف العسكري الذي تقوده على المقاتلين الحوثيين وحلفائهم في اليمن.
وقال شريف مرارا إنه سيتصدى لأي تهديد "لوحدة أراضي" السعودية دون تحديد العمل الذي قد يتطلبه التصدي لمثل هذا التهديد. ويبدو أن مشاركة باكستان في العملية العسكرية التي تقودها السعودية ستضع حكومة شريف في موقف حرج.
والسعودية حليف مهم لباكستان التي تحتاج لضخ منتظم للنقد الأجنبي لتفادي حدوث انهيار اقتصادي. وتقدم السعودية دعما بالمليارات لباكستان. واستضافت السعودية شريف بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1999. لكن الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية قد يؤجج صراعا طائفيا في الداخل حيث يمثل الشيعة نحو خمس سكان باكستان كما أن الهجمات على الشيعة تتزايد مما يزيد من زعزعة استقرار البلاد المسلحة نوويا والتي يبلغ عدد سكانها 180 مليون نسمة.
باكستان أمام مأزق
تدخل باكستان في حرب اليمن قد يثير غضب إيران التي تتقاسم معها حدودا طويلة مضطربة في منطقة تشهد تمردا انفصاليا. وتشترك باكستان في حدودها الرئيسية الأخرى مع عدوها اللدود الهند ومع أفغانستان حيث تشن القوات الباكستانية بالفعل عمليات ضد حركة طالبان. ومن المقرر أن يزور وزير الخارجية الإيراني باكستان هذا الأسبوع. وتوقف مراقبون عند تصريحات السفير الباکستاني في طهران نور محمد جادماني الذي وصف العلاقات بين طهران وإسلام اباد بأنها "ودية ووثيقة للغاية، ومبنية علي الأواصر التاريخية والدينية والثقافية الراسخة". وجاءت تصريحات السفير الباكستاني قبل يوم من عقد جلسة خاصة لبرلمان بلاده لمناقشة طلب السعودية بمشاركة باكستان.
ويعارض الرأي العام الباكستاني إلى حد كبير التدخل في أي عمل تقوده السعودية في اليمن. وجاء في مقال افتتاحي بصحيفة إكسبريس تريبيون يوم الجمعة "يجب تذكر أن باكستان ليست طوع بنان السعودية تنفذ أوامرها بإشارة منها."
ويواجه الجيش الباكستاني تحديات صعبة خصوصا على الحدود مع أفغانستان ويراقب بكثافة الحدود مع الهند، إضافة إلى حراسة المفاعلات النووية. ويرى محللون أن مشاركته في حرب في اليمن قد تزيد من أعبائه. وقال الميجر جنرال المتقاعد محمد علي دوراني، وهو مستشار سابق للأمن القومي، إنه حتى على الرغم من أن السعودية "صديق خاص" لكل من الحكومة والجيش فإن التدخل الباكستاني في اليمن قد يكون غير حكيم. وأضاف "إذا كان هدفه الدفاع عن السعودية ضد عدوان على الرغم من التزاماتنا، فأعتقد أننا سنجد صعوبة في إرسال قوات." ومضى قائلا "أعتقد أن إرسال قوات تابعة لنا إلى بلد ثالث سيكون حماقة. أيا كان سيكون خيارا صعبا جدا بالنسبة لباكستان."
وعن احتمال مشاركة قوات باكستانية في العملية، يرى المحلل الأمني الباكستاني فداء حسين أن إسلام اباد في وضع حرج نظرا لعلاقتها القوية مع السعودية وكذلك الجارة إيران المتهمة بدعم الحوثيين الشيعة. وقال إن "إرسال قوات برية للحرب في اليمن قد يؤدي إلى توتر مع إيران".
وأشار حسين إلى أن باكستان بحاجة إلى الأخذ في الاعتبار مواطنيها الشيعة الذين يمثلون أكثر من 20% من إجمالي عدد السكان. ويتواجد حاليا نحو 300 جندي باكستاني في السعودية للمشاركة في تدريبات مشتركة مع قوات سعودية.
وبرأي عارف رفيق، وهو أستاذ مساعد في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، فإن الباكستانيين "يتطلعون لتلبية الحد الأدنى من توقعات السعودية." وأضاف "من غير المرجح أن يكونوا جزءا من أي عمل جاد داخل اليمن. ربما سيعززون الحدود."
إردوغان هل يلعب دور الوسيط بين الرياض وطهران؟
وتلقي تطورات الأزمة اليمنية بتداعياتها أيضا على العلاقات التركية الإيرانية، ويبدو أن الزيارة التي يقوم بها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الثلاثاء إلى طهران ستكون مناسبة لمناقشة القضايا الحساسة على المستويين الثنائي والإقليمي، وسط أجواء متوترة جراء العملية العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، وتلقى دعما كبيرا من الرئيس إردوغان.
وأدرجت زيارة إردوغان لإيران على جدول المواعيد الرسمية منذ فترة غير أن عددا من المشرعين الإيرانيين دعوا إلى إلغائها الأسبوع الماضي بعد إعلان إردوغان دعمه العملية العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين - الذين تدعمهم إيران- منتقدا طهران على محاولتها "الهيمنة على المنطقة."
وتربط الدولتان علاقة اقتصادية قوية بعد أن باتت إيران- التي تعاني من العقوبات المفروضة عليها على خلفية ملفها النووي- ثاني أكبر مصدر للغاز إلى تركيا وهي تزودها بعشرة مليارات متر مكعب سنويا. غير أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين تضررت في السنوات الأخيرة مع خلافات حادة بشأن كيفية حل الصراع السوري.
وكان لافتا تصريح لوزير الطاقة التركي اليوم الاثنين إن من المرجح الانتهاء من النزاع الذي تنظره محكمة التحكيم الدولية على سعر واردات الغاز بين تركيا وإيران بحلول مايو أيار. وكانت تركيا أقامت دعوى بحق إيران التي تستورد منها عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا أمام غرفة التجارة الدولية بسويسرا في يناير كانون الثاني 2012 بعد أن رفضت طهران شكوى أنقرة من أن سعر الغاز أعلى مما ينبغي.
ولا يُعرف لحد الآن تأثير هذا الملف على اتجاه المحادثات التي سيجريها إردوغان مع الرئيس الإيراني حسن روحاني والزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي، خصوصا بصدد الأزمة اليمنية.
وفي مقال للكاتب السوري خورشيد دلّي بصحيفة" الحياة" اللندنية في عددها اليوم الاثنين، يرى أن الرئيس التركي إردوغان في "حيرة سياسية كبيرة بين روح "عاصفة الحزم" في اليمن واتفاق لوزان النووي، وهي حيرة لن تنتهي إلا بعد زيارته المقررة إلى طهران والنتيجة الحقيقية لتلك الزيارة". وبرأي الكاتب السوري أن "عاصفة الحزم" تضع علاقات تركيا وإيران أمام اختبار جديد، خاصة إذا تطورت العملية العسكرية التي تقودها السعودية إلى تدخل بري.
ففي حال تلبية الإيرانيين لمطالب تركيا الاقتصادية سيكون إردوغان أمام معادلة صعبة إما التضحية بالتفاهم الذي يسري في الآونة الأخيرة مع الرياض، وإما أنه سيدفع الأمور نحو مزيد من تعميق الخلافات القائمة مع طهران حول ملفات إقليمية أخرى، في مقدمتها الملفان السوري والعراقي. أو أنه سيحاول اللعب على شد الحبل من الوسط، عبر السعي إلى لعب دور الوسيط مع السعودية باتجاه إيجاد مخرج للأزمة في اليمن والحيلولة دون تطورها إلى تدخل بري.
ويقول المحللون إن البلدين الشيعي (إيران) والسني (تركيا) المتنافسين إقليميا، دأبا منذ سنين على الحفاظ على وتيرة صراع تقليدي على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط والأدنى، دون وضع العلاقات في حالة انهيار.
م.س/ ع.ج. م (وكالات، DW)